تمكن المتمردون الحوثيون في اليمن، الذين أعلنوا عن تنفيذ ضربة قاتلة بعيدًا عن حدودهم داخل إسرائيل في وقت مبكر من صباح الجمعة، من بناء ترسانة كبيرة من الطائرات بدون طيار.
منذ نوفمبر/تشرين الثاني، نفذ الحوثيون المدعومون من إيران عشرات الهجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فيما يقولون إنه عمل تضامني مع الفلسطينيين في غزة وسط الحرب بين إسرائيل وحماس هناك.
اندلعت الحرب في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والذي هاجم فيه آلاف الإرهابيين جنوب إسرائيل لقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة، وذلك وفق تقرير لوكالة “فرانس برس” يوم السبت 20 يوليو/ تموز 2024.
وبعد أن هددوا مرارًا وتكرارًا بتوسيع عملياتهم، أعلن المتمردون اليمنيون مسؤوليتهم عن هجوم بطائرة بدون طيار على تل أبيب يوم الجمعة، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة عدة آخرين.
وقال الحوثيون الذين يُطَوِّرُونَ قدراتهم في مجال الطائرات بدون طيار بشكل مطرد منذ عام 2014، عندما استولوا على العاصمة اليمنية صنعاء في تمرد مدعوم من إيران، إن ذلك يمثل “مرحلة جديدة” في عملياتهم ضد إسرائيل.
واتهمت السعودية والولايات المتحدة إيران مرارًا بتزويد الحوثيين بطائرات بدون طيار وصواريخ وأسلحة أخرى، وهو ما تنفيه طهران.
ويقول الحوثيون إنهم يصنعون طائراتهم بدون طيار محليًا، على الرغم من أن المحللين يقولون إن الطائرات بدون طيار تحتوي على مكونات إيرانية مُهَرَّبَة.
وقال أندرياس كريج، المحلل العسكري والمحاضر الأول في الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج لندن: “الحوثيون لا يصنعون طائراتهم بدون طيار ولا يصنعون صواريخهم. ولا يوجد أي منها محلي الصنع”.
وأضاف لوكالة فرانس برس “يتم تجميع كل هذه الأسلحة في اليمن، لكنها تعتمد بالكامل على البنية التحتية الإيرانية والمخططات الإيرانية والتكنولوجيا الإيرانية”.
وقال فابيان هينز من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لوكالة فرانس برس إن ترسانة الحوثيين تشمل طائرات بدون طيار إيرانية من طراز شاهد-136 تستخدمها روسيا في حربها على أوكرانيا. وأضاف أن مداها يبلغ نحو 2000 كيلومتر.
وقد استخدم المتمردون نموذجًا آخر من الطائرات بدون طيار القتالية، وهو صماد-3، في هجمات على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وذكرت وسائل إعلام عبرية أن الطائرة بدون طيار الحوثية التي ضربت تل أبيب يوم الجمعة كانت من طراز صماد-3، والتي تم تقليص حمولتها للسماح لها بحمل المزيد من الوقود، مما أدى إلى توسيع نطاقها.
وتستخدم طائرات الحوثيين بدون طيار التوجيه عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) و”تطير بشكل مستقل على طول نقاط مسار مُبَرْمَجَة مُسَبَّقًا” نحو أهدافها، بحسب ما كتب خبراء من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في تقرير صدر عام 2020.
منذ يناير/كانون الثاني، أسقطت القوات العسكرية الأميركية عشرات الطائرات بدون طيار في الأجزاء التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن وفوق المياه المحيطة، كجزء من حملة لردع المتمردين عن شن هجمات على السفن وحماية حركة المرور البحري، وفقًا للقيادة المركزية الأميركية.
وقال الحوثيون، الجمعة، إن طائرة مُسيَّرة جديدة أطلقوا عليها اسم “يافا” أُطلقت على تل أبيب التي تبعد نحو 1800 كيلومتر عن اليمن، مما يجعل الهجوم الأعمق حتى الآن.
وقال المتحدث العسكري للحوثيين يحيى سريع إن الطائرة المُسيَّرة قادرة على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي والكشف الراداري.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إنه تم رصد طائرة بدون طيار “كبيرة للغاية” لكن الإنذار لم يُثَرْ على الفور بسبب “خطأ بشري”.
وقال هينز، الذي حلل لقطات حطام طائرة بدون طيار، إن هناك دلائل تشير إلى أن يافا كانت نموذجًا مُحَدَّثًا لطائرة بدون طيار طويلة المدى يستخدمها المتمردون.
وقال هينز “إذا نظرت عن كثب إلى الحطام والصور التي لدينا، بما في ذلك المحرك وأجزاء من جسم الطائرة وجناح واحد، يمكنك أن ترى أن الطائرة بدون طيار التي تم استخدامها لها أوجه تشابه قوية للغاية مع ساماد-3”. وأضاف هينز “قد يكون هذا إصدارًا جديدًا من هذا التصميم”، مشيرًا إلى أن محرك يافا المصنوع في إيران يبدو أقوى من النماذج السابقة.
وأضاف هينز: “من المُتَصَوَّر أن الحوثيين حاولوا زيادة مدى صماد-3 حتى يتمكنوا من الطيران على مسارات تتجنب دفاعات العدو، وتتجنب الكشف ثم الهجوم من زوايا غير مُتَوَقَّعة”.
وقال محمد الباشا، كبير محللي شؤون الشرق الأوسط في مجموعة نافانتي الأمريكية: “من المرجح أن تكون هذه الطائرة بدون طيار مُجَهَّزَة بمواد ماصة للرادار لتحقيق أقصى قدر من التخفي”.
وفي حديثه لوكالة فرانس برس، قال الخبير إن “هذه المواد تعمل على تحويل الموجات الراديوية إلى حرارة، مما يُقَلِّل من كمية الطاقة المنعكسة إلى مصدر الرادار”.
أعلن الحوثيون في وقت سابق مسؤوليتهم عن هجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ استهدفت مدينة إيلات السياحية الجنوبية ومدينتي أشدود وحيفا، لكن يبدو أن هجوم يوم الجمعة بطائرات بدون طيار هو الأول الذي يخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية المتقدمة. كما سقط صاروخ كروز أطلقه الحوثيون بالقرب من إيلات في مارس/آذار.
وتعد هذه الغارة بطائرة بدون طيار أول عملية يتبناها المتمردون ضد تل أبيب وهي الأولى التي تسفر عن سقوط قتلى في إسرائيل.
وقال توربيورن سولتفيت من شركة فيريسك مابلكروفت المُتَخَصِّصَة في استخبارات المخاطر: “ليس هناك شك في أن قدرات المجموعة تتحسن”.
وأضاف الخبير أن “ادعاءات الحوثيين بتطوير طائرات بدون طيار قادرة على التهرب من الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية من المرجح أن تكون مجرد دعاية”.
يفغيني فيردر، الذي قُتل في هجوم بطائرة بدون طيار على تل أبيب، في الساعات الأولى من يوم 19 يوليو/تموز 2024. (بإذن)
وبحسب هينز، فإن هجمات الطائرات بدون طيار التي يشنها الحوثيون لا تشكل “تهديدًا استراتيجيًا” لإسرائيل. وأضاف أن المسافة بين اليمن وإسرائيل “كبيرة للغاية”.
وقال هينز إن الحوثيين سيضطرون إلى نشر طائرات بدون طيار كبيرة الحجم يمكن اكتشافها بسهولة أكبر، من أجل تشكيل تهديد فعّال. كما سيكون من الصعب عليهم التغلب على الدفاعات بأسراب من الطائرات بدون طيار من هذا المدى البعيد.
وأضاف أن الحوثيين ربما “يكونون قادرين على الحصول على ضربة محظوظة”.