ترجمة: أسماء رشوان
تناولت كل من صحيفة “فرهيختكان” وموقع “فرارو” الإيرانيين، ملف الوساطة السعودية في التفاوض بين أمريكا وإيران في تقرير وحوار لهما يوم الثلاثاء 18 فبراير/شباط.
ذكرت صحيفة فرهيختكان أنه بعد أن ادّعت شبكة CNN أن السعودية تسعى للتوسط بين إيران وأمريكا، انتشر هذا الادعاء بسرعة في وسائل الإعلام المحلية. فقد سلطت صحيفة سازندگي الضوء على الأمر عبر نشر صورة كاملة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحت عنوان “محاولة الوساطة”.
في الوقت ذاته، تناولت الصحيفة الايرانية “هم ميهن” القضية بصيغة تساؤلية: “هل تصبح السعودية وسيطا بين إيران وترامب؟”، مما عزز النقاش حول الموضوع. ومع ذلك، يعكس الموقف الرسمي الإيراني افتقار هذه الادعاءات إلى أدلة قوية، حيث صرّح إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، في مؤتمر صحفي حديث، بأن الوزارة علمت بالأمر من وسائل الإعلام فقط.
وأضافت أن هذا التصريح يثير الشكوك حول مدى جدية هذا الجهد، إذ يمكن لمثل هذه التقارير أن تكون جزءا من حملة إعلامية تهدف إلى الضغط على طهران وتصويرها على أنها غير راغبة في التفاوض. ويبدو أن الحديث عن السعودية كوسيط يستند أكثر إلى اعتبارات إعلامية بدلا من أسس دبلوماسية واقعية.
وتابعت: “من الجدير بالذكر أن الوساطة التقليدية بين إيران وأمريكا كانت عادة من قبل دول مثل عُمان وقطر، وليس السعودية، التي لم تستعد علاقاتها مع طهران إلا مؤخرا بوساطة الصين”.
التصعيد الأمريكي ضد إيران
وأشارت إلى أنه في ظل التكهنات حول إمكانية التفاوض بين إيران وأمريكا، أعلنت واشنطن شروطا تعكس موقفها المتشدد تجاه طهران. فقد أكد مارك روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، أنه يجب أن تضمن عدم سعي إيران لتطوير سلاحها النووي.
وأردفت أنه بالتزامن مع ذلك، صرّح مايك والتز، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، بأن إغلاق البرنامج النووي الإيراني بالكامل هو الشرط الأساسي لبدء أي مفاوضات. هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من توقيع دونالد ترامب مذكرة تعلن خطة أمريكية لتشديد العقوبات على إيران.
وبحسب الصحيفة، فقد تضمنت المذكرة ضغوطا اقتصادية إضافية، إلى جانب مطالبات تُلزم إيران عمليا بنزع سلاحها، مما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية لا تسعى إلى مفاوضات عادلة، بل إلى تكريس سياسة “الضغط الأقصى”.
وأضافت الصحيفة أنه خلال اجتماع مجموعة السبع (G7) الذي عُقد على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، أصدرت الدول الأعضاء بيانا يتهم إيران بالتدخل في الشؤون السياسية للمنطقة.
المفاوضات أداة ضغط سياسي
كما ذكرت أن هذه المواقف الأخيرة تؤكد أن حديث المسؤولين الأمريكيين عن التفاوض مشروط بمطالب مستحيلة بالنسبة لطهران، مما يجعل فكرة المفاوضات أقرب إلى أداة ضغط سياسي بدلا من كونها محاولة جادة لحل الخلافات دبلوماسيا.
وأضافت أنه مع اقتراب الذكرى العاشرة لتوقيع الاتفاق النووي وإمكانية رفع عقوبات مجلس الأمن عن إيران، تكثّف الولايات المتحدة جهودها للحفاظ على هذه العقوبات. فقد وقع دونالد ترامب مذكرة تنفيذية جديدة تُلزم المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة بالتعاون مع الحلفاء لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران.
وتابعت أن هذا القرار يعزز الضغط الدبلوماسي على أوروبا لتفعيل آلية الزناد، ويتهم طهران بانتهاك معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية (NPT). في هذا السياق، وصفت إليز ستيفانيك، المرشحة لمنصب المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة، آلية الزناد بأنها أداة رئيسية ضد إيران. كما اعتبرت أن حملة “الضغط الأقصى”، التي فشلت خلال الولاية الأولى لترامب، كانت “ناجحة”.
وأردفت أن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدر قرارا يتهم إيران بعدم التعاون الكافي. يُلزم القرار طهران بتقديم تفسيرات حول مصدر جزيئات اليورانيوم المكتشفة في موقعين غير معلنين، كما يطالب بتوضيح موقع المواد النووية الحالية وتوسيع نطاق وصول مفتشي الوكالة.
وأشارت إلى أن رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كُلّف بتقديم تقرير حول هذه القضايا في اجتماع مجلس المحافظين، ومن المتوقع أن يواصل نهج الوكالة المناهض لإيران، مما قد يُمهد الطريق لإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن.
وأضافت أنه قبل أيام، صرّح غروسي بأن “الوقت ينفد للسيطرة على البرنامج النووي الإيراني”، وهو ما يعكس توجها غربيا نحو تصعيد الضغط.
كما ذكرت أنه في ظل هذه الأجواء، يبدو أن الحديث عن وساطة السعودية بين إيران وأمريكا ليس سوى جزء من لعبة إعلامية تهدف إلى تصوير إيران على أنها الطرف الرافض للتفاوض، رغم أن واشنطن نفسها هي من انتهكت الاتفاق النووي ومزقته.
وبحسب الصحيفة، فإن الترويج لرواية استعداد البيت الأبيض للتفاوض مع إيران ما هو إلا محاولة لتبرير سياسة “الضغط الأقصى” التي يتبناها ترامب، وليس سعيا حقيقيا لحل دبلوماسي.
في السياق ذاته صرح عبد الرضا فرجي راد، أستاذ الجيوسياسية والمحلل في السياسة الخارجية، عبر موقع فرارو، قائلا: “جهود الوساطة بدأت من اقتراح قطر للتوسط بين إيران وأمريكا. وبعد ذلك، ظهر الحديث عن وساطة سعودية، لكن الرياض لم تؤكد ذلك رسميا، بل جاء عبر وسائل الإعلام”.
وأضاف: “الحقيقة أن المسألة بين إيران وأمريكا أصبحت أكثر تعقيدا مع زيارة ماركو روبيو لإسرائيل، حيث عقد مؤتمرا صحفيا مع نتنياهو، إلى جانب زيارته لبعض دول الخليج. هناك احتمال أيضا أن يلتقي وزراء خارجية بعض الدول العربية مع روبيو في الرياض. لذا، تسعى الدول العربية للحد من التصعيد المتزايد بين طهران وواشنطن؛ لإدراكهم أنه إذا هاجمت إسرائيل إيران، فإن طهران سترد بالمثل، مما قد يؤدي إلى تصعيد واسع يتجاوز النزاع بين إيران وأمريكا، مما سيؤدي إلى استخدام واشنطن قواعدها العسكرية في العراق، وقطر، والسعودية، والبحرين، وعُمان، والكويت، وستمتد الحرب إلى جميع أنحاء المنطقة.
كما تحدث المحلل السياسي البارز عن تصريحات ماركو روبيو الأخيرة بخصوص الملف النووي الإيراني، قائلا:
“ما يقصده روبيو بإثبات نوايا إيران هو أن تقوم طهران بتقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب. لكن في المقابل، تصريحات مايك والتز، مستشار الأمن القومي لترامب، تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث قال بوضوحٍ إن ترامب لن يوافق على الحوار مع إيران إلا إذا قامت بتدمير برنامجها النووي بالكامل، مضيفا أن إيران “دولة غير عقلانية، ولا يجب أن تمتلك سلاحا نوويا أبدا”.
وأضاف: “كما قال روبيو، لا يوجد حتى الآن أي اتصال مباشر بين إيران وأمريكا، لذلك لا يمكننا الجزم بموقف واشنطن النهائي. في المقابل، أكد وزير الخارجية الإيراني بوضوحٍ أن إيران مستعدة للحوار في إطار الاتفاق النووي، حيث إن مستويات التخصيب النووي محددة مسبقا ولا داعي للقلق بشأنها. لكن إذا حاولت الولايات المتحدة فرض شروط تتجاوز هذا الإطار، فإنها ستواجه مقاومة إيرانية قوية”.
وحول قدرة الدول العربية على لعب دور الوساطة، قال:
“لا يمكن القول إن تحركات الدول العربية بلا تأثير، ولكن لا يمكن أيضا الجزم بأنها ستكون حاسمة في تقريب وجهات النظر. الدول العربية تستطيع تحذير ترامب من العواقب المحتملة لأي مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل، لأن إيران أثبتت في مراحل مختلفة، أنها لن تصمت أمام أي استفزاز إسرائيلي، وسترد بالمثل، مما قد يؤدي إلى فوضى شاملة في الشرق الأوسط”.
وأضاف: “تصاعد التوترات في الشرق الأوسط لا يتماشى مع ما يدّعيه ترامب من سعيه لتحقيق السلام، خاصةً أن هناك تكهنات بأنه يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام. لذلك، يمكن للدول العربية أن توضح له أن الوضع ليس كما يتصوره، فإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فقد يمثل خطرا على جميع الأطراف”.
وأردف قائلا: “ما يحدث الآن هو تصعيد أمريكي واضح تجاه الشرق الأوسط، بدليل أن روبيو توجه إلى المنطقة مباشرة بعد زيارة نتنياهو لواشنطن. المشكلة لا تتعلق فقط بإيران، بل تشمل أيضا الأردن، ومصر، وقطاع غزة، مما يعكس تصاعد مستوى التوترات في المنطقة”.
وختم حديثه بالقول: “في رأيي، خلال شهر واحد على الأكثر، سنرى نتائج هذه التحركات”.