كتب: محمد بركات
صوّت البرلمان الإيراني بجلسته المنعقدة الأحد 2 مارس/آذار 2025، على إقالة عبد الناصر همتي من منصبه كوزير للاقتصاد، وذلك بعد أقل من سبعة أشهر من توليه مهامه.
فخلال الجلسة وبعد الاستماع لمداخلات النواب المؤيدين للاستجواب، ودفاع مسعود بزشكيان، رئيس الجمهورية والوزير نفسه، وكذلك مداخلات المعارضين للإقالة، تم طرح مسألة حجب الثقة للتصويت ليوافق 182 نائبا على الإقالة، مقابل 89 نائبا معارضا، فيما سجلت ورقة امتناع واحدة وصوت باطل واحد، من إجمالي 273 نائبا حاضرا.
مؤيدو الاستجواب
في بداية الجلسة، تحدث النواب المؤيدون للاستجواب، حيث قال جبار كوجكي نزاد، النائب البرلماني عن مدينة رشت: “يا سيد بزشكيان، أداء الفريق الاقتصادي تحت إدارة همتي جعل حياة الناس أكثر صعوبة، ويجب أن يرحل همتي عن الحكومة”.
وأضاف نزاد: “سيادة الرئيس، لقد كنتَ نائبا لسنوات طويلة، وعندما يبدأ الاستجواب، يجب أن يسعى الوزير لإقناع النواب، لكن همتي لم يحاول، بل زاد من عدد المؤيدين للاستجواب، لقد استجوب همتي بالفعل من قبل الشعب في الشوارع”.
كذلك، قال روح الله متفكر آزاد، النائب بالبرلمان: “إن طاولة الناس تمسي أصغر فأصغر، والقائد الذي تسبب في هذا النموذج الاقتصادي هو السيد همتي، نحن لا نتوقع حل المشكلات خلال 100 يوم، لكن كنا ننتظر كبح جماح الأسعار، لم نسمع من همتي ومحيطه أي حديث إيجابي أو يبعث على الأمل”
.
أيضا، قال ميثم ظهوريان، النائب عن مدينة مشهد: “من سبتمبر/أيلول 2024 إلى فبراير/شباط 2025 ارتفع الدولار من 550 ألفا إلى 900 ألف ريال أي بنسبة 62%. وفي الوقت نفسه، كان معدل التضخم الشهري 1.7%، لكنه قفز إلى 4.1% في فبراير/شباط. المشكلة هي أننا لا يجب أن نترك الناس يسحقون تحت عجلة هذه السياسات الخاطئة”.
هذا وقد صرح أمير حسين ثابتي، النائب عن مدينة طهران وأحد الأوجه البارزة لتيار الصمود الأصولي: “قبل شهرين، أخطأنا عندما منحنا همتي فرصة أخرى خلال جلسة غير علنية، لكنه الآن أصبح عائقا للحكومة، إن تأثير تصريحاته الخاطئة يقع على كاهل الشعب، وجزء من ارتفاع سعر الدولار يعود إلى تصريحاته”.
كذلك، صرح روح الله عباس بور: “إذا لم يصوّت البرلمان لصالح الاستجواب، فسيكون ذلك بمثابة تأييد لارتفاع سعر الدولار من 550 إلى 900 ألف ريال، رحم الله حكومة رئيسي، التي سعت ليس فقط لرفع العقوبات عبر التفاوض، بل أيضا لإبطال مفعولها، وأعادت الأموال الإيرانية المجمدة من دول مثل بريطانيا وعُمان، أما هذه الحكومة”.
وقال روح الله ايزد خواه، النائب عن طهران: “اليوم نحن أمام خيار حاسم بين اقتصاد المضاربات والاقتصاد المستقل، فالفريق الاقتصادي للحكومة يقول من جهة، إن العملة الأجنبية يجب أن تُترك للسوق الحرة، ومن جهة أخرى يزعم أن صعود ترامب هو سبب ارتفاع الدولار. تحويل مدخرات الشعب إلى الدولار أشبه بسرطان اقتصادي، عندما يحتج المزارعون في كرمان، نشكل لجنة للأمن، لكن عندما يرتفع الدولار بنسبة 62% لا نفعل شيئا!”.
من جانبه قال قاسم روان بخش، النائب البرلماني: “إذا كان لدى المرشد الأعلى توصية للبرلمان، فسيبلغها بنفسه، لكن مكتب الرئاسة ارتكب خطأ كبيرا بنشر مقاطع سابقة لتصريحات المرشد حول البرلمان، كما أشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية أصبحت صعبة حتى للطبقات المتوسطة، وكثير من المرضى يموتون بسبب عدم قدرتهم على شراء الأدوية”.
بزشكيان: أنا ملتزم بتعليمات المرشد
وبعد السماع إلى أصوات النواب المؤيدين، قام الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ليدافع عن حكومته، حيث قال إن حكومته ورثت أزمات مالية عميقة تشمل عجزا في الكهرباء والمياه والوقود، وديونا ضخمة في قطاعات الصحة والقمح والتأمين الاجتماعي، مشيرا إلى أن وزارة الصحة وحدها كانت مدينة بـ900 ألف مليار ريال، ما يعادل 971 مليون دولار تقريبا، بينما بلغت ديون وزارة الطاقة عدة آلاف من المليارات، إضافة إلى ديون وزارة الطرق والمواصلات للمقاولين بقيمة 1200 ألف مليار ريال، ما يعادل مليارا و195 مليون دولار.
وأكد بزشكيان أن إيران تواجه ما سماه حربا اقتصادية وسياسية شاملة، مستشهدا باغتيال الشهيد هنية في يومه الأول بالحكم، كما شدد على أن الحكومة اضطرت إلى اتخاذ قرارات صعبة، مثل اللجوء إلى حرق المازوت لمنع انقطاع الكهرباء، رغم عدم رغبتها في ذلك، مشيرا إلى أن العقوبات الأمريكية تركت ناقلات النفط والغاز الإيرانية عالقة في البحار، بينما تمتنع دول مثل العراق وتركيا عن سداد ديونها لإيران.
كما أوضح الرئيس الإيراني أن الأزمة لا تتعلق بالأفراد، بل بتحديات هيكلية عميقة، معتبرا أن التغييرات الفورية ليست ممكنة خلال ستة أشهر فقط، وأكد أن الحكومة تعمل على تعزيز العلاقات مع الجيران وتفويض مزيد من الصلاحيات إلى المحافظين، كما أنها تسعى إلى تحقيق استقرار اقتصادي عبر استراتيجيات طويلة الأمد.
كما شدد على التزام إيران بسياسة المرشد الأعلى، علي خامنئي، تجاه الولايات المتحدة، مؤكدا أنه شخصيا يرى في الحوار خيارا لحل المشكلات، لكنه ملتزم بتوجيهات القيادة، وانتقد محاولات بعض الأطراف الداخلية لإلقاء اللوم على الحكومة، محذرا من أن استجواب الوزراء وإقالتهم لن يحل الأزمات، بل سيزيد من عدم الاستقرار.
وأضاف بزشكيان أن الحكومة اضطرت إلى طلب الإذن من المرشد الأعلى لاستخدام مليار دولار من صندوق التنمية الوطني لدعم معيشة المواطنين.
واختتم حديثه بتأكيد أن إيران بحاجة إلى الوحدة والتضامن في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، ومحذرا من أن استمرار النهج الحالي قد يزيد الأوضاع سوءا في العام المقبل.
همتي: لا يمكنني الإفصاح عن الكثير
بعدما أنهى بزشكيان كلمته، قام همتي للدفاع عن أداء وزارته، فاستهل حديثه بالإشارة إلى ادعاءات النواب المؤيدين للاستجواب، حيث قال: “يقولون إن همتي لا يجيب عن الأسئلة، لكن من الذي لا يعلم كيف يعاني الناس من صعوبات المعيشة؟ أنا مطّلع تماما على مشاكل المواطنين، هل من المعقول أن يكون شخص مسؤول عن الاقتصاد ولا يدرك تأثير التضخم المستمر بنسبة تفوق 40% على مدى سبع سنوات على حياة الناس؟ الآن، القوة الشرائية للمواطنين تتراجع عاما بعد عام، وهذه الحقيقة واضحة للجميع”.
وتابع همتي: “أتمنى ألا تطلبوا مني الإفصاح عن معلومات قد يستغلها أعداء البلاد لصالحهم، لن أفصح أبدا عن أي شيء يمكن أن يضر بالمصالح الوطنية، وسأتحدث فقط ضمن هذا الإطار، لذا، أعتذر للنواب وللشعب الإيراني إن لم أتمكن من الكشف عن بعض القضايا في هذا المكان”.
كما أشار إلى زيارته الأخيرة للسعودية، قائلا: “هذا الأسبوع، وخلال رحلتي إلى السعودية، سألني مسؤولو صندوق النقد الدولي: كيف تمكن بلد خاضع للعقوبات لمدة سبع سنوات من الصمود بهذه الطريقة؟ فأجبتهم بأن السبب هو مقاومة الشعب الإيراني، ورغم الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي يتحملها المواطنون، فإن قدرة البلاد على الصمود ازدادت”.
وأضاف: “الحقيقة أنه خلال السنوات السبع الماضية، انضم نحو 10 ملايين شخص إلى شريحة الفقراء، وهذا أمر معروف للجميع، أنا شخصيا أزور باستمرارٍ مناطق مثل ملارد وأماكن أخرى، وأرى بنفسي معاناة الناس”.
ثم تطرق إلى أزمة العملة الأجنبية، مشيرا إلى الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وقال: “كما ذكر الرئيس، عندما نناقش 6 مليارات دولار على أعلى المستويات، فهذا يعني أن هذا المبلغ يعادل واردات شهر واحد فقط، لقد كنا نتفاوض لمدة عامين للحصول على 6 مليارات دولار، وهذا يعكس مدى صعوبة الواقع الاقتصادي”.
المعارضون: التوقيت غير مناسب
بعد ذلك، عرض المعارضون لاستجواب وزير الاقتصاد أسباب رفضهم إقالته من الحكومة، حيث أكد حسن قشقاوي، النائب عن مدينة رباط كريم، أن إقالة وزير الاقتصاد مع اقتراب العام الإيراني الجديد لن تكون في مصلحة البلاد، موضحا أن “إصلاح الاقتصاد الإيراني لا يمكن أن يتم بقرارات متسرعة، خاصةً أن خريف العام المقبل سيكون فترة مصيرية في ملف إيران النووي”.
كما أوضح قشقاوي أن الاقتصاد الإيراني يعاني من أزمات مزمنة، مشيرا إلى أن “إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعاني من تضخم مزدوج الرقم منذ قرابة خمسة عقود، سواء خلال فترات انخفاض عائدات النفط والعقوبات أو حتى في سنوات النمو الاقتصادي الكبير”.
وفي ما يتعلق بارتفاع سعر الصرف، قال قشقاوي إن “الزيادة بنسبة 67% في سعر الصرف الحر خلال عام أواخر عام 20222 جاءت رغم تخصيص النقد الأجنبي بأسعار تفضيلية، وهو ما يعكس وجود مشكلات هيكلية وعميقة في الاقتصاد الإيراني”.
من جانبه، دافع محمد قسيم عثماني، النائب عن مدينة بوكان، عن همتي، مؤكدا أنه “ليس المسؤول عن الوضع الاقتصادي الحالي”، مضيفا: “من حقنا مساءلته، لكن من غير العدل تحميله مسؤولية هذه الظروف”.
وأوضح عثماني أن الاستجواب حق للنواب لمطالبة الوزراء بتوضيحات، لكنه شدد على أن “هذه التوضيحات قد تساهم في إقناع النواب بدلا من إضعاف مكانة الوزير”.
وفي ما يتعلق بأسباب التضخم، أوضح عثماني أن “العجز الكبير في الموازنة، الذي تم إقراره في البرلمان السابق واقترحته الحكومة السابقة، هو السبب الرئيسي للتضخم، وليس الحكومة الحالية”، مضيفا أن “تمويل هذا العجز حتما سيؤدي إلى آثار تضخمية، ومن ثم فإن المسؤولية تقع على من أقروا هذا العجز وليس على الحكومة الحالية”.
وبدوره، صرّح غلام رضا تاج جردون، رئيس لجنة التخطيط والموازنة في البرلمان، بأن توقيت الاستجواب غير مناسب، موضحا أن “دور وزارة الاقتصاد والوزير في الأزمة الراهنة ليس كبيرا بما يبرر إقالته، كما أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى عدم استقرار السوق”.
وأضاف تاج جردون: “هناك عدة أسباب لرفضي الاستجواب، أولها أن التوقيت الحالي غير مناسب. وثانيا، أن دور وزارة الاقتصاد والوزير في الأزمة الحالية أقل بكثيرٍ مقارنة بجهات أخرى، رغم أن الوزير مسؤول ويجب مساءلته، فإن دوره ليس بحجم يبرر إقالته”.
ماذا بعد عزل وزير الاقتصاد؟
بعد الاستجواب والإقالة، صرّح عباس جودرزي، المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان، بأنه “وفقا للمادة 135 من الدستور، يملك رئيس الجمهورية مهلة ثلاثة أشهر لترشيح وزير جديد للاقتصاد وعرضه على البرلمان، حيث ستتم دراسة أهليته في اللجان المختصة ثم في الجلسة العلنية”، مضيفا: “خلال هذه الفترة، يمكن لوزارة الاقتصاد أن تواصل عملها تحت إدارة قائم بالأعمال يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية”.