كتب: هادي زماني
ترجمة: علي زين العابدين برهام
لطالما كان موضوع نقل عاصمة إيران من طهران محل جدل منذ السنوات الأولى بعد الثورة الإسلامية 1979، حيث طُرح مرارا في الأوساط السياسية والأكاديمية على مدى العقود الأربعة الماضية.
تستند فكرة نقل العاصمة إلى مجموعة من التحديات المزمنة التي تعاني منها طهران، أبرزها الاكتظاظ السكاني المتزايد، والتدهور البيئي وتلوث الهواء، والازدحام المروري الخانق، ومخاطر الزلازل التي تهدد المدينة، والمركزية المفرطة في إدارة شؤون الدولة.
وبسبب هذه المشكلات، يعود الحديث عن تغيير موقع العاصمة من حين إلى آخر، حيث يُنظر إليه كأحد الحلول الممكنة للتخفيف من الأزمات التي تواجهها طهران، لكن فعاليته تظل موضع تساؤل.
رغم عقود من الدراسات والمقترحات، لا تزال طهران تحتفظ بمكانتها كعاصمة سياسية واقتصادية وثقافية لإيران، دون أن يُترجم أي من مشاريع نقل العاصمة إلى خطوات فعلية.
من بين المقترحات العديدة، كان مشروع نقل العاصمة إلى منطقة مكران، الذي طرحه الرئيس مسعود بزشكيان، من أكثر المشاريع إثارة للجدل. إلا أن هذا الاقتراح، كسابقاته، ظل حبيس النقاشات دون إحراز أي تقدم ملموس، في ظل العقبات الكبيرة التي تواجه تنفيذه.
وخلال العقود الماضية، أُجريت دراسات حكومية وبرلمانية لبحث إمكانية النقل، وطرحت عدة مدن بديلة، أبرزها أراك، وسمنان، وأصفهان، وبعض مناطق شمال إيران. ورغم هذه الدراسات، لم يتم اعتماد أي من هذه المدن رسميا، وبقيت الفكرة قيد النقاش دون تنفيذ.
في عام 2013، صادق البرلمان على مشروع لإنشاء “مجلس تنظيم شؤون العاصمة”، بهدف دراسة إمكانية نقلها وإيجاد حلول لأزمات طهران. وكان من المفترض أن يُجري المجلس دراسات شاملة حول الانتقال التدريجي للعاصمة، لكن مع مرور الوقت، لم تسفر هذه الجهود عن أي نتائج ملموسة، وبقي المشروع معلقا دون تنفيذ.
في السنوات الأخيرة، عاد الجدل مجددا مع اقتراح الرئيس مسعود بزشكيان نقل العاصمة إلى منطقة مكران. لكن، كما حدث مع المقترحات السابقة، لم يُتخذ أي إجراء عملي لتنفيذه، ما يعكس التحديات الكبرى التي تعرقل المشروع، سواء من حيث التكاليف الاقتصادية الضخمة، أو البنية التحتية، أو الإرادة السياسية اللازمة لتحقيقه.
مع استمرار النقاشات حول إمكانية نقل العاصمة، يبقى السؤال الأهم: هل ستظل هذه الفكرة مجرد مشروع نظري يُطرح عند الأزمات، أم أن هناك رؤية جدية لتحويلها إلى واقع؟
طُرحت فكرة نقل العاصمة الإيرانية إلى مكران أو مناطق أخرى لأول مرة بشكل رسمي خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد، ففي عام 2010، ناقش المجلس الأعلى للتعمير والتخطيط العمراني في إيران المشروع، ودرس عدة خيارات بديلة، منها: مكران، وأصفهان، وقم، وساوه.
جاء هذا الطرح ضمن رؤية لتقليل المركزية في طهران وتعزيز التنمية المتوازنة في مختلف أنحاء البلاد.
تُعتبر مكران، الواقعة في جنوب شرق إيران، والتي تضم أجزاء من محافظتي سيستان وبلوشستان وهرمزجان، منطقة ذات إمكانات اقتصادية واستراتيجية عالية. ومن أبرز مزاياها:
- موقعها الجغرافي المتميز الذي يمنحها وصولا مباشرا إلى المياه الدولية المفتوحة، ما يعزز إمكانياتها التجارية واللوجستية.
- مواردها الطبيعية والبنية التحتية القابلة للتطوير، مما يجعلها خيارًا جذابًا لأي مشاريع تنموية كبرى.
ورغم هذه المزايا، لا يزال نقل العاصمة إلى مكران أو أي مدينة أخرى يواجه تحديات سياسية واقتصادية، مما يجعل تنفيذه مسألة معقدة تتطلب رؤية واضحة وإرادة حقيقية للتغيير.
أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن نقل العاصمة إلى مكران لن يخفف فقط الضغط السكاني والمشكلات الحضرية في طهران، بل سيساهم أيضا في تنمية المناطق الأقل تقدما. ويرى أن هذا التغيير يمكن أن يؤدي إلى تقليل تركّز الموارد في طهران، إيجاد فرص اقتصادية جديدة في المناطق النائية، وتعزيز الأمن القومي من خلال توزيع متوازن للسكان والبنية التحتية.
رغم هذا الطرح، واجهت الفكرة انتقادات واسعة، حيث أشار المعارضون إلى عدة مشكلات جوهرية تجعل تنفيذها أمرًا بالغ الصعوبة.
تعاني مكران من مشكلات كبيرة في توفير المياه الصالحة للشرب، والخدمات الصحية، والتعليم، والنقل. يعتقد المنتقدون أن الاستثمار في تطوير هذه البنية التحتية يجب أن يكون أولوية قبل التفكير في جعلها عاصمة جديدة.
في عام 2015، قدّر بيروز حناجي، عمدة طهران آنذاك، تكلفة نقل العاصمة بـ78 مليار دولار. في عام 2023، صرّح أحمد وحيدي، وزير الداخلية، بأن التكلفة قد ترتفع إلى 100 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق قدرة الميزانية الإيرانية في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.
موقع مكران الساحلي يجعلها عرضة للتهديدات العسكرية، وهو ما يراه الخبراء الأمنيون عامل ضعف استراتيجي لنقل المؤسسات الحكومية إليها. يرى بعض المحللين أن نقل العاصمة إلى منطقة أكثر أمانا داخل العمق الإيراني سيكون خيارا أكثر حكمة.
قد يؤدي تحويل مكران إلى عاصمة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بالنسبة لسكانها المحليين. كما أن البعد الجغرافي الكبير عن بقية المحافظات سيجعل الوصول إلى العاصمة الجديدة أكثر صعوبة، مما قد يعيق التواصل بين الحكومة والمواطنين.
في ظل هذه التحديات، يبدو أن فكرة نقل العاصمة إلى مكران تفتقر إلى خطة واضحة وقابلة للتنفيذ. وبينما يرى البعض أن تنمية مكران ضرورية لتعزيز التوازن الاقتصادي، فإن تحويلها إلى عاصمة دون معالجة المشاكل الأساسية قد يخلق أزمات جديدة بدلاً من حل المشكلات القائمة.
ورغم تعدد المقترحات المتعلقة بتغيير موقع العاصمة، لم يتحول أي منها إلى مشروع عملي حتى الآن. يتطلب نقل العاصمة استثمارات ضخمة لإنشاء بنية تحتية جديدة، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية في إيران. وبالنظر إلى الظروف الراهنة، يبدو أن تنفيذ هذا المشروع غير واقعي من الناحية العملية.
من ناحية أخرى، اعتادت المؤسسات الحكومية والإدارية على وجودها في طهران، ما جعل فكرة نقلها إلى مدينة أخرى تواجه رفضا ومقاومة من الهيئات التنفيذية داخل البلاد.
تعاني معظم المناطق المقترحة لنقل العاصمة من تحديات مناخية، وبنيوية، وأمنية، مما حال دون تنفيذ المشروع. وعلى الرغم من إجراء دراسات متكررة حول نقل العاصمة، إلا أنها لم تصل قط إلى مرحلة التنفيذ، ما يعكس غياب إرادة سياسية وإدارية جادة للمضي قدما في هذا التغيير.
في ظل استمرار هذه التحديات، لا تزال طهران تحتفظ بمكانتها كعاصمة إيران، بينما تتجه الجهود نحو تطوير المدن المحيطة بها، وتحسين البنية التحتية للنقل لتخفيف الضغط السكاني والاقتصادي عنها، باعتبار ذلك حلا أكثر واقعية وقابلية للتنفيذ.