كتب: محمد بركات
ما زالت أصداء ما حدث في سوريا في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تدوي في المنطقة، فالتوترات التي سببها هجوم فصائل المعارضة السورية على مدينتي حلب وإدلب لم تقتصر على الداخل السوري فقط، بل امتدت التوترات لتصل إلى علاقات دولتين ترى كل منهما مصالحها في الاتجاه الآخر، فلقد شاب التوتر العلاقات الإيرانية التركية مؤخرا، للدرجة التي جعلت مسؤولي وصحافة كل طرف يشن هجوما على الآخر. وفيما يظل اجتماع الدوحة المزمعة إقامته الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول 2024 بين تركيا وإيران وروسيا وسوريا يحمل كثيرا من الأسرار، إلا أن الهجوم المتبادل يروي ما يمكن أن يحدث.
الهجوم الإيراني على تركيا
انتقد العديد من السياسيين والشخصيات الهامة في إيران الموقف التركي جراء ما يحدث في سوريا، كان في مقدمتهم على ولايتي، وزير الداخلية الإيراني الأسبق ومستشار قائد الثورة علي خامنئي للشؤون الخارجية، حيث وصف خلال لقاء له مع وكالة أنباء تسنيم تركيا، بأنها أصبحت لعبة بيد أمريكا والنظام الصهيوني، حيث قال: “للأسف، أصبحت تركيا منذ فترة، أداة بيد أمريكا والنظام الإسرائيلي، فبعد الأحداث السريعة في تونس ومصر، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو باتخاذ إجراءات لمنع تقدم الصحوة الإسلامية في أماكن أخرى من العالم، وتركزت جهودهم في اتجاهين: أولا، إسقاط نظام ليبيا، وثانيا الإطاحة ببشار الأسد. وبما أن القذافي لم يكن لديه دعم داخلي أو خارجي، شنت أمريكا، بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، هجوما على ليبيا وقتلته، ومن المؤسف أن الحكومة التركية، وكي لا تتخلف عن الإرث الذي تركته القوى الأجنبية في تقسيم ليبيا، قد انضمت إلى المجموعة التي كانت تحت إشراف الولايات المتحدة، وبدأت باتخاذ مواقف ودعم بعض الجهات الانفصالية في ليبيا. ونحن نتذكر جيدا أن الطائرات الأمريكية والبريطانية كانت تقلع من قواعد أزمير وإنجرليك لقصف ليبيا”، وذلك وفقا لما جاء في تقرير وكالة أنباء تسنيم بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ويكمل ولايتي: “إن ما يثير الأسف والدهشة حقا هو أن تركيا غيرت مسارها فجأة بزاوية 180 درجة تجاه سوريا بعد اتهام الولايات المتحدة لها بأنها دولة ديكتاتورية، وتجاهلت تركيا تماما قضية تشكيل مجلس الوزراء المشترك بين البلدين، وادعت أن سوريا لا تحترم حقوق الأقليات، وكررت في سوريا ما فعلته في ليبيا”.
كذلك، فقد هاجم علي جنتي، السفير الإيراني الأسبق لدى الكويت، الدور التركي في سوريا، مدعيا أن هناك تحالفا تركيا إسرائيليا للإطاحة ببشار الأسد، حيث صرح: “بعد الاحتجاجات الشعبية والانتفاضات التي شهدتها بعض الدول العربية، وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم لفترة قصيرة في مصر. وفي تركيا، حيث كان أردوغان وحزب العدالة والتنمية ذو توجهات إخوانية، طمعوا في إمكانية الإطاحة ببشار الأسد في سوريا أيضا. ولذلك، قدموا الدعم لجماعة الإخوان المسلمين السورية، ولكن مع مرور الوقت أدركوا أنهم لن يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف بمفردهم، لذلك، قاموا بتقوية الجماعات الإرهابية مثل داعش، إلى جانب دعم معارضي الأسد الآخرين، ومن جهة أخرى، كانت تركيا ومنذ فترة طويلة، تدّعي السيادة على بعض المدن السورية، التي تعتبرها جزءا من أراضيها، وتزعم أنها أُلحقت بسوريا من قبل بريطانيا والقوى الكبرى، وهذا شكَّل سببا إضافيا لتدخل تركيا في الشأن السوري، والآن نرى أن ما يحدث هو خطة من قبل تركيا مدعومة من إسرائيل للإطاحة بالنظام السوري الحالي”، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع ركنا الإخباري بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كذلك فقد صرح رحمت إبراهيمي، الأكاديمي الإيراني والخبير في الشؤون السياسية، في حواره مع “زاد إيران”، قائلا إن تركيا تريد استعادة مجدها السابق، وذلك عن طريق دعم الفصائل المسلحة في سوريا، فقال: “لقد لعبت الحكومة التركية دورا في تأجيج الأزمة وإدارة الجماعات المعارضة، حيث تسعى تركيا لتحقيق طموحاتها في (العثمانية الجديدة)، ففي العام 2020، وبعد أن أدركت أن الفصائل التي تدعمها لن تنجح في السيطرة على البلاد، اقترحت تركيا خطة لتخفيف التصعيد، وعُقدت الجلسة الأولى في سوتشي بين روسيا وتركيا، ومن ثم استُكملت الاجتماعات في أستانا، عاصمة كازاخستان، بمشاركة إيران التي دُعيت للانضمام إلى هذا المسار، ومع ذلك، فقد تم انتهاك اتفاق 2020 من قِبل الفصائل نفسها التي كانت تركيا ضامنة لها”، وذلك خلال حديثه مع “زاد إيران” بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كذلك، فقد انتقدت وكالة أنباء تسنيم السياسات التركية إزاء سوريا، خلال تقرير تحت عنوان “خمسة تهديدات تواجه تركيا بسبب مقامرتها بورقة الإرهاب في سوريا”، حيث جاء بالتقرير: “إن تركيا، بدعمها للفصائل المسلحة، غافلة عن مدى خطورة ما تفعله، فرغم اعتقاد تركيا أنها تسيطر على الوضع في سوريا، فإنها أصبحت تُستخدم كأداة في مخططات تهدف إلى إضعاف حكومة بشار الأسد وخلق حالة جديدة من عدم الاستقرار، مما يقلل من دور تركيا كفاعل مستقل في المنطقة، كذلك فإنّ دعم تركيا للجماعات المسلحة يتعارض مع مصلحة محور المقاومة، مما يقلل من ثقة إيران بتركيا، وقد يؤثر سلبا على أردوغان في الأزمات المستقبلية التي قد يحتاج فيها لدعم الجيران، إضافة إلى ذلك فإن إعادة انتشار الإرهابيين من إدلب إلى شمال سوريا سيعزز قوتهم، ما يشكل خطرا على تركيا نفسها”، وذلك حسبما أفاد تقرير الوكالة الصادر في 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ويكمل التقرير: “أيضا، فإنّ توسع نشاط الجماعات الإرهابية قد يضر بقطاع السياحة التركي الذي يُعد مصدرا اقتصاديا مهما، مما يعمق التحديات الاقتصادية لتركيا، وأخيرا فإن تركيا تجهل أن تعزيز علاقات دمشق مع الأكراد في شمال سوريا يمنحهم نفوذا أكبر، مما قد يدفعهم إلى مواجهة تركيا، لا سيما في ظل التاريخ المتوتر بين الطرفين”.
الهجوم التركي على إيران
على الجانب الآخر لم تكن تركيا لتصم آذانها عن هذا الهجوم، فقد صرح محمد زاهد غول، رئيس تحرير صحيفة إندبندنت تركيا، معلقا على العلاقات بين تركيا وإيران، بأن “العلاقات التركية الإيرانية، وليس فقط في الساحة السورية، بل داخل الساحة العربية كلية، علاقات عداء أو يمكن تسميتها علاقة تنافسية، فنحن هنا نتحدث عن دولتين غير عربيتين موجودتين على الأرض العربية سواء في التجارة أو السياسية أو النفوذ، من ثم نحن نتنافس مع إيران فعليا، وهذا ما أكده وزراء الخارجية التركية السابقون والحاليون ولو بصورة غير مباشرة. فيمكننا القول إن الخصومة دائما واقعة لا محالة في كل من العراق وسوريا، وهذا الأمر كان ولا يزال وسيبقى، وربما ما تغير هو المواجهات الميدانية التي عشناها خلال الأعوام الماضية أو ما تسمى حروب الوكالة، فإذا كانت الفصائل السورية المدعومة من تركيا تواجه الميليشيات الإيرانية في سوريا، من ثم كان هناك نوع من أنواع حروب الوكالة، لكن هذه الحروب توقفت سابقا بسبب غياب النتائج الملموسة على الأرض، وبسبب عدم قدرة أي من الطرفين الحسم على حساب الطرف الآخر، لذا تم البحث عما يمكن تسميته الحلول السياسية”، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع إندبندنت عربي بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول 2024.
أيضا، فقد انتقد موقع “ديلي صباح” رفض الأسد للاتفاق التركي، مشيرة إلى أن إيران سعت لعدم قبول الأسد وفي النهاية لم تستطع مساعدته، حيث يذكر التقرير: “إن بشار الأسد قد خسر فرصة كبيرة لتطوير العلاقات مع تركيا، فبينما كانت روسيا داعمة لهذا المسار، أوعزت إيران إلى بشار بألا يقبل به، وهذا ما حدث، وكانت نتيجة ذلك أنه ومع تسارع وتيرة الحرب بين إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، اضطرت إيران إلى نقل العديد من ميليشياتها من سوريا إلى لبنان، مما خلق فراغا في الداخل السوري أدى إلى ما تعيشه سوريا الآن، وفي ظل الأوضاع الحالية، ومع تركيز إيران على الحفاظ على وجودها في سوريا، فلا يمكنها، إيران، أن تلعب دورا فعالا في مسار المفاوضات ولا في مسار الدعم الميداني”، وذلك حسبما ذكر تقرير الموقع بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وتحت عنوان “هل جننت يا أسد؟”، وصفت صحيفة مليت التركية تصرفات إيران بأنها نفعية، وأن بشار الأسد، رئيس النظام السوري، كان ينبغي له أن ينضم إلى حلف تركيا بدلا من إيران وروسيا، فيقول التقرير: “إن بشار يصف ما يحدث في سوريا الآن بمحاولة أمريكا لإعادة ترتيب المنطقة وفق مصالحها، والسؤال الذي يبرز هنا هو: هل فقد الأسد عقله، فإن ما يصفه الآن لهو واقع منذ عشرات السنين، فلقد استولت الولايات المتحدة فعليا على 30% من الأراضي السورية، وهي المناطق الأكثر خصوبة وثراء بالموارد، وأسندت حمايتها إلى تنظيم حزب العمل الكردستاني، أما إيران، التي يعوّل عليها الأسد الآن للحماية، فقد سمحت بازدهار الإرهابيين على الأراضي السورية تحت ذريعة دعم الأسد، وينطبق الأمر نفسه على روسيا، بمعنى أن الجميع رسم خريطة لمصالحه الخاصة على الأراضي السورية”، وذلك حسبما جاء في تقرير الصحيفة الصادر في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ويكمل التقرير: “كان ينبغي للأسد أن يعود إلى صوابه ويستمع إلى تركيا، الدولة التي دافعت منذ البداية عن وحدة الأراضي السورية، ويحدد موقفه بوضوح، لكنه عوضا عن ذلك غض طرفه عن الأطماع الإيرانية والروسية وسمح للتنظيمات الإرهابية بالدخول إلى الأراضي السورية في سبيل دعمه وبقائه في السلطة”.