كتب: محمد بركات
لم تتوقف التهديدات من الجانب الأوروبي ضد إيران بتفعيل آلية الزناد “سناب باك”، في حال لم تتوقف إيران عن خرق تعهداتها النووية، تهديدات ربما تكون قد آتت ثمارها، فرغم أن تلك التهديدات قابلتها رسائل من الجانب الإيراني إلى مجلس الأمن تندد بها، فإنه يبدو أن إيران قد اضطرت في الأخير إلى الموافقة على طلبات الوكالة بشأن زيادة المراقبة، وذلك في ظل حالة من التخوف من عودة العقوبات مرة أخرى، في وقت تحتاج فيه طهران لالتقاط أنفاسها.
فقد صرح محمد إسلامي، رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، تعليقا على تقرير نشره موقع رويترز الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول، بخصوص موافقة إيران على فرض مراقبة مشددة من قبل المفتش النووي التابع للأمم المتحدة في موقع فوردو، قائلا: “نحن نعمل وفقا لإطار العمل والضوابط الخاصة بالوكالة، ومن الطبيعي أنه عندما يتم تحسين أداء ثلاث وحدات من أصل خمس وحدات، فإن الرقابة ستزداد بالنسبة نفسها، وهذا أمر بديهي”.
وأضاف: “للأسف، هناك بعض الجهات، خاصةً الكيان الصهيوني، تسعى لخلق الرعب والذعر ضد البرنامج النووي الإيراني”.
تبادل للاتهامات بين الطرفين
خلال الفترة الأخيرة تبادل الطرفان الأوروبي والإيراني الاتهامات والردود حول مدى التزام إيران بسلمية برنامجها النووي، عبر رسائل من الطرفين إلى مجلس الأمن الدولي.
فقد أعلن ممثلو دول الترويكا الأوروبية، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن، أنهم مستعدون لاستخدام آلية الزناد وإعادة فرض العقوبات على إيران إذا لزم الأمر، وذلك في إطار سياساتها لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية، وذلك حسبما جاء في تقرير وكالة ركنا الإخبارية الصادر بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.
في المقابل، أرسل فاسيلي نيبينزيا، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة في نيويورك، رسالة إلى الأمين العام وأعضاء مجلس الأمن، اعتبر فيها أن الدول الثلاث الأوروبية وأمريكا هم المسؤولون عن الوضع الحالي للاتفاق النووي وفشل الجهود لإحيائه، معتبرا أن استغلال آلية الزناد أمر غير قانوني، حيث صرح: “إنهم، من خلال قلب الحقائق، يحاولون تحميل إيران مسؤولية الوضع الراهن، لكنهم لن يحققوا أي شيء”، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع فرارو الإخباري بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كما أشار السفير الروسي إلى الانتهاك المتكرر للاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231 من قبل الدول الثلاث وأمريكا، وقال: “إن إيران أبدت استعدادها في عدة مناسبات للعودة إلى تنفيذ الاتفاق النووي إذا قامت الأطراف الغربية باتخاذ إجراءات مقابلة، لكن الأطراف الأوروبية والأمريكية لم تلتزم بتعهداتها”.
يأتي ذلك فيما شهدت الأيام الأخيرة رسائل متبادلة من إيران والترويكا الأوروبية لمجلس الأمن، حيث دانت دول الترويكا، في بيان مشترك نشر على موقع الحكومة البريطانية الاثنين 9 ديسمبر/كانون الأول، زيادة إيران إنتاج اليورانيوم بنسبة 60% في منشأة فوردو النووية، واصفةً تلك الخطوة بأنها ذات خطر كبير في توسيع البرنامج النووي الإيراني.
وقد جاء في بيان الترويكا: “كما نعبّر عن قلقنا الشديد من أن إيران قد زادت عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة واتخذت إجراءات لتركيب بنية تحتية جديدة للتخصيب، مما سيزيد من قدرة إيران على التخصيب”. وقد أشار البيان إلى آخر اجتماع لمجلس حكام الوكالة في جنيف، حيث ذكر أن الدول الأوروبية التقت مع إيران الأسبوع الماضي؛ لمناقشة البرنامج النووي والعقوبات.
وخلال البيان، وصفت الدول الأوروبية الإجراءات الإيرانية الأخيرة، بزيادة تخصيب اليورانيوم وتركيب أجهزة طرد مركزية جديدة، بأنها قد زعزعت الاتفاق النووي وأدت إلى زيادة المخزونات من اليورانيوم عالي التخصيب، دون مبرر مدني مقبول، بينما لم تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تنفيذ التدابير الرقابية الإضافية اللازمة.
في المقابل، أرسل أمير سعيد إيرواني، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيسة الدورية لمجلس الأمن ليندا توماس، رسالة للرد على هذه الاتهامات.
وفد جاء في رسالته: “لقد أُرسلت هذه الرسالة ردا على المراسلات المشتركة المؤرخة في 6 ديسمبر/كانون الأول 2024 والمرسلة من الممثلين الدائمين لدول الترويكا إلى الأمين العام، وأؤكد أن الترويكا تجاهلت في هذه الرسالة الانتهاك المستمر لالتزاماتها واتهمت إيران بلا أساس بعدم الالتزام بتعهداتها بموجب خطة العمل المشترك الشاملة وانتهاك قرار مجلس الأمن رقم 2231”.
وأضاف إيرواني: “ترفض إيران ادعاءات الدول الأوروبية الثلاث بشأن عدم امتثالها للاتفاق النووي، مؤكدةً أن هذه الادعاءات تتجاهل انتهاكات الولايات المتحدة والترويكا. كما ترى أن انسحاب أمريكا من الاتفاق عام 2018، مع عدم وفاء الترويكا بالتزاماتها، هو السبب في الوضع الراهن”.
كما أشار: “كذلك فإن إيران تعتبر إجراءاتها التعويضية مشروعة، وتدافع عن حقها في اتخاذ قرارات وفقا لبنود الاتفاق، وترفض فرض الترويكا أية عقوبات جديدة، وتؤكد أن أي تهديد بتفعيل آلية الزناد، سناب باك، لن يكون فقط غير بناء، بل سيواجه بردٍّ حازم من إيران”.
ما هي آلية الزناد؟
“آلية الزناد” أو “سناب باك” هي جزء من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه عام 2015 بين إيران ومجموعة دول 5+1 (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، إضافة إلى ألمانيا)، وتنص هذه الآلية على أنه إذا تبين أن أحد الأطراف لم يلتزم بالتزاماته، يمكن للدولة المعنية رفع الموضوع إلى اللجنة المشتركة للاتفاق.
وتنص الآلية على أنه إن لم يتم حل الأمر خلال 35 يوما، يُحال الموضوع إلى مجلس الأمن الذي بدوره يمنح نفسه شهرا لحل النزاع، وإذا فشل في ذلك، تستأنف العقوبات الدولية تلقائيا ضد إيران، وضمن ذلك تلك التي تم رفعها بموجب الاتفاق النووي، دون إمكانية استخدام حق الفيتو من دول مثل الصين وروسيا.
وقد وصل الجدل حول هذه الآلية إلى ذروته عندما حاولت الولايات المتحدة تفعيل الآلية لإعادة فرض العقوبات على إيران في العام 2020، لكنَّ فشلها في الحصول على دعم من باقي الأعضاء في الاتفاق، مثل الصين وروسيا، حال دون تنفيذ هذه الخطوة.
موقف أوروبا وإيران من تفعيل آلية العقوبات
منذ خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في العام 2020، فإن الدول الأوروبية تتبنى موقفا حذرا في ما يتعلق بآلية العقوبات، فعلى الرغم من أنها جزء من الاتفاق النووي مع إيران، فإن أوروبا تلوح بتفعيل تلك الآلية من حين إلى آخر؛ في محاولة منها لفرض الضغط على إيران في ما يتعلق بسياساتها الإقليمية.
على الجانب الآخر، ترفض إيران بشدةٍ تفعيل آلية الزناد، إذ تعتبرها وسيلة سياسية لفرض مزيد من العقوبات عليها، وتؤكد إيران أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق في 2018 كان هو السبب الرئيسي لتدهور الوضع، وتشدد على أن الترويكا الأوروبية فشلت في الوفاء بتعهداتها بموجب الاتفاق.
رد فعل إيران في حالة تفعيل آليات العقوبات
كانت إيران قد صرحت بأن الخيارات أمامها متاحة إذا ما أعادت الدول الأوروبية العقوبات بتفعيل آلية الزناد مرة أخرى، من ضمن تلك الخيارات ما صرح به كاظم غريب آبادي، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، والمسؤول عن التفاوض مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أن إيران ستنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية إذا تم تفعيل آلية العقوبات المعروفة وكذلك في حالة عودة العقوبات المتعلقة بقرارات مجلس الأمن السابقة على الاتفاق النووي وقرار 2231.
وأضاف غريب آبادي: “هذا قرار اتخذته القيادة الإيرانية وتم إبلاغه كتابيا من قبل الرئيس الإيراني لهم منذ عدة سنوات، الآن لا يمكننا أن نقول بشكل قاطع، إن آلية الزناد ستُفعل، ولكن إذا حدث ذلك، فإن إيران ستردُّ، والنظام سيعمل وفقا للقرارات التي تم اتخاذها، لقد قلنا لأوروبا: لا تعتقدوا أن هذا تهديد لإيران فقط، بل هو تهديد لكم أيضا، ويجب على الجميع بذل الجهد حتى لا نصل إلى أكتوبر/تشرين الأول 2025”.
خيار آخر كانت قد طرحته إيران وهو أنها ستزيد من تخصيبها لليورانيوم في حال تفعيل الآلية، حيث صرحت هديه جياه تازه، عضو الهيئة المركزية لجمعية الإسلام في جامعة الزهراء، بانه “تم تصميم آلية الزناد لمعالجة الحالات التي لا يلتزم فيها أحد الأطراف بتعهداته، بينما التزمت إيران بالاتفاق النووي وخرجت الولايات المتحدة من الاتفاق بشكل مفاجئ”.
وتكمل جياه تازه: “عندما اكتشفت إيران أن أوروبا لا تلتزم بتعهداتها، بدأت تقليص التزاماتها تدريجيا ضمن إطار الاتفاق. لو كانت أوروبا ترغب في استخدام آلية الزناد، لكانت فعلت ذلك في ذلك الوقت، لكنها لم تفعل، وإن فعلت فإن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم ستكون الرد الأنسب على ذلك”.