كتب: ربيع السعدني
ليالٍ باردة ومظلمة، دون أجهزة تدفئة كهربائية أو اتصال بالعالم الخارجي، وهواتف فقدت شحنها، واحدا تلو آخر، فجأة، أصبح كل شيء مظلما في المدينة، هنا بعد أن انقطعت الكهرباء بسبب عاصفة الثلوج الكثيفة التي واجهها سكان 10 قرى نائية تقع في الجزء المركزي من عاليغودرز، شهدت واقعا جديدا في البرد القارس على مدار 72 ساعة عاشتها في قلب الظلام.
وأدى هطول الثلوج الكثيفة، والرياح إلى قطع الكهرباء عن القرى العشر الواقعة في عاليغودرز، بإقليم لورستان (غرب) قرب الحدود العراقية، وتقع في جبال زاغروس التي تمتد في جميع أنحاء المنطقة الغربية من إيران، بشكل خاص على عاليغودرز، مما يجعل هذه المنطقة، بجبالها الشاهقة وارتفاعاتها، واحدة من أكثر المناطق برودة في البلاد، حيث يصل تساقط الثلوج الكثيفة إلى مترين وأكثر، خاصة خلال شهري (يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط)، على ارتفاعات تزيد على 2500 متر فوق مستوى سطح البحر.
تدمير 7 أعمدة كهرباء
تقع القرى العشر على المرتفعات في مناطق منفصلة بشكل طبيعي عن شبكات الطرق الرئيسية في البلاد، ما جعل عمليات الإغاثة واحدة من أصعب العمليات في ظل ظروف صعبة وبرد شديد، وبحسب وكالة “تسنيم” للأنباء من عاليغودرز، الثلاثاء 11 فبراير/شباط 2025، كان صمت الليل الممطر يلف المدينة وفي بعض القرى الجبلية، كانت الأضواء في المنازل لا تزال مضاءة، أما بالنسبة للعائلات التي تعيش في هذه القرى، فإن الكهرباء لا تُستخدم فقط للإضاءة، بل أيضا للتواصل والدفء والأمان، ويمثل هذا الانقطاع إحدى أصعب المهام الشتوية هذا العام بالنسبة للقوات العملياتية في “لرستان”، وفي صباح اليوم التالي، ومع تحسن الأحوال الجوية، أصبحت الخسائر والأضرار واضحة، حيث سقطت أعمدة الكهرباء بسبب الرياح القوية والثلوج الكثيفة.
كما أن بعض الكابلات كانت خارج مكانها والبعض الآخر كان مدفونا تحت طبقة من الجليد، وظلت الطرق المؤدية إلى القرى مغلقة، ولم يكن من الممكن إرسال المعدات في المركبات العملياتية، وكشفت التحقيقات الأولية عن سقوط 7 أعمدة كهرباء بين قريتي علي محمود وحاجي آباد، ما أدى إلى تدمير نحو 7 كيلومترات من شبكة التوزيع.
200 قرية تحت الثلوج
ومن جانبه، أعلن القائم بأعمال منطقة عاليغودرز مهدي عدوي، أن 200 قرية في المقاطعة أغلقت وانقطعت الكهرباء عن 64 قرية أخرى بعد تساقط الثلوج، وذكرت وكالة “تسنيم” للأنباء من خرم آباد، أن قضاء عاليغودرز يقع في جبال زاغروس، ويعتبر بخصائصه الجغرافية المعقدة ومناخه الجبلي من أكثر المناطق تحديا في البلاد من حيث الظروف الطبيعية والبنية التحتية، لقد أصبحت هذه مشكلة، خاصة خلال مواسم الشتاء، وأوضح عدوي أن تساقط الثلوج تسبب في قطع التيار الكهربائي عن العديد من المناطق الريفية، وأن شركة توزيع الكهرباء تعمل على إعادة توصيل الكهرباء إلى هذه القرى، وحث القائم بأعمال محافظ عاليغودرز السائقين على تجنب السفر إلى المناطق الريفية بسبب الظروف الجوية واحتمال تغير الظروف.
اليوم الأول: الحفر في البرد القارس
وبدأت الفرق التشغيلية في إعادة بناء الشبكة صباح يوم 10 فبراير/شباط 2025، بينما كان الثلج لا يزال يتساقط لقد واجهوا العديد من التحديات؛ درجات حرارة تحت الصفر، وعدم القدرة على استخدام الرافعات، وكابلات متجمدة، والحاجة إلى استبدال العديد من أعمدة الكهرباء التالفة.
وقال مدير توزيع الكهرباء في عاليغودرز، مختار ذلقي، لوكالة تسنيم، إنه في المرحلة الأولى، اضطرت القوات العملياتية إلى حفر حفر جديدة لتثبيت أعمدة الكهرباء، لكن الأرض المتجمدة وظروف الطقس غير المواتية جعلت هذا الأمر صعبا.
اليوم الثاني: تركيب أعمدة الكهرباء بالمناطق النائية
بدأت 30 قوة عملياتية بالحفر في درجات حرارة تحت الصفر، وبعد اكتمال أعمال الحفر، بدأ فريق العمليات في تركيب الأساسات الجديدة، ولكن كان هناك تحدٍّ خطير: كان موقع تركيب أعمدة الكهرباء في أرض زراعية، ولم يكن من الممكن استخدام الرافعة، ولذلك اضطرت القوات إلى حمل الدعامات الخشبية بالقوة البشرية.
ويوضح ذلقي أنه “في الظروف العادية نستخدم آليات ثقيلة لهذا العمل، ولكن في هذه المنطقة لم تكن هناك وسيلة لنقل المعدات، كما ساعد عدد من أهالي القرية في حمل أعمدة الكهرباء”.
اليوم الثالث: توصيل الأسلاك واستعادة الإضاءة
بعد تثبيت القواعد، انتقلت القوات العملياتية إلى مرحلة الأسلاك أخيرا، تمت إعادة توصيل الكهرباء إلى آخر قرية في عاليغودرز بعد 72 ساعة من العمليات الصعبة.
عواقب الثلوج الكثيفة
كان للانخفاض الحاد في درجات الحرارة عواقب واسعة النطاق أيضا، وبحسب البيانات المسجلة، انخفضت درجة حرارة الهواء في معظم مدن محافظة لرستان إلى ما دون الصفر درجة، وقال المدير العام للأرصاد الجوية في “لرستان”، إن درجة الحرارة في مدينة الأشتر وصلت إلى 8 درجات تحت الصفر، وفي نور آباد وصلت إلى 7 درجات تحت الصفر، وذكرت وكالة “تسنيم” للأنباء من خرم آباد، أن وصول نظام هطول الأمطار، الذي رافقه انخفاض حاد في درجات الحرارة وزيادة الرطوبة والأمطار والثلوج، أدى إلى تغيير الظروف الجوية في لرستان، حتى وصل تلوث الهواء في المحافظة إلى مستويات تتجاوز الحد المسموح به، وتجاوز مؤشر جودة الهواء خط التحذير في بعض الأماكن في الظروف العادية، يوجد الهواء الدافئ على ارتفاعات أعلى ويتدفق الهواء البارد على سطح الأرض. يساهم هذا الوضع في انتشار الملوثات بشكل طبيعي.
لكن في الأيام الأخيرة، ونتيجة للانخفاض الحاد في درجات الحرارة، احتجزت طبقة من الهواء البارد بالقرب من سطح الأرض في لرستان، ما أدى إلى احتجاز الملوثات، حيث تسببت الرطوبة العالية في اتحاد الجزيئات المحمولة في الهواء مع بخار الماء لتصبح أثقل وزنا، وقد أدى هذا الوضع إلى بقاء جزيئات الملوثات في الارتفاعات المنخفضة من الغلاف الجوي، مما أدى إلى تفاقم التلوث بصورة غير صحية حتى بلغ ثلاثة أضعاف الحد المسموح به في جنوب المحافظة.
“درجتان” تحت الصفر
في ظل اختلال التوازن الطاقي بالدولة وانخفاض درجات الحرارة في العديد من المناطق، فإنه من المتوقع أن يقوم المواطنون بدورهم في استهلاك الطاقة بكفاءة واستدامة من خلال الانضمام إلى حملة درجتين تحت الصفر”، وأكد المدير التنفيذي لشركة توزيع الكهرباء في لرستان مهران أميري أن “خفض درجة حرارة الهواء في أماكن العمل والمنازل بمقدار درجتين سيمنع هدر كمية كبيرة من الطاقة على المستوى الكلي ويقلل من انقطاع التيار الكهربائي عن الوحدات السكنية والصناعات”.
صراع من أجل البقاء
وفي ظل هذه الظروف، لا يواجه الناس، خاصة في القرى النائية، مشاكل مثل البرد القارس فحسب، بل يصبح الحصول على الغذاء والمواد الأساسية مشكلة أيضا، ولذلك فإن العيش في مناطق صعبة في الأيام الثلجية، لا سيما على ارتفاعات عالية، يصبح صراعا من أجل البقاء، وتضطر العائلات في هذه المناطق إلى استخدام الموارد القليلة المتاحة لها لمنع برودة منازلها.
وفي مواجهة هذا الوضع، عقدت لجنة إدارة الأزمات في محافظة لرستان اجتماعا وأطلقت بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر عملية إغاثة جوية، وتم توفير طائرة هليكوبتر إلى عاليغودرز من قبل جمعية الهلال الأحمر الإيراني بعد تقييم الظروف الجوية وكثافة الأمطار، وبدأت المروحيات طلعاتها لنقل أول شحنات من المواد الغذائية والأساسية إلى المناطق المحاصرة، وتشمل المساعدات الدقيق والأرز والزيت والمعلبات وبعض الأدوية الضرورية.
كما كانت إعادة الكهرباء إلى القرى بمثابة نجاح كبير لفرق عمليات الكهرباء، ولكن بالنسبة لسكان هذه المناطق، يبقى القلق قائما: هل هذه هي المرة الأخيرة التي سيواجهون فيها مثل هذه الأزمة؟ أم عليهم أن ينتظروا شتاء آخر وانقطاعات أخرى للتيار الكهربائي؟