كتبت-رضوى أحمد
تناول الإعلام الإيراني، زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى طهران، يوم الاثنين 5 أغسطس/آب 2024، بكثير من التحليل والنقد والهجوم على الدور الأردني في التعامل مع الحرب على غزة، حتى إن بعض التقارير وصفت الوضع في المنطقة بأنه أشبه بـ”برميل البارود” الموجود تحت قدمي الملك عبدالله الثاني ملك الأردن.
إذ إن مستوى التوتر في المنطقة قد بلغ مرحلة جديدة بعد اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في طهران، الذي حضر حفل تنصيب الرئيس ضيفًا، وتعهدت إيران بتنظيم عملية انتقامية مماثلة لعملية الوعد الصادق، وجراء ذلك فإن الأردن لن يظل في “المنطقة الآمنة” في الشرق الأوسط، وفق ما قال إعلام إيران.
بحسب وكالة تبناك للأخبار، تتشاور دول مختلفة مع إيران، خاصة الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط لتهدئة الوضع. وقد كان من جملة تلك المشاورات زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى طهران، والتي تحمل رسالة من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني للرئاسة الجديدة لإيران، بما يتماشى مع هذه المحادثات.
فقبل ثلاثة أشهر ونصف، وفي أعقاب إطلاق إيران مئات الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل، والذي تم تنفيذه انتقامًا لاغتيال قادة عسكريين في القنصلية السورية، لم تتبنَّ الأردن سياسة محايدة وأعلنت رسمياً أن «أجسام غريبة» تم اعتراضها في مجالها الجوي؛ وهو إجراء مشابه للولايات المتحدة وبعض حلفاء إسرائيل الغربيين الآخرين الذين سعوا لدعم هذه الحكومة الإرهابية.
وكانت إيران قد حذرت الدول الأخرى في ذلك الوقت من الدخول في تلك المعركة. ويظهر القلق على وجه وزير الخارجية الأردني خلال لقائه مع نظيره الإيراني في طهران بشأن تحذيرات إيران. ولكن هل سيأخذ الأردن موقف الحذر والحياد في عملية الانتقام الإيرانية المحتملة ضد إسرائيل، فهي مسألة يجب أن ننتظرها الآن ونرى ما هي الفائدة التي يسعى الأردن إلى تحقيقها من مساعدة أنظمة الاعتراض والدفاع الإسرائيلية.
الموقف الجيوسياسي للأردن
ويقع الأردن في خط سير الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية التي أطلقت على الأراضي الإسرائيلية خلال عملية الوعد الصادق.
وتحد الأردن سوريا من الشمال، والمملكة العربية السعودية من الجنوب، والعراق من الشرق، وإسرائيل والضفة الغربية من الغرب. ونصف الأردن في شرق هذا البلد تغطيه الصحراء العربية، لكن الجزء الغربي من البلاد يقع بجوار نهر الأردن وبه أراضٍ صالحة للزراعة وغابات. وعليه فإن السكان والمدن الرئيسية في هذا البلد، بما في ذلك عمّان عاصمة الأردن، تقع أيضاً في غربها وشمال غربها.
ويبلغ عدد سكان هذا البلد حوالي 11.3 مليون نسمة، ويؤوي أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني منذ احتلال الإسرائيليين لفلسطين في أوائل عام 1948. ومع بداية أزمة داعش في العراق وسوريا، ارتفع عدد اللاجئين من هذين البلدين أيضًا في هذا البلد.
علاقات الأردن مع إسرائيل وأمريكا
يتمتع الأردن بعلاقة وثيقة مع إسرائيل، حيث كانت للعائلة المالكة الهاشمية علاقات غير رسمية مع إسرائيل خلال الحرب الباردة حتى أقامت علاقات رسمية بين البلدين في عام 1994. في 26 أكتوبر 1994، تم إبرام معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بين العاهل الأردني الملك حسين وإسحاق رابين بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ووزير الخارجية وارن كريستوفر. وتعاونت أمريكا في محادثات التنمية والعمران الثلاثي بين الأردن وإسرائيل.
وخلف الملك عبدالله الثاني والده بعد وفاته في فبراير 1999. وسرعان ما أكد عبدالله على ميثاق المصالحة الأردني الإسرائيلي وعزز علاقات الأردن مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي السنة الأولى من حكمه، وضع عبدالله الإصلاحات الاقتصادية على جدول أعماله.
ويحاول الأردن توسيع علاقاته الاقتصادية مع الولايات المتحدة من خلال الحفاظ على الاتفاقية الأمنية مع إسرائيل. منذ عام 2000، كان تصدير المنتجات المصنعة الخفيفة، بما في ذلك المنسوجات والملابس المنتجة في المناطق الصناعية القياسية (QIZ) التي تدخل الولايات المتحدة دون تعريفات جمركية وحصص، هو القوة الدافعة وراء نمو اقتصاد هذا البلد. أدت اتفاقية التجارة الحرة (FTA) بين الأردن والولايات المتحدة في ديسمبر 2001 إلى دعم وتشجيع الاستثمار الثنائي وتوسيع تجارة الأردن مع الولايات المتحدة. أصبح الأردن عضواً في منظمة التجارة العالمية في عام 2003.
ومن أهم العوامل المرتبطة بجهود الحكومة لتحسين الرفاهية الاجتماعية للمواطنين هو استقرار الاقتصاد الكلي لهذا البلد، والذي تحقق منذ التسعينيات وبعد إبرام الاتفاقية الأمنية مع إسرائيل. معدل التضخم والأسعار منخفض وتداول الأموال مستقر أيضًا في الأردن، وقد تم تحديد سعر صرفها بالدولار الأمريكي منذ عام 1995.
السياسة المستقرة في الأردن
ويكاد يكون الأردن دولة مستقرة في منطقة الشرق الأوسط ولم يتضرر من المظاهرات الكبرى قبل سنوات، خاصة الربيع العربي عام 2010 وهجوم داعش في منطقة الشامات وحتى الصراع بين دول المنطقة، بما في ذلك إيران وإسرائيل والحرب العربية الإسرائيلية وحرب الخليج.
لقد تبنى الأردن دائمًا سياسة خارجية لدعم الغرب، وكانت له علاقة وثيقة بأمريكا وبريطانيا. وبطبيعة الحال، فإن الالتزام بسياسة الحياد الأردنية القائمة على تجنب الصراع والتعامل مع الجيران والحفاظ على العلاقات معهم كان له الأسبقية على هذه السياسة وأدى إلى حياد الأردن خلال حرب الخليج الأولى. لأن الأردن بلد صغير ذو موارد طبيعية محدودة، يحاول بالتعاون مع الدول المجاورة توفير المياه والغاز والنفط وغيرها من المنتجات التي يحتاجها.
المهاجرون الفلسطينيون في الأردن
إن علاقات الأردن الجيدة مع جيرانه، إلى جانب استقراره، جعلت من الأردن خيارًا مناسبًا للعديد من المهاجرين من فلسطين ولبنان والعراق وسوريا في أزمة داعش والمهاجرين واللاجئين من الخليج العربي.
وفي الأردن، صدر قانون ينص على أنه باستثناء الفلسطينيين اليهود، يمكن للفلسطينيين الآخرين الانتقال إلى الأردن والحصول على جنسيته. وهذا القانون لا يُطبق دائما للسماح لكافة الفلسطينيين بالدخول.
في الماضي، كان الأردن يمنح الجنسية للعديد من اللاجئين الفلسطينيين، لكن في الآونة الأخيرة لم تُعطَ الجنسية الأردنية إلا في مناسبات نادرة. ويعيش 370 ألفًا من هؤلاء الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين.
وأيضًا، بعد أن استولت إسرائيل على الضفة الغربية في عام 1967، سحب الأردن جنسية آلاف الفلسطينيين، من أجل إحباط أي محاولة لإعادة التوطين بشكل دائم من الضفة الغربية إلى الأردن. وفي
منذ بداية انتفاضة الأقصى الثانية في سبتمبر ٢٠٠٠، حاول الأردن الحفاظ على العلاقة بين إسرائيل وفلسطين بهدف الاعتدال وإعادة الجانبين إلى المحادثات المعلقة حول القضايا المتعلقة بالوضع النهائي للمنطقة.
وعلى الرغم من ذلك، بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، سحب الأردن ومصر سفراءهما من إسرائيل. وبعد اجتماع شرم الشيخ الذي عقد في مصر في ٨ فبراير ٢٠٠٥، أعلن البلدان عن خطط لإعادة سفيريهما إلى إسرائيل.
العلاقات الإيرانية-الأردنية
تُعتبر العلاقات بين إيران والأردن بعد الثورة الإسلامية غير ودية لعدة أسباب:
١) إن حدوث الثورة الإيرانية ضد الأسرة البهلوية وما تلاها من قيام الجمهورية الإسلامية في إيران بشعارات الاستقلال ومعارضة قوى الغرب والشرق كان يعتبر مثيراً للقلق ومعادياً لملوك المنطقة.
وقد كان الملك الأردني الحسين يعتبر أحد الأصدقاء المقربين لشاه إيران وعادة ما يقضون إجازاتهم معًا. بعد انتصار الثورة، دعم الأردن على الفور صدام حسين في الحرب الإيرانية العراقية وقطعت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع الأردن. وبسبب دعم الأردن للعراق، حتى أثناء حرب الخليج، استغرق الأمر عقداً من الزمن حتى تتمكن إيران والأردن من تطبيع العلاقات بينهما.
وحتى أنه توجد صورة لصدام حسين والملك الحسين وهما يطلقان المدافع على إيران. نُشرت هذه الصورة في وسائل الإعلام العالمية في سبتمبر ١٩٨٠.
٢) تعتبر إيران، تحالف الأردن مع الغرب -وخاصة أمريكا- تهديداً؛ وهناك القليل من التعاون الاقتصادي بين البلدين. وكثيراً ما يتهم الأردن إيران بأنها سبب عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
٣) ظهرت الأردن بشكل غير رسمي ضد حكومة بشار الأسد في سوريا (المتحالفة مع إيران) في الحرب الأهلية السورية، واعتُبر وجود إيران طويل الأمد في سوريا تهديدًا لأمنها.
٤) يتمتع الأردن أيضًا بعلاقة وثيقة مع إسرائيل، وفي عام ١٩٩٤ تم تأسيس العلاقات بين البلدين رسميًا. لكن الحكومة الإيرانية تريد تدمير إسرائيل وحذرت ملوك المنطقة العرب من المراهنة على بقاء إسرائيل.
٥) السبب الرئيسي الآخر للتوتر بين الأردن وإيران هو العلاقات مع المملكة العربية السعودية. اعتمد الأردن على المساعدات الاقتصادية السعودية لسنوات عديدة. يتمتع الأردن أيضًا ببنية سياسية مماثلة للمملكة العربية السعودية، وكلاهما مملكتان عربيتان قريبتان من الغرب. وقد أدى النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة إلى التقريب بين الأردن والمملكة العربية السعودية.
وفي أعقاب الهجوم الإيراني على إسرائيل في ٢٦ أبريل/نيسان ٢٠٢٤، ردًا على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سوريا في نفس العام، أعلن الأردن اعتراض الطائرات بدون طيار التي أطلقتها إيران على إسرائيل في هذا الهجوم. كما أعلنت القوات العسكرية الإيرانية للأردن أنه إذا تعاون الأردن ضد إيران، فإن هذا البلد سيكون الهدف التالي للهجمات. وعقب ردود الفعل هذه، استدعى الأردن السفير الإيراني وأعرب عن استيائه.
والآن، عشية المواجهة الجديدة وربما الأكثر حدة بين جمهورية إيران الإسلامية والنظام الإسرائيلي، سيلعب الأردن دوراً خاصاً في المعادلات المستقبلية، الحدود البرية للأردن مع الضفة الغربية في فلسطين المحتلة وحدودها مع العراق، وإمكانية تعاون الأردن بشكل مباشر أكثر مع النظام الصهيوني لصد الهجمات. سوف تخرج إيران الأردن من الزاوية المريحة في الشرق الأوسط سواء شئت أم أبيت.
يقول الموقع الإيراني: “يتعين على العاهل الأردني الملك عبد الله أن يراجع مصير صديق والده المقرب، صدام حسين، وأن يعلم أن الغرب لا يملك في نهاية المطاف القوة والدافع إلا للحفاظ على طفله غير الشرعي (النظام الإسرائيلي) وحمايته، وأن الحقائق الجيوسياسية سوف تظهر أخيراً في المنطقة”.