كتب: محمد بركات
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا والضربات التي وجهتها إسرائيل إلى حزب الله في لبنان، وخسارة إيران بعض قواعدها العسكرية في سوريا، اتجهت طهران صوب حليف إقليمي آخر تمثل في السودان ليدعم وجودها في المنطقة، حليف ليس بجديد، لكن يبدو أنه الآن أهم من أي وقت مضى.
زعم تقرير نشرته وكالة بلومبرغ الإخبارية الأمريكية الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2024، أنه بحسب مسؤولين اثنين في الاستخبارات السودانية وأربعة مسؤولين غربيين، فقد أجرت كل من روسيا وإيران محادثات مع الجيش السوداني في الأشهر الأخيرة؛ لبناء قواعد عسكرية في ميناء بورتسودان.
يأتي ذلك في الوقت الذي تواجه فيه روسيا خطر فقدان جسرها الجوي الرئيسي إلى إفريقيا في حال خسارة قاعدتين لها في سوريا بعد الإطاحة ببشار الأسد، بينما تجد إيران نفسها في موقف ضعيف نتيجة للهجمات المستمرة التي تشنها إسرائيل على قوات حزب الله، في لبنان.
وأشار تقرير الوكالة الذي تناول دور الطائرات المسيرة الإيرانية والأسلحة الروسية في الحرب الأهلية السودانية، إلى تصريحات ضرار أحمد ضرار، قائد جماعة شبه عسكرية مؤيدة للجيش السوداني، بأن الجيش السوداني يتلقى دعما قويا من إيران وروسيا، حيث قال: “إنهم يقدمون أشياء مختلفة مثل الطائرات المسيرة والأسلحة، والآن تغير ميزان القوى”.
يأتي ذلك في الوقت الذي يعيش فيه السودان حربا أهلية مستعرة بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، ومحمد حمدان دقلو، المعروف بمحمد حميدتي، قائد قوات الدعم السريع.
الدور الإيراني الروسي في السودان
خلال الحرب الأهلية السودانية المستعرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تدخلت العديد من القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالح استراتيجية واقتصادية من خلال دعم الأطراف المتصارعة، وقد كان لإيران وروسيا دور بارز في دعم الجيش السوداني، من خلال تزويده بالأسلحة، وضمن ذلك المسيّرات الإيرانية التي أثرت بشكل كبير على مسار الصراع.
منذ بداية الحرب، قدمت إيران دعما عسكريا ملحوظا للجيش السوداني، حيث أرسلت شحنات من الأسلحة وعشرات الطائرات المسيّرة، وقد استخدمت هذه الطائرات في عمليات عسكرية لاستعادة أجزاء من العاصمة الخرطوم ومساحات واسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
كذلك، فقد ساهمت المسيّرات في تعزيز قدرة الجيش على مراقبة مواقع قوات الدعم السريع وضرب الأهداف الاستراتيجية بدقة، مما أدى إلى إضعاف قدرات قوات الدعم السريع في بعض المناطق.
كما كانت المسيّرات من العوامل الرئيسية التي مكنت الجيش من استعادة السيطرة على بعض أجزاء العاصمة والمناطق الريفية، حيث استطاع الجيش توجيه ضربات جوية دقيقة ضد مستودعات الأسلحة ومراكز القيادة التابعة لقوات الدعم السريع.
وبحسب تقارير صحفية إيرانية، فإن إيران تسعى من خلال دعم الجيش السوداني، إلى تحقيق عدة أهداف، أهمها توسيع نفوذها في إفريقيا وتعزيز حضورها الاستراتيجي بالقرب من البحر الأحمر، كذلك مواجهة النفوذ الإسرائيلي والغربي في المنطقة، لا سيما مع التوترات المستمرة بين إيران وإسرائيل.
وعلى الجانب الآخر، فقد كان لروسيا دور في دعم الجيش السوداني، حيث باعت ملايين البراميل من الوقود وآلاف الأسلحة والمعدات العسكرية للجيش السوداني منذ بداية الصراع.
كما ساعد الدعم الروسي الجيش السوداني في بناء قدراته اللوجستية والعسكرية، وضمن ذلك إنشاء حظيرة طائرات جديدة في مطار بورتسودان العسكري.
وجاء ذلك الدعم الروسي في محاولة من موسكو لتعزيز وجودها في السودان من خلال بناء قواعد عسكرية محتملة على البحر الأحمر، ما يمنحها منفذا استراتيجيا جديدا في إفريقيا.
أيضا، تعمل روسيا على استغلال الثروات الطبيعية في السودان، وضمن ذلك الذهب والموارد المعدنية الأخرى، لتمويل عملياتها وتعزيز وجودها الدولي.
العلاقات الإيرانية السودانية
امتازت العلاقات الإيرانية السودانية بتاريخ طويل ومعقد، حيث اتسمت بالتغيرات المستمرة وفقا للتطورات الإقليمية والدولية، فمنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين، لعبت المصالح السياسية، والاقتصادية، والدينية، والجيوسياسية دورا كبيرا في صياغة هذه العلاقات.
فقد شهدت العلاقات الإيرانية السودانية تقاربا ملحوظا بعد تولي الرئيس عمر البشير السلطة عام 1989، لا سيما في ظل تشابه التوجهات السياسية لكلا النظامين واعتمادهما على رؤى مشتركة.
وقد كانت إيران داعمة للسودان في وجه الضغوط الدولية والعقوبات الغربية، حيث وفرت دعما سياسيا وعسكريا ملموسا، فقد تميزت هذه المرحلة بتبادل زيارات المسؤولين، وتعزيز التعاون العسكري، وافتتاح مراكز ثقافية إيرانية في السودان، ما أثار جدلا إقليميا، بسبب مخاوف الدول العربية الأخرى من النفوذ الإيراني.
إلا أن تلك العلاقات تأثرت بشدة بعد انضمام السودان إلى التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن عام 2015، فقطعت الخرطوم العلاقات الدبلوماسية مع طهران في العام نفسه، متهمةً إيران بمحاولة نشر التشيع في السودان، وهو ما أثار توترات بين البلدين.
وبشكل عام، فقد أدى التقارب السوداني مع دول الخليج، خاصةً السعودية والإمارات، إلى تقليص النفوذ الإيراني في السودان.
وفي تلك الفترة تلقى السودان مساعدات زراعية وتجارية وتنموية وعسكرية من السعودية وإسرائيل. علاوة على ذلك، وبعد انضمام الخرطوم إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، قام السودان بتطبيع علاقاته مع تل أبيب عبر اتفاقيات أبراهام مقابل حوافز دبلوماسية واقتصادية من الولايات المتحدة.
وخلال السنوات اللاحقة، ورغم مشاركة إيران والسودان في اجتماعات متعددة الأطراف تتعلق بالتعاون الزراعي، فإن العلاقات الثنائية بين البلدين لم تتحسن بالكامل، غير أن الحرب الأهلية في السودان وفرت لإيران فرصة لإعادة صياغة مسار علاقاتها مع هذا البلد الإفريقي.
فقد ساعد دعم القوات المسلحة السودانية طهران في الحفاظ على علاقاتها مع السودان، وفي الوقت نفسه مكنها من مواجهة نفوذ كل من السعودية والإمارات في هذا البلد والقارة الإفريقية على نطاق أوسع.
وقد تمكنت طهران من استعادة عديد من العلاقات التي فقدتها خلال الفترة بين 2014 و2020، ففي يوليو/تموز 2023، وبعد بضعة أشهر من إعلان خطط تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، أعربت الحكومة السودانية علنا عن رغبتها في إعادة بناء العلاقات مع إيران في أقرب وقت ممكن.
وقد جاء هذا الإعلان خلال الاجتماع العام الأول بين علي الصادق، وزير الخارجية السوداني آنذاك، وحسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني وقتها، في باكو، عاصمة أذربيجان.
وفي تحول لافت، وفي خضم الأزمة التي أعقبت هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت الخرطوم أن إيران والسودان يناقشان إعادة العلاقات الثنائية بين البلدين وتسريع إعادة فتح السفارات.
وأخيرا، فقد التقى وزير المالية السوداني جبريل فضيل، نظيره الإيراني عبد الناصر همتي، بطهران، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حيث ناقش الجانبان سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية في ظل استئناف العلاقات السياسية بين البلدين.