كتب: ربيع السعدني
ذكرت وكالة بلومبرغ نيوز، الثلاثاء 4 مارس/آذار 2025، نقلا عن مصدر مطلع، أن روسيا وافقت على مساعدة الحكومة الأمريكية في التعامل مع إيران بشأن قضايا مثل “برنامجها النووي ودعم طهران لحلفائها الإقليميين المناهضين لأمريكا”، ووفقا للمصدر ذاته، الذي فضل عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر، فقد أعرب ترامب عن اهتمامه بهذا الأمر في مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في فبراير/ شباط 2025، وأثار مسؤولون كبار من إدارته الأمر مع نظرائهم الروس بعد أيام قليلة خلال محادثاتهم في المملكة العربية السعودية.
ولم يستجب مسؤولو البيت الأبيض حتى الآن لطلب التعليق، ولم تؤكد روسيا وإيران هذا الطلب أو تنفيه علنا، لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال ردا على أسئلة وكالة بلومبرغ الأمريكية: “تعتقد روسيا أن الولايات المتحدة وإيران يجب أن تحلا جميع المشاكل من خلال المفاوضات وأن موسكو مستعدة لبذل كل ما في وسعها لتحقيق هذا الهدف”.
وفي وقت سابق، رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، على سؤال بشأن ما إذا كانت روسيا عرضت التوسط بين طهران وواشنطن: “من الطبيعي أن تعرض الدول مساعدتها”، وأضاف خلال مؤتمر صحفي في طهران، الاثنين 3 مارس/آذار 2025: “نظرا إلى أهمية هذه القضايا، فمن الممكن أن تبدي العديد من الأطراف رغبتها واستعدادها للمساعدة في حل المشاكل المختلفة. ومن هذا المنظور، من الطبيعي أن تقدم البلدان المساعدة عندما تكون هناك حاجة إليها”.
وفي وقت سابق منذ توليه منصبه للمرة الثانية في البيت الأبيض، وفقا لما نقله موقع صحيفة “دنياي اقتصاد”، حاول ترامب استعادة العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي قطعتها الولايات المتحدة بعد الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا في عام 2022، وبينما يسعى ترامب إلى التوسط لإنهاء الأعمال العدائية المباشرة مع بوتين- وضمن ذلك مكالمة هاتفية بين الزعيمين في 12 فبراير/شباط 2025ــ أظهر الجانبان استعدادهما للتعاون في مصالح جيوسياسية أخرى، وضمن ذلك طرق التجارة والموارد في القطب الشمالي.
ماذا حدث في الرياض؟
كما ناقش مسؤولون كبار من الولايات المتحدة وروسيا، ومن ضمنهم وزيرا الخارجية الأمريكي ماركو روبيو والروسي سيرجي لافروف، اهتمام واشنطن بمساعدة موسكو في حل القضايا الإيرانية في اجتماع عقد بالرياض في 18 فبراير/شباط 2025، وبطبيعة الحال، طلبوا عدم ذكر أسمائهم؛ لأن جميع تفاصيل هذه المحادثات لم يتم الكشف عنها للعامة.
القضية النووية يمكن حلها بالدبلوماسية
ومن جانبه أوضح ديمتري بيسكوف، بحسب ما نقلته وكالة “إرنا” للأنباء الرسمية، الأربعاء 5 مارس/آذار 2025، أن “موقف روسيا هو أن هذه القضية- الملف النووي الإيراني- يجب حلها فقط من خلال الوسائل السلمية والسياسية والدبلوماسية، نحن نؤمن بأن هذه القدرة موجودة، بما أن إيران حليفتنا وشريكتنا، وهي دولة نطور معها تعاونا شاملا ومفيدا ومتبادل المنفعة، فإن روسيا مستعدة لفعل كل شيء من أجل ذلك والولايات المتحدة تدرك ذلك”.
وتابع المتحدث باسم الكرملين: “تم مناقشة قضية البرنامج النووي الإيراني خلال المحادثات رفيعة المستوى بين موسكو وواشنطن في الرياض، وفي الوقت نفسه، لم يتم استكشاف تفاصيلها ولذلك فإننا نتوقع إجراء مفاوضات منفصلة بهذا الشأن”، وأضاف: “في الواقع هذا ما تم اقتراحه حتى تصبح هذه القضية مجالا منفصلا لحوارنا ومشاوراتنا (روسيا والولايات المتحدة) في المستقبل”.
وفي وقت سابق أكدت وكالة “تاس” الرسمية الروسية للأنباء أن إيران تسعى إلى تنفيذ برنامج نووي سلمي، لكن الغرب فرض عقوبات على طهران بسبب مخاوفها وأهدافها العسكرية المزعومة، صرح بذلك المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف.
وأشارت وسائل الإعلام الرسمية الروسية إلى أنه في عام 2015، وافق الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا (مجموعة 5+1) على خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني، والتي نصت على رفع العقوبات عن طهران، لكن ترامب انسحب منها بشكل أحادي في عام 2016، وأضافت “تاس” أن “المفاوضات حول هذه القضية استؤنفت منذ ذلك الحين، لكنها فشلت في نهاية المطاف بسبب موقف واشنطن”.
وأكد عراقجي في مؤتمر صحفي متلفز بعد الاجتماع، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، شارك لاحقا تفاصيل الزيارة الأمريكية عندما التقى نظيره الإيراني في طهران وأرسل ترامب إشارات متضاربة بشأن إيران منذ عودته إلى البيت الأبيض.
وقال إنه ينوي العودة إلى سياسة “الضغط القصوى” التي اتبعها خلال ولايته الأولى، مثل إعادة فرض العقوبات، لكن ترامب قال أيضا “إنه يريد أن يبدأ على الفور العمل على اتفاق سلام نووي موثوق به مع إيران”.
في “مواجهة العقوبات”
مع تكثيف العقوبات الاقتصادية ضد إيران وروسيا، أتيحت فرصة فريدة لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، وعززت روسيا وإيران تعاونهما في مجال التجارة والطاقة، فضلا عن الأمن، على الرغم من أن البلدين يخضعان لعقوبات شديدة من جانب الولايات المتحدة، ومن غير الواضح بطبيعة الحال إلى أي مدى ستكون طهران متقبلة لأي عمل أمريكي من خلال روسيا، وقد عارض كثيرون في طهران أي مشاركة أو مفاوضات مع واشنطن.
وفي السابع من فبراير/شباط 2025، قال المرشد الإيراني علي خامنئي، إن “المفاوضات مع الولايات المتحدة مستحيلة؛ لأنها خدعت بلاده بالفعل مرة واحدة، وأشار إلى أن واشنطن وقعت على الاتفاق النووي في عام 2015، وفشلت في الوفاء بشروطه، ولم ترفع العقوبات المفروضة على إيران، وأنهت الاتفاق من جانب واحد في عام 2018″، وأضاف: “إن قضية الأمم المتحدة ظلت بمثابة العظم في الجرح، وظلت تشكل تهديدا دائما لإيران”.
ورأى خامنئي أنه من الضروري الاستفادة من تجربة “عامين من المفاوضات والتنازلات ولكن دون الوصول إلى نتيجة، لقد انتهكت الولايات المتحدة المعاهدة نفسها، على الرغم من عيوبها، وانسحبت منها، ولذلك فإن التفاوض مع مثل هذه الحكومة أمر غير حكيم وغير ذكي وغير مشرف، ولا ينبغي التفاوض معها”.
كما قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكیان مؤخرا، إنه وافق على التفاوض مع الولايات المتحدة، ولكن بعد معارضة المرشد الإيراني لأي مفاوضات، فإنه قبل كلامهم، وأعلن: “لن نتفاوض بأي ثمن، لا يمكننا أن نسمح لهم بفرض العقوبات والقول: لا تمتلكوا أي صواريخ أو أسلحة، ثم يتحدثون عن المفاوضات مرة أخرى، يجب أن تكون المفاوضات محترمة”.
وزعمت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، أن إيران تخفي أبعادا عسكرية لبرنامجها النووي، لكن طهران نفت مرارا وتكرارا مزاعم واشنطن، وتقول إن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط، وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن الولايات المتحدة وإيران يجب أن تبدآ محادثات وتجريا مناقشات رفيعة المستوى مع البيت الأبيض بشأن هذه القضية.
ويأتي هذا في أعقاب تحذير رافائيل غروسي، الأسبوع الماضي، من أن مخزونات طهران من المواد الانشطارية القريبة من صنع القنبلة زادت بنسبة تزيد على 60% منذ انتخاب ترامب، وأضاف: “إن التفاعل بين إيران والولايات المتحدة، سواء كان رسميا أو غير رسمي، أو من خلال خطوط اتصال سرية وعلنية، لا يمكن الاستغناء عنه”. أحد أهم تصريحات ترامب هو رغبته في التوصل إلى اتفاق ما مع إيران.