إن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وزير الصحة السابق، ليس إصلاحياً ليبرالياً كما تشير التقارير الصحفية الغربية. إن انتخابه يشكل “فجراً كاذباً آخر”. ذلك أن تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية الممتد على مدى خمسة وأربعين عاماً ينبئ بأن بزشكيان (69 عاماً) لن يغير بشكل ملموس سلوك إيران الداخلي أو الخارجي، ولن يتحدى سلطة آية الله علي خامنئي، ولن يستعيد الشرعية المفقودة للنظام، ولن يهدئ السخط الشعبي وذلك حسب ما قالته “واشنطن بوست” يوم الثلاثاء 9 يوليو/ تموز 2024.
وبمقاييس موضوعية، فإن حكومة إيران من بين أكثر الحكومات تعصباً سياسياً واجتماعياً، ويحافظ النظام على ادعاءاته بأنه ديمقراطية تمثيلية من خلال تقديم انتخابات مغلقة ولكن تنافسية لرعاياه، وهي المسابقات التي توفر للناخبين في كثير من الأحيان خياراً حقيقياً بين نوعين من الموالين للنظام: أولئك الذين لا يستطيعون تحسين حياتهم كثيراً، وأولئك الذين قد يجعلون حياتهم أسوأ كثيراً. ويعكس انتخاب بزشكيان الاختيار غير السعيد الذي اتخذه الإيرانيون.
قد يأمل بعض صناع السياسات الغربيين أن يتمكن بزشكيان من تمهيد الطريق للتقارب الذي طال انتظاره مع إيران. بعد كل شيء، ألمح الرئيس الجديد إلى دعمه للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي وقعه الرئيس باراك أوباما وتخلى عنه الرئيس دونالد ترامب. لكن لا ينبغي للأميركيين أن يسمحوا للأمل بالانتصار على خبرتهم التاريخية بإيران.
إن هذا النفوذ المتضائل هو نتيجة للاضطرابات الداخلية في إيران. ونظراً لآمال الاحتجاجات التي اندلعت في الفترة 2022-2023 تحت شعار “النساء، الحياة، الحرية”، إلى جانب التدهور الاقتصادي المستمر، فقد أثارت الانتخابات المبكرة لاختيار خليفة للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ـــ الذي توفي في حادث تحطم مروحية في مايو/أيار ـــ إقبالاً منخفضاً تاريخياً، مما أدى إلى جولة إعادة بين اثنين من الموالين للنظام منذ فترة طويلة.
خلال الحملة، صور بزشكيان نفسه كمصلح متعاطف مع السخط الشعبي، لكنه وصف نفسه مرارًا وتكرارًا بأنه “محافظ”، ملتزم بالمبادئ الإيديولوجية للثورة ومخلص لآية الله خامنئي وأجندته لإيران (أحد المصادر الرئيسية للسخط). وعلى الرغم من أنه أعلن في الماضي علنًا الولاء للحرس الثوري وانتقد السياسات الأمريكية “الإرهابية” و”الإجرامية”، إلا أنه خاض حملته مع دبلوماسيين بارزين، بمن فيهم وزير الخارجية السابق جواد ظريف، من ذوي الخبرة في التفاوض مع الولايات المتحدة.
كان خصم بزشكيان في الجولة الثانية سعيد جليلي، وهو إيديولوجي محافظ يبلغ من العمر 58 عامًا ومفاوض نووي سابق عنيد كانت أطروحته للدكتوراه عن السياسة الخارجية للنبي محمد. ونظراً لبرنامج بزشكيان وتاريخه غير الملهم – ظهرت مقاطع فيديو له وهو يتفاخر بجهوده في شبابه لإرغام النساء على ارتداء الحجاب الإلزامي – لم تسع حملته إلى توليد الحماس لمرشحهم بقدر ما سعت إلى الخوف من جليلي وأنصاره، الذين شَبهّوهم بطالبان.
وهكذا وجد 60% من الإيرانيين الذين امتنعوا عن التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات أنفسهم أمام معضلة حقيقية. فلن يكون لدى بزشكيان القوة أو حتى الرغبة في تغيير الجمهورية الإسلامية بشكل كبير. ومع ذلك، قد يؤدي جليلي إلى تسريع دوامة التدهور الاقتصادي في البلاد وزيادة احتمال فرض عقوبات اقتصادية أشد وصراع محتمل مع الولايات المتحدة، وخاصة في ظل إدارة ترامب الثانية.
“لا أحد ساذج إلى الحد الذي يجعله يعتقد أن بزشكيان أو أي شخص آخر داخل هذا النظام الفاسد قادر على جعل إيران على ما ينبغي لها أن تكون عليه”، هكذا قال سياماك نمازي، وهو مواطن أميركي احتجزته الجمهورية الإسلامية رهينة لمدة ثماني سنوات وأضاف “لكن رئاسة جليلي كانت لتكون مخيفة”.
إن تاريخ الرئاسات الإيرانية لا يقدم الكثير من الأسباب للتفاؤل. فمنذ أصبح خامنئي المرشد الأعلى في عام 1989، جاء خمسة رؤساء إيرانيين (علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، ومحمود أحمدي نجاد، وحسن روحاني، وإبراهيم رئيسي) ورحلوا، ولكن لم يجلب أي منهم تغييراً ذا مغزى أو دائم لبنية السلطة في إيران ـــ أو سلوكها الداخلي أو الخارجي.
لقد ازدادت قوة خامنئي والحرس الثوري الإسلامي ـــ الذي يقوده ـــ على مر العقود، وأصبحا يهيمنان على المؤسسات السياسية المعقدة في البلاد، فضلاً عن القضاء والإعلام ودولة المراقبة. وظل القمع الاجتماعي والفساد الحكومي المتفشي وسوء الإدارة وعدم الكفاءة مستمرين، بغض النظر عن هوية الرئيس. وعلى نحو مماثل، استمرت أيضاً السياسات الخارجية القديمة للجمهورية الإسلامية ـــ معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل، ودعم الميليشيات الإقليمية، والطموحات النووية والعسكرية، والتهديدات ضد المعارضين في الخارج، واحتجاز الرعايا الأجانب (بما في ذلك الأميركيين).
ولقد شبه أحد كبار الدبلوماسيين الأوروبيين في طهران انتخاب بزشكيان بعربة قطار أخرى تسير على نفس مسارات السكك الحديدية. وقال لي: “الأمر لا يتعلق بما يقول بزشكيان إنه يريد أن يفعله. بل يتعلق الأمر كله بما يُسمح له بفعله ـــ ولا يوجد دليل يشير إلى أن الحرس الثوري سوف يغير العديد من السياسات المناهضة لمصالحنا ومصالح الشعب الإيراني”.
ورغم أن بزشكيان لن يغير الأهداف الاستراتيجية والإيديولوجية للنظام، فإن مستشاريه المعينين في مجال السياسة الخارجية من المرجح أن يكونوا من المتحدثين باللغة الإنجليزية من مختلف أنحاء العالم وليسوا من أصحاب الإيديولوجيات البسيطة. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن وجود دبلوماسيين إيرانيين أكثر مرونة على رأس السلطة يعني أن الجمهورية الإسلامية قد تصبح أكثر سهولة في التعامل ــ ولكن من الصعب أيضاً عزلها دولياً.
إن مستقبل إيران، وعلاقتها مع الولايات المتحدة، سوف يتشكل بشكل أعمق ليس من خلال ما سيحدث بعد وصول رئيس إيراني جديد، ولكن من خلال ما سيحدث بعد وفاة خامنئي أو رحيله.
وحتى ذلك الحين، سوف يظل الإيرانيون يعانون من ضائقة النظام الذي لا يمكنهم أن يتسامحوا معه أو يصلحوه أو يعزلوه. وسوف تستمر الولايات المتحدة في مواجهة نظام إيراني يظل أكثر التزاماً بمحاربة الولايات المتحدة من تعزيز مصالح شعبه.