وجَّه الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، رسالة إلى الشعب الإيراني والمسؤولين بخصوص الانتخابات الإيرانية، وطرح في رسالته عشرة أسئلة باعتبارها “معايير لاختيار الرئيس”.
وشدد روحاني على أن “الشخص الذي يريد تولي المسؤولية التنفيذية للبلاد يجب أن يتناول على الأقل عشر قضايا رئيسية: رفع العقوبات، وزيادة الاستثمار، وجعل الاقتصاد صحياً وتنافسياً، وحق الناس في الإنترنت، وشفافية الميزانية وتوازنها، وإصلاح السياسات النقدية، وتوفير الخدمات الصحية الرخيصة، والتنفيذ الكامل للدستور، وضمان الحريات المدنية، وتحسين الأخلاق في المجتمع، لديهم حل واضح وقادرون على تحقيق هذا الحل”.
وفيما يلي، النص الكامل لرسالة حسن روحاني:
“أمة إيران الحرة والمستنيرة
لقد هيأت لكم الحادثة المؤسفة المتمثلة في تحطم طائرة الرئيس الراحل، الظروف لكي تظهروا مرة أخرى- أيها الشعب النبيل والصابر- في قمة الأخلاق والعاطفة الاجتماعية، وتتجاهلوا مختلف المواقف والأذواق السياسية، وترسموا صورة الوحدة والتماسك الوطني في أيامنا هذه.
والآن، بعد ذلك الحدث المرير، الذي ينبغي للسلطات التحقيق في أسبابه وإبلاغ الشعب به، هناك فرصة لإعلان التصويت والتعبير عن رأي الشعب في الاتجاه المستقبلي للبلاد.
ان الأمة الإيرانية، وهي تبدي ذكاءً عاطفياً عالياً في التعبير عن مشاعرها، فهي في مسألة تحديد مصيرها واختيار حكامها المستحقين، تقيّم الاتجاهات الماضية بيقظة وبعيداً عن العواطف العابرة، وتتخذ قراراً واعياً لمستقبلها.. إن المبدأ الإلهي لسيادة الإنسان على مصيره الاجتماعي قد تم تأكيده صراحةً في المبدأ السادس والخمسين من الدستور بالقول: “لا يمكن لأحد أن يسلب الإنسان هذا الحق الإلهي أو أن يضع في خدمة مصالح فرد معين أو المجموعة”.
والآن، في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، من واجب الخبراء والناشطين السياسيين والاقتصاديين والثقافيين أن يقدموا معارفهم وخبراتهم للشعب ومساعدته في هذا الاختيار المصيري.
وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبحسب المادة الـ113 من الدستور، فإن “الرئيس هو أعلى مسؤول في البلاد بعد منصب القيادة، وهو المسؤول عن تنفيذ الدستور ورئيس السلطة التنفيذية باستثناء في الأمور التي تتعلق مباشرة بالقيادة”. ولذلك فإن من يوضع في مثل هذا الموقف الخطير يجب أن يبين أنه إضافة إلى اعتبار الناس هم الحكام الأساسيين في مصير المجتمع، فهو يعرف أبسط مشاكل الناس ويعرف الحل الفعال لها، ولديه القدرة على ذلك، القدرة على استخدام القوى الأكثر كفاءة في المجتمع لتحقيق هذه الحلول.
ومن بين القضايا والمشكلات الكبيرة والصغيرة التي تعاني منها البلاد والتي ينبغي أن يكون الرئيس قادراً على حلها بمساعدة الأجهزة التنفيذية، هناك عدد قليل من القضايا الرئيسية التي يمكن أن تحل مشاكل أخرى، ونهج الرئيس المستقبلي هو الذي سيحدد المستقبل وطريق البلاد.
باعتباري خادماً للشعب على مدى 45 عاماً، أمضيت منها 8 سنوات في منصب الرئاسة بثقتكم، فإنني أعتبر أنه من واجبي أن أتقاسم الخبرة التي تراكمت لديَّ مع أصحاب ذلك الصوت الفخور، وفي سبيل تحقيق إرادة الشعب في هذا المنصب، أود أن أحدد وأؤكد الأولويات في “معايير اختيار الرئيس” . ما هو أكثر أهمية من الخصائص الشخصية والفئوية والذوقية للأفراد هو معرفتهم وقدرتهم على توجيه البلاد لحل المشاكل الرئيسية لإيران. ولذلك من حق الناس أن يطلبوا من المدَّعين الإثبات ويحكموا عليهم.
وفي مجال اختيار أعلى منصب تنفيذي بالبلاد، فإن الحصول على مؤهلات عامة، من ضمنها الالتزام العملي بمبادئ النظام الدينية والسياسية- وهو شرط ضروري لقبول أي مسؤولية اجتماعية- لا يكفي؛ بل على من يعتبر نفسه أهلاً لهذا المنصب، بدلاً من أن يشارك في مسابقة التظاهر بالحصول على الحد الأدنى من الشروط، أن يثبت للشعب أنه يملك المعرفة والقدرة على حل القضايا الأساسية للبلاد.
وعليه أن يكون لديه حل واضح للمشكلات العشر التالية على الأقل، ويكون قادراً على تحقيق هذا الحل:
- أظهرت تجربة الأعوام العشرين الأخيرة في مختلف الحكومات، أن العقوبات القاسية كانت أكبر عقبة أمام التقدم والعدالة في البلاد، ويجب أن يكون الإجراء الأكثر أهمية للحكومة هو بذل جهد حكيم وكريم لإزالة العقوبات. وبعد النجاح المنقطع النظير الذي حققته البلاد في زيادة الإنتاج وخفض التضخم في الفترة 1992-1996، كان انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة هو الذي أوقف هذه العملية. وبالطبع فإنَّ كسر الحصار ليس بالمهمة السهلة، لكنه ممكن مع الإيمان الراسخ بالسياسة لا شرقية ولا غربية، ونهج التفاعل البنّاء مع العالم، واستخدام القوى القادرة والمخلصة والشجاعة، كما حدث في 2014، فماذا سيفعل الرئيس المقبل لرفع الحظر؟
- إنَّ حل مشكلة التضخم وتشغيل العمالة، وكسر دائرة الفقر والبؤس، يتطلب نمو الاستثمار في البلاد. إن توفير الأمن الاقتصادي للاستثمار وجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية هما السبيل لضمان النمو والرخاء المستدامين. ماذا سيفعل الرئيس المقبل لنمو الاستثمار؟
- إن متطلبات نمو الاستثمار وجذب المشاركة الشعبية هي تسهيل بيئة الأعمال للمنافسة الإنتاجية في الاقتصاد، مما يؤدي إلى زيادة الجودة وانخفاض الأسعار، ماذا سيفعل الرئيس المستقبلي لجعل الاقتصاد صحياً وتنافسياً؟
- في عصر الثورة الرقمية، لا يعد ضمان الوصول السهل والرخيص والآمن إلى الإنترنت شرطاً للوجود في البيئة التنافسية للاقتصاد فحسب، بل إنه أيضاً مثال واضح على الحق في الحصول على المعلومات، فماذا سيفعل الرئيس المستقبلي لحقوق الناس على الإنترنت؟
- يرى الناس بحقٍّ أن أصل التضخم يكمن في زيادة السيولة بسبب العجز المتزايد في ميزانية الحكومات، ويريدون معرفة أين تذهب كل هذه الأموال، المصحوبة بضغوط ضريبية، ويريدون أن يروا الموارد المالية للبلاد في موازنة شفافة، فماذا سيفعل الرئيس المقبل من أجل شفافية الميزانية وتوازنها؟
- الناس مستاؤون جداً من انخفاض قيمة العملة الوطنية، والقلق المستمر لدى كافة الطبقات من الحفاظ على قوَّتهم الشرائية، ويرون ذلك نتيجة لضعف الصادرات وتوازن ميزان المدفوعات السلبي في البلاد، فماذا سيفعل الرئيس المقبل لإصلاح السياسات النقدية وسياسات العملة؟
- كانت خطة التحول الصحي، من أنجح الإصلاحات الهيكلية الملموسة التي تحققت في اتجاه أهداف الثورة وخدمة الشعب، خاصةً الفئات ذات الدخل المحدود، وذلك باستخدام الموارد المتحصلة من إصلاح القطاع الصحي، فماذا سيفعل الرئيس لتوفير الرعاية الصحية الرخيصة للشعب؟
- وفقاً للدستور، فإن الواجب الأساسي للرئيس هو تنفيذ الدستور، وإن الحفاظ على النظام الجمهوري وإعمال الفصل الثالث من القانون الذي يضمن “الحقوق العامة” مثالٌ واضح على هذا الواجب. ولسوء الحظ، فإن بعض المؤسسات، وضمن ذلك مجلس صيانة الدستور، بخروجها عن صلاحياتها القانونية، قد قيدت حق الناس في الاختيار الحر في بعض الحالات ورفضت الاستجابة للشعب، وفي بعض الحالات، لم تلتزم القوات المسلحة بالحياد في الانتخابات وتدخلت في الشؤون السياسية، فماذا سيفعل الرئيس لتنفيذ الدستور بالكامل؟
- لقد اعترف شعبنا بالجمهورية الإسلامية وقبل بها بشعار الاستقلال والحرية. إن ضمان الحريات المدنية للناس لن يكون ممكناً إلا في ظل سيادة القانون، فماذا سيفعل الرئيس لضمان الحريات المدنية؟
- بدأت ثورتنا باسم الإسلام وانتصرت، وأَسَرَ الإسلام قلوب الناس عبر الزمان والمكان بهدف الوصول إلى أعلى درجات الكرامة الأخلاقية. ومن المؤسف أن التيار المتطرف والمغرور قد فرض أخلاقيات سياسية قائمة على الشتائم والافتراءات، على الأجواء السياسية في المجتمع. إن موسم الانتخابات مرآة كاملة للأخلاقيات السياسية الشعبية. إن تنحية بعض الشخصيات، دون أي تفسير للشعب، إضافة إلى كونها غير قانونية، سلوك غير أخلاقي يشوه سمعة الاستبداد وفرض الآراء ويكسر ثقة الناس. وفي الإعلانات والمسابقات الانتخابية، فإن عدم العدالة في إعطاء فرصة الدفاع والشرح للمهاجمين يبعث برسالة غير أخلاقية للمجتمع للفوز. ورغم أن مراعاة الأخلاق الإسلامية واجب على كل من يتحمل مسؤولية هذا النظام، فمن المناسب أن نتساءل عما سيفعله الرئيس لتحسين الأخلاق في المجتمع؟
إن الإجابة عن الأسئلة العشرة المذكورة أعلاه يمكن أن توفر معياراً للتقييم والحكم، يمكن قياسه بمقياس سجلّ أداء كل مرشح، وتمنح الأحرار والعلماء في هذه الأرض الفرصة لاختيار من يلتزم بتحقيق هذه الأهداف”.