كتبت- أروى أحمد
سلّط الإعلام الإيراني يوم الخميس 8 أغسطس/آب 2024، الضوء على اختيار يحيى السنوار، رئيساً للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس خلفاً لإسماعيل هنية الذي تم اغتياله في طهران يوم الأربعاء 31 يوليو/تموز 2024، ووجهت إيران الاتهامات لإسرائيل بالمسؤولية عما حدث.
وكالة “عصر إيران”، قالت في تقريرها إن انتخاب السنوار هو أمر غير متوقع تمامًا لأن أحد أهم معايير اختيار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس هو إمكانية تحرّكه بحرية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وبالنظر إلى الوضع الحالي لقطاع غزة فهو غير جاهز لاستقبال السنوار حيث إن إسرائيل تسعى بقوة لاغتياله.
ونظراً للظروف الأمنية العصيبة التي يمر بها قطاع غزة، لا يستطيع السنوار الظهور على الساحة في هذه الحرب علناً، وهو الآن يدير الحرب من الأنفاق تحت الأرض إلى جانب قادة القسام.
ولذلك، فهو غير قادر على التحرك بحرية في ظل هذه الظروف، ومن غير المرجح أن يتمكن من أن يكون له حضور شعبي ويستطيع التحرك بحرية في قطاع غزة حتى بعد انتهاء الحرب. وفي الوقت نفسه، تتطلب قيادة حماس حضوراً شعبيًا وحرية في الحركة، سواء في غزة أو خارجها. وهي ميزة يفتقر إليها السنوار.
رسائل لإسرائيل
قالت الوكالة الإيرانية إنه يمكن القول إن اختيار السنوار يحمل العديد من الرسائل لـ”النظام الصهيوني”، منها أن هذا الاختيار هو رد فعل طبيعي على اغتيال هنية وإرسال رسالة مفادها أن هذا الاغتيال ليس له أي تأثير على سياسات أو مواقف حركة حماس.
ويقال إن هذا الاختيار سيجعل حماس أكثر صرامة في المفاوضات وغيرها من القضايا، لكن هذا ليس صحيحاً، نظراً لأن السنوار نفسه كان له حضور فعال وغير مباشر في المفاوضات الحالية.
ويبدو أن جميع أعضاء حركة حماس، وخاصة المقيمين في الخارج والمقربين من خالد مشعل، اقترحوا أن يتولى السنوار منصب رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس وكانوا ينتظرون موافقته، واستغرق الأمر بضعة أيام حتى وصلت إليه هذه الرسالة بسبب الوضع الأمني المعقد في غزة.
كما قالت الوكالة إن آلية انتخاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس تتم بحيث أنه لا أحد يرشح نفسه لهذا المنصب، بل يتم ترشيحه من قبل أعضاء مجلس حركة حماس وهو أشبه بسلطة البرلمان، ويتم انتخاب من يحصل على أكبر عدد من أصوات أعضاء المجلس. يُقال إن جميع الأعضاء اقترحوا بالإجماع السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس. إن هذا الإجماع في ظل هذه الحرب وفي ظل الوضع الصعب الذي تعيشه حماس، حيث لا يعيش جميع أعضائها في نفس المكان، له دلالة مهمة للغاية.
ونظراً للوضع الأمني الخاص الذي يعيشه السنوار، فإن مسؤوليته الأساسية ستكون ملقاة على عاتق نائبه الذي سيتم اختياره من خارج قطاع غزة، والذي سيمثل ويقود حركة حماس على المستويين الإقليمي والدولي.
قائد عسكري
أما وكالة الأنباء الإيرانية “مهر” فقد قالت إن يحيى السنوار هو قائد عسكري فلسطيني، انضم إلى كتائب القسام وهي الجناح العسكري لحركة حماس، منذ بداية حركة المقاومة الفلسطينية حماس في غزة، وهو الآن أحد قياداتها.
ونظراً لدوره في العمليات الفدائية، يعتبر السنوار أحد المطلوبين على قائمة الإرهاب.
وُلِدَ يحيى إبراهيم حسن السنوار في 16 سبتمبر/أيلول 1975 في مخيم اللاجئين بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. لجأت عائلته إلى خان يونس بعد هجرتها من مدينتها الأصلية مجدل عسقلان عام 1948.
تلقى تعليمه الابتدائي في المدارس التابعة لوكالة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). تأثر يحيى في سن مبكرة بأخيه الأكبر محمد، القيادي البارز في حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي في غزة. وكان من رواد المساجد ومن أوائل المنضمين لحركة حماس عند تأسيسها في 14 ديسمبر 1987.
أظهر كفاءته منذ بداية انضمامه لحركة حماس وذلك من خلال شخصيته المتميزة وكان أحد نشطاء حماس في مقاومة الاحتلال الصهيوني خلال الانتفاضة الكبرى 1987-1993.
وتقلد يحيى السنوار مناصب تنظيمية، وكان من أوائل المنضمين إلى الجناح العسكري لحركة حماس “كتائب عز الدين القسام”، وفي عام 2005 تولى منصب قائد “لواء خان يونس”.
وأصبح أحد الأعضاء البارزين في “مقر قيادة” كتائب القسام، ومقرباً جداً من قائدها العام “محمد الضيف”، ونائبه “مروان عيسى”، وهؤلاء القادة الثلاثة من أبرز المطلوبين على قائمة الإرهاب.
حياة سرية
عاش يحيى السنوار حياة سرية وغير مستقرة، حتى أن معظم سكان قطاع غزة لم يشاهدوه عن قرب ولا يعرفونه شخصيًا. ويعيش السنوار في الأنفاق تحت الأرض لتجنب الاغتيالات التي يقوم بها النظام الصهيوني، وقد نجا من ستة اغتيالات فاشلة خلال العقدين الماضيين. وبعد ظهوره العلني الأخير بفيديو تم تسجيله عام 2005، اختفى يحيى السنوار مرة أخرى حتى ظهر في برنامج “ما خفي كان أعظم” الذي أُذيع مساء الجمعة 27 مايو 2022، على قناة الجزيرة.
ويعتبر الاحتلال أن يحيى السنوار هو العقل المدبر للعديد من العمليات الفدائية، خاصة ما يسمى بعملية “قنبلة الأنفاق” التي استهدفت المواقع العسكرية للكيان الصهيوني منذ خمس سنوات.
وتردد اسم يحيى السنوار على نطاق واسع في إحدى العمليات التي تم خلالها استهداف موقع عسكري صهيوني شرق رفح. ويُعتقد أنه هو الذي خطط ونفذ اتفاقية تبادل الأسرى الفلسطينيين للإفراج عن نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني من السجون الصهيونية، وفي ظهوره الأخير كشفت قناة الجزيرة عن جهود كتائب القسام لاختطاف وأسر جنود صهاينة.
يجب الإشارة إلى أن النظام الصهيوني اضطر إلى إطلاق سراح ألف أسير فلسطيني مقابل إطلاق سراح الجندي الصهيوني جلعاد شاليط في اتفاقية تبادل الأسرى المعروفة باسم “شاليط”.
مشاورات عميقة
بحسب وكالة الأنباء الإيرانية ميزان، فقد قالت إن انتخاب يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس، وخليفة لإسماعيل هنية بعد مشاورات عميقة وواسعة مع قيادات هذه الحركة يحمل رسائل كثيرة للاحتلال وداعميه.
اسمه الكامل يحيى إبراهيم حسن السنوار، ويُعتبر من أبرز الشخصيات السياسية في هذه الحركة، لأنه شارك في العديد من العمليات العسكرية لهذه الحركة
وهو أحد مؤسسي “مجد”، جهاز الأمن الداخلي التابع لحركة حماس، وتكمن مهمة هذا الجهاز في ملاحقة جواسيس النظام الصهيوني بالتوازي مع الجهاز العسكري المسمى “المجاهدين الفلسطينيين”.
وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية شبكة العالم يرى العديد من المحللين الإسرائيليين أن إطلاق سراح يحيى السنوار كان أكبر خطأ ارتكبه النظام الإسرائيلي. ويُقال إن السنوار يعرف المجتمع الإسرائيلي جيدًا ولهذا السبب يُقال إن هذا الاعتراف يشير إلى نجاح النهج الذي تنتهجه حماس ضد الكيان الصهيوني
السنوار هو أحد الأشخاص الذين يؤمنون بأن إسرائيل لا يمكن هزيمتها إلا إذا تم التعرف على مرتزقتها الذين يحاولون القضاء على الأمة الفلسطينية ومن ثم التخلص منهم. وقد ركز على هذا الهدف منذ بداية انضمامه لحركة حماس، وفي عهد الشيخ أحمد ياسين كان الجهاز الأمني لحركة حماس تحت إدارته، وفي هذه الفترة تم التعرف أيضًا على عدد من جواسيس النظام الإسرائيلي وقتلهم.
اكتسب الجناح العسكري لحركة حماس تحت إدارة السنوار الكثير من القوة لدرجة أنه سيطر على تحركات الكيان الصهيوني وجواسيسه باعتباره منظمة لمكافحة التجسس، حتى أنه تم الكشف عن بعض الأشخاص الذين كانوا نشطين في حماس و كانوا يتجسسون لصالح إسرائيل.
قوة ونفوذ يحيى السنوار هي التي دفعت الإسرائيليين إلى اعتقاله لفترة طويلة جدا مما جعله يقضي 23 عامًا من حياته في السجون الإسرائيلية.
ويشير محللون إسرائيليون إلى أن انتخابه عام 2017 رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس في غزة، يشير إلى أن قوة ونفوذ السنوار داخل حركة حماس ويُعد السنوار شخصية خطيرة بالنسبة لإسرائيل
عزم إسرائيل على اغتيال السنوار
كبار المسؤولين في الاحتلال تحدثوا واتخذوا قرارات بشأن ضرورة اغتيال يحيى السنوار، في حين يحاول يحيى السنوار وحركة حماس من جانبهم تحقيق انتصارات استخباراتية وأمنية ضد الاحتلال.
ويدير السنوار الآن الحرب ضد الجيش الإسرائيلي إلى جانب كبار قادة الحركة في الفرعين العسكري والسياسي لحركة حماس، في حين أن هناك أيضًا تركيزًا أمنيًا يسعى لحماية السنوار لأن اغتياله من قبل إسرائيل سوف يُحدث ردَّة فعل سلبية على المقاومة الفلسطينية وساحات القتال في غزة.
يحيى السنوار والأجهزة الأمنية لحركة حماس، التي كان السنوار أحد مؤسسيها ، لديهم مهمة خطيرة جدًا وهي حماية حياة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة. ويبدو أن كلا من يحيى السنوار وحركة حماس توقعا السيناريو الحالي وهو الهجوم العام لجيش الاحتلال على قطاع غزة ومحاولة اغتيال قادة ومسؤولين كبار في هذه الحركة، فقد قاموا باتخاذ الاستعدادات اللازمة لحماية أنفسهم وهذا يجعل مهمة إسرائيل في اغتيال السنوار أكثر صعوبة
وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إيرنا”، قالت إنه في أول ظهور علني له، قال السنوار لمجموعة من الشباب في غزة: “لقد ولى الوقت الذي ناقشت فيه حماس الاعتراف بإسرائيل، والآن يدور الحديث حول متى سوف ندمر إسرائيل”.
بعد عملية طوفان الأقصى، ذكر اسم السنوار عدة مرات من قبل عدد من كبار المسؤولين في إسرائيل، بما في ذلك وزير الدفاع يوآف غالانت قائلًا “إن سوء فهم شخصية السنوار كان مقدمة لأكبر فشل استخباراتي لإسرائيل”.
وقال كوبي مايكل، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، لشبكة فوكس نيوز: “السنوار كان نشطًا منذ الأيام الأولى لانضمامه إلى حركة حماس”. “
واعتبر “مايكل ميلشتاين”، رئيس جمعية الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، السنوار ممثلًا للجيل الثاني من قيادات حماس، وقال: “إن السنوار لديه شخصية قوية مقارنة بهنية وخالد مشعل (الزعيم السياسي السابق)”. فهو شخصية قوية ولديه القدرة على قيادة الحركة بأكملها. وليس فقط شؤونها في غزة”.
وجاء في بيان حماس: “إن حركة المقاومة الإسلامية حماس تعلن انتخاب يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي للحركة. وإن ما قدمه السنوار خلال فترة انضمامه لحركة حماس وانتخابه في هذا الوقت يحمل رسالة هامة مفادها أن الانتقام لاغتيال الشهيد هنية لن يكون ممكنًا إلا بتدمير إسرائيل”.
السنوار حاليًا على رأس قائمة المطلوبين في إسرائيل. والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعتبر أن السنوار هو الذي خطط ونفذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٣ ولم تنشر حماس بعد تفاصيل كيفية عمل السنوار في المكتب السياسي لهذه المجموعة.