كتب: مصطفى أفضل زادة، مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
مع بداية كل عام جديد، تتجه أنظار العديد من الإيرانيين إلى شاشة التلفاز، مترقبين اللحظة التي يلقي فيها المرشد الإيراني خطابه النيروزي، حيث يعلن شعار العام، محدِّدا بذلك التوجهات العامة لإيران.
وقد أصبحت هذه العادة الراسخة تقليدا ثابتا في مستهل كل عام في إيران. وخلال أكثر من عقد، لم تكن هذه الشعارات مجرد عبارات رمزية، بل شكلت انعكاسا حقيقيا للهموم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه إيران.
منذ 2011.. التركيز على القضايا الاقتصادية
ابتداء من عام 2011، اتجه المرشد الإيراني إلى التركيز بشكل خاص على القضايا الاقتصادية في شعاراته السنوية، وهو نهج بدأ باختيار شعار “الجهاد الاقتصادي” لهذا العام.
في ذلك العام، دخلت كلمة “الجهاد”، التي كانت تُستخدم تقليديا في السياقات العسكرية والثقافية، إلى الخطاب الاقتصادي الإيراني.
ومن خلال هذا الشعار، سعى خامنئي إلى لفت انتباه الرأي العام والمسؤولين والقطاع الخاص إلى ضرورة بذل جهد استثنائي للنهوض بالاقتصاد الوطني، الذي كان يواجه تحديات كبيرة بفعل العقوبات الدولية، والتضخم المزمن، وأوجه القصور في الإدارة.
وقد شكل هذا العام نقطة انطلاق لسلسلة متتابعة من الشعارات، ركزت في السنوات اللاحقة على تعزيز الإنتاج، وزيادة فرص العمل، ودعم المنتجات الوطنية.
الإنتاج الوطني
أما في عام 2012، فجاء شعار “الإنتاج الوطني، ودعم العمل ورأس المال الإيراني” ليشكل خطوة أكثر عملية مقارنة بشعار العام السابق. فقد سلط الضوء على أهمية تعزيز الصناعة المحلية، وتشجيع استهلاك المنتجات الإيرانية، والحد من الاعتماد على الواردات، وذلك في مواجهة تزايد التبعية الاقتصادية للخارج وتراجع أداء القطاعات الصناعية المحلية.
في عام 2013، الذي شهد انتخابات الرئاسة الإيرانية، اختار المرشد الإيراني شعار “الملحمة السياسية، الملحمة الاقتصادية”. وقد عكس هذا الشعار الأهمية المزدوجة للمشاركة السياسية ودور الشعب في الاقتصاد.
وكان واضحا فيه الربط بين التحولات السياسية الهيكلية والإصلاحات الاقتصادية، باعتبارهما معا ضرورة لتجاوز الأزمات المعقدة التي تواجه البلاد.
أما في عام 2014، فقد جاء شعار “الاقتصاد والثقافة بعزم وطني وإدارة جهادية”، ليدخل البعد الثقافي إلى الشعارات السنوية.
حمل هذا الشعار رسالة واضحة، مفادها أن معالجة الأزمات الاقتصادية لا تقتصر على السياسات الحكومية، بل تتطلب أيضا تغييرا في أنماط التفكير، وأساليب الحياة، والقيم المجتمعية.
وكان استخدام مصطلح “الإدارة الجهادية”، المستوحى من أدبيات الحرب الإيرانية-العراقية، تأكيدا للحاجة إلى نهج ثوري وحماسي في مواجهة التحديات.
وفي عام 2015، جاء شعار “الحكومة والشعب، تضامن وتفاهم”، والذي لم يكن ذا طابع اقتصادي بقدر ما ركز على تعزيز الوحدة الوطنية. وقد حمل هذا الشعار، في ظل اقتراب المفاوضات النووية والتوصل إلى الاتفاق النووي (برجام)، رسالة تؤكد أهمية التنسيق الداخلي لعبور المنعطفات الحساسة محليا ودوليا.
الاقتصاد المقاوم
في عام 2016، جاء الشعار السنوي “الاقتصاد المقاوم؛ التنفيذ والعمل”، ليؤكد الانتقال من مرحلة التنظير إلى التطبيق. فبعدما تم تبني الاقتصاد المقاوم كاستراتيجية وطنية من قبل قائد المرشد الإيراني، أصبح من الضروري تفعيله على أرض الواقع وتحويله إلى سياسات تنفيذية ملموسة.
وفي عام 2017، استُكمل هذا التوجه بشعار “الاقتصاد المقاوم؛ الإنتاج والتوظيف”، الذي ركّز على معضلتين رئيسيتين: البطالة والركود الاقتصادي. وكانت الرسالة واضحة: لا يمكن تحقيق الاستقلال الاقتصادي دون إحياء الإنتاج المحلي، باعتباره مفتاحا للنمو وخلق فرص العمل.
أما في عام 2018، ومع تصاعد العقوبات الأمريكية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، جاء شعار “دعم المنتج الإيراني”، ليعكس توجها نحو تعزيز الثقة بالإنتاج الوطني كوسيلة رئيسية لمواجهة “الحرب الاقتصادية” المفروضة على إيران.
وفي 2019، كان الشعار “ازدهار الإنتاج”، تأكيدا لأهمية دعم القطاع الصناعي. لكن تحقيق هذا الهدف اصطدم بعوائق عدة، مثل نقص الاستثمارات، والتشريعات الضريبية الصارمة، والتعقيدات البيروقراطية التي أعاقت نمو الاقتصاد.
مع حلول 2020، وفي ظل تفشي جائحة كورونا، تم اختيار شعار “قفزة في الإنتاج”، ليعكس طموحا يتجاوز مجرد النمو التدريجي إلى نقلة نوعية في الاقتصاد. غير أن الجائحة، إلى جانب استمرار العقوبات وضعف البنية التحتية الصناعية، شكلت عوائق حالت دون تحقيق هذه القفزة بشكل كامل.
التركيز على الإصلاح الاقتصادي والاستثمار
منذ عام 2021، اتجهت شعارات خامنئي نحو وضع أسس جديدة للاقتصاد، مع التركيز على الإصلاحات الإنتاجية والاستثمارية.
في 2021، جاء شعار “الإنتاج؛ الدعم وإزالة العقبات”، الذي ركّز على إزالة المعوقات أمام الصناعة وتعزيز الدعم الفعلي للإنتاج الوطني.
وفي 2022، اختير شعار “الإنتاج؛ قائم على المعرفة وموفّر لفرص العمل”، ليؤكد أهمية ربط الاقتصاد بالتكنولوجيا والابتكار، مشيرا إلى أن النماذج الاقتصادية التقليدية لم تعد كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
أما في 2023، فقد جاء الشعار “كبح التضخم، ونمو الإنتاج”، في محاولة لإيجاد توازن بين معالجة الأزمات المعيشية اليومية وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل.
في 2024، شهد الشعار تحولا في النظرة إلى الاقتصاد، حيث تم اختيار “قفزة في الإنتاج بمشاركة شعبية”، وهو ما يعكس إدراكا متزايدا بأن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن أن يتم فقط من خلال قرارات مركزية، بل يتطلب دورا فاعلا للقطاع الخاص، والتعاونيات، والمشاريع الريادية، والمجتمعات المحلية.
واستمر هذا التوجه في 2025، مع شعار “الاستثمار من أجل الإنتاج”، الذي يشير إلى التركيز على إصلاح النظام المصرفي وجذب الاستثمارات كوسيلتين أساسيتين لتعزيز النمو الاقتصادي.
تحليل الاتجاه العام للشعارات
يظهر هذا التسلسل في الشعارات أن خامنئي يسعى إلى تحديد بوصلة فكرية للمجتمع وصانعي القرار، بحيث تتحول الشعارات السنوية إلى أداة لتوجيه الرأي العام، وتحديد الأولويات الوطنية، وتصحيح المسار التنفيذي للدولة.
ورغم أهمية الشعارات السنوية في توجيه السياسات العامة، لا يزال الفارق بين الشعار والتطبيق من أبرز التحديات التي تواجه تحقيق هذه الأهداف. يرى المنتقدون أن هذه الشعارات ستبقى رمزية أكثر منها عملية، ما لم يتم إصلاح البنية التحتية الاقتصادية، وتعزيز الشفافية في صنع القرار، والحد من الفساد النظامي، وهي عوامل يعتبرونها ضرورية لأي تحول اقتصادي حقيقي.
في المقابل، يرى المؤيدون أن طرح الشعارات يسهم في خلق انسجام في الخطاب العام، ويحفز المطالبات الشعبية، ويمارس ضغطا إيجابيا على المؤسسات المسؤولة لدفع عجلة الإصلاحات.
ورغم أن الشعارات السنوية لن تحل الأزمات الاقتصادية وحدها، فإنها قد تعمل كبوصلة ترشد مسار التغيير. لكن مدى نجاح هذا المسار يعتمد على أداء المؤسسات التنفيذية، ومستوى الثقة العامة، وآليات المشاركة الفعلية في صنع القرار الاقتصادي.
وفي النهاية، يؤد المحللون والمراقبون للأوضاع أن ما تحتاجه إيران اليوم أكثر من أي وقت مضى ليس مجرد شعارات، بل تكامل حقيقي بين الإرادة السياسية، والطاقة المجتمعية، والتخطيط الاحترافي، لضمان تجاوز التحديات الاقتصادية والمعيشية بفعالية واستدامة.