كتب – حسن قاسم
كان الإجراء الذي قامت به إيران لمواجهة أزمة الكهرباء في أول شهور الصيف هو إغلاق المصانع، وفي شهر أغسطس/ آب 2024، قررت الحكومة إغلاق الدوائر الحكومية والبنوك بشكل جزئي، وتقليل عدد ساعات العمل.
وهي إجراءات بالطبع أثارت الجدل، داخل إيران وتسببت في تعطل الوضع الاقتصادي فضلًا عن تذمر المواطنين الذين تعطلت مصالحهم جراء توقف المصالح الحكومية عن العمل بسبب موجة الحرارة غير المسبوقة وما تبعها من إجراءات معقدة.
نرصد أبرز تصريحات المسؤولين حول هذه الأزمة، ومن ثم جذور الأزمة وأثرها على اقتصاد إيران، وجهود الحكومة لمواجهة هذه الأزمة، والسؤال هنا، هل ستتمكن الحكومة الرابعة عشرة من مواجهة هذه الأزمة بإغلاق الدوائر الحكومية والبنوك وتقليل ساعات العمل؟
تخفيض ساعات العمل في إيران بسبب الحر
وفقًا لتقرير نشره موقع “تابناك” الإيراني بتاريخ 5 أغسطس/ آب 2024، فقد أعلن مجلس الإعلام الحكومي في بيان له، عن تخفيض ساعات العمل في مكاتب 15 محافظة، يوم الثلاثاء 6 أغسطس/ آب 2024.
وفقًا لهذا البيان، ستكون ساعات العمل في محافظات أصفهان والبرز وبوشهر وطهران وخراسان الرضوية وخوزستان وبلوشستان وفارس وقم وكرمان وكرمانشاه وكلستان ومازندران ومركزي ويزد من الساعة 6:00 صباحًا حتى 10:00 صباحًا.
كما أعلن مجلس الإعلام الحكومي بحسب ما نشرته وكالة أنباء “الطلبة الإيرانيين إيسنا” بتاريخ 5 أغسطس/ آب 2024، أن أنشطة كافة المراكز والمراكز الحكومية والبنوك في الـ 15 محافظة ستكون من الساعة 6 إلى 10 صباحًا باستثناء مراكز خدمات الإغاثة والطوارئ، نظرًا للارتفاع الحاد في درجة حرارة الجو واستمرار الحرارة، وحفاظًا على صحة المواطنين وإدارة استهلاك الطاقة.
وأوضح المجلس ذاته أن إمكانية العمل عن بعد لا تشكل عائقًا أمام الموظفين غير القادرين على الحضور إلى مكان العمل بسبب الظروف المادية.
وبالاطلاع على تقرير نشره موقع “تين نيوز” الإيراني بتاريخ 6 أغسطس/ آب 2024، فقد أعلن المدير العام لإدارة الأزمة في محافظة “يزد” أنه تم تحديد ساعات عمل الدوائر الحكومية في هذه المحافظة من السبت 3 أغسطس/ آب 2024 إلى الأربعاء 7 أغسطس/ آب 2024، بين الساعة 6:00 صباحًا إلى 12:00 ظهرًا.
وكانت محافظات كرمانشاه وکهکیلویه وبوير أحمد ومركزي تعيش بنفس الظروف التي كانت تواجهها مدينة يزد.
كما أعلن مسؤولون في محافظة أصفهان أن الدوائر الحكومية في هذه المحافظة ستغلق أبوابها يومي الأربعاء والخميس 7 و8 أغسطس/ آب 2024 بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
أزمة الكهرباء في إيران

ليست هذه المرة هي المرة الأولى التي تواجه فيها إيران أزمة الكهرباء، بل إن هذه الأزمة قد انتشرت في يوليو/ تموز 2021 بحسب تقرير نشره موقع العربية. ووفقًا لهذا التقرير فقد أعلنت وزارة الطاقة الإيرانية عن جدولة انقطاع التيار اليومي عن المدن والمحافظات، حتى يتمكن الناس من تكييف ظروفهم المعيشية اليومية عليها؛ مما أثار انتقادات واسعة النطاق واحتجاجات في شوارع إيران.
وكانت حالة الغضب هذه قد جاءت بعد أن واجهت مناطق واسعة في البلاد، منها طهران والبرز وقم والأهواز وبلوشستان وأصفهان وشيراز وتبريز وغيرها، انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ بشكل كامل مطلع يوليو/ تموز 2021.
والجدير بالذكر أن المسؤولين قد ألقوا باللوم في ذلك على زيادة الطلب على الكهرباء إلى جانب نقص الأمطار، مما خفض إنتاجها من مساقط المياه.
ومما سبق يتبين أن جذور أزمة الكهرباء في إيران قديمة وليست ناشئة، ولكن الأمر الغريب هو أنه رغم أن إيران كانت تعاني من أزمة كبيرة في الطاقة بشكل عام بسبب العقوبات الأمريكية – آنذاك – إلا أن إيران قد قامت بإجراء غريب للغاية، حيث قامت إيران بتصدير الكهرباء والغاز إلى العراق في ظل أنها تعاني من الأزمة بحسب تقرير نشره موقع BBC.
ورغم أن إيران نفسها تعاني من أزمة في الكهرباء بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، إلا أن بعض التقديرات أشارت إلى أن العراق كانت تحصل على ثلث حاجتها من إمدادات الكهرباء من إيران.
وكانت قد عانت إيران من أزمات اقتصادية عديدة في ذلك الوقت؛ بسبب تراجع أسعار النفط والعقوبات الأمريكية والغربية عليها، كما أن جائحة كورونا ألقت بظلالها على الاقتصاد الإيراني وبالتالي كانت بحاجة ماسة إلى العملة الصعبة لتمويل مستورداتها الضرورية.
ووفقًا للتقرير نفسه، فقد أشار إلى أن العراق كانت تعتمد على الغاز المستورد من إيران في تشغيل محطات توليد الكهرباء في جنوب البلاد وفي حال توقف إيران عن إمداد العراق بالغاز فإن العجز في الكهرباء في العراق قد يتجاوز نسبة الثلث.
وأشار كذلك إلى أنه في أوقات ذروة الطلب على الكهرباء في العراق في فصل الصيف تسد إيران العجز لدى الجانب العراقي، كما أن العراق كانت تستورد ما بين 1.5 الى 1.8 مليار قدم مكعب من الغاز الإيراني يوميًا بحسب التقرير.
أثرُ أزمة الكهرباء على الاقتصاد الإيراني

وفقًا لتقرير نشرته وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية بتاريخ 5 أغسطس/ آب 2024، فقد أوضح عضو لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان “مهرداد اللاهوتي” أن انقطاع التيار الكهربائي يتسبب في خسارة الصناعات 5 مليارات دولار سنويًا، وقال: “إن الأضرار الناجمة عن الانقطاع المتكرر للكهرباء عن الصناعات أصبحت إحدى القضايا الأساسية لأصحاب الوحدات الصناعية. لذلك، ينبغي إضافة 30 ألف ميجاوات إلى الرقم الحالي البالغ 93 ألف ميجاوات، في رؤية إيران لـ 5 أعوام.”
وأكد مهرداد اللاهوتي أن إيران تعاني من عجز في قطاع الغاز – وخاصة في موسم البرد – يُقدر بـ 300 مليون متر مكعب، ويشدد على ضرورة وضع هذا في اعتبار الحكومة الرابعة عشرة والبرلمان الثاني، واتخاذ الإجراءات الأساسية في هذا الصدد.
وأعلن عضو لجنة التخطيط والميزانية أن هناك عجزًا في قطاع البنزين يُقدر بـ 10 ملايين لتر، ويبلغ متوسط استهلاك البنزين في دول العالم من 4 إلى 6 لترات، في حين يتراوح متوسط استهلاك البنزين في إيران بين 6 و8 لترات؛ وذلك بسبب تجول السيارات ذات معيار Euro 2 في مدن إيران.
وأكد اللاهوتي أن إيران سوف تعاني من تحديات صعبة في المستقبل القريب إذا لم يتم إدارة الأزمة بالشكل المطلوب وتوفير هذا العجز من البنزين.
جهود الحكومة الإيرانية لمواجهة الأزمة
وفقًا لتقرير نشرته وكالة أنباء “إرنا” الإيرانية بتاريخ 29 مايو/ أيار 2024 في هذا الصدد، فقد أشارت إلى أنه تم إدراج إجراءات أساسية في جدول الأعمال لتعويض عجز الكهرباء والطاقة فور تشكيل الحكومة الثالثة عشرة. كان أول هذه الإجراءات، تطوير قدرة محطات توليد الطاقة من خلال بناء محطات الطاقة الحرارية، ورفع مستوى الإنتاجية وزيادة قدرة محطات الطاقة القائمة، وإنشاء البنية التحتية للطاقات المتجددة (الشمسية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية، وغيرها) وأخرى في قطاع الاستهلاك، وذلك من خلال إسناد إدارة الاستهلاك إلى الأشخاص ذوي نظام علاوة الادخار وتخصيص أكبر قدر من الكهرباء للقطاعات الإنتاجية، مما أدى لأول مرة في تاريخ البلاد إلى خفض استهلاك الكهرباء في القطاع المنزلي وفي نفس الوقت زيادة الكهرباء الصناعية في نفس الفترة.
كان الاهتمام بتطوير البنية التحتية للطاقة في مختلف أنحاء إيران أحد أهم المحاور التي أكد عليها الرئيس السابق إبراهيم رئيسي. كما أن مد السكك الحديدية لتزويد إيران بـ 30 ألف ميجاوات من الطاقة المتجددة قد بشّرَ إيران بمستقبل مشرق في قضية أزمة الكهرباء. وقد أولت الحكومة الثالثة عشرة مسألة تطوير الطاقات المتجددة جل اهتمامها منذ اليوم الأول من تشكيلها، وبذلت قصارى جهدها في هذا الاتجاه حتى أنه في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، تم توفير فرصة لمنتجي الكهرباء من المصادر المتجددة لتصدير الكهرباء المنتج وبهذا الإجراء أصبحت إيران قطب الطاقة في المنطقة بحسب ما ذكر التقرير.
كما أن تحقيق العدالة المركزية في استهلاك الكهرباء والطاقة باستخدام نظام التعرفة التصاعدية والتكلفة الحقيقية للمستهلكين المرتفعين والحوافز والتخفيضات للمستهلكين المنخفضين في القطاع المنزلي هي إجراءات أخرى تم تنفيذها بالاعتماد على تعاون الشعب ومساعدته، فضلًا عن أن الاهتمام بالطاقة الداخلية والتأكيد على التوطين والاكتفاء الذاتي لتقنيات محطات توليد الكهرباء، أدى إلى توريد أكثر من 200 ألف قطعة من صناعات المحطات بمساعدة الشركات المعرفية. وبهذه الإجراءات تم حل أزمة الكهرباء في إيران إلى حد ما.
والسؤال: هل ستتغلب إيران على أزمة الكهرباء؟
وفقًا لتقرير نشره موقع “بهار News” الإيراني بتاريخ 28 يوليو/ تموز 2024، فقد رد مهدي المسلمي على هذا السؤال قائلًا: “ليس هناك أكثر من حلين لتجاوز هذه الأزمة، إما إنفاق ثمانية مليارات دولار على التحسين، أو إنفاق 25 مليار دولار لبناء المحطات وخطوط وأعمدة وغيرها. ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن بناء المحطة يستغرق حوالي خمس سنوات، وثلاث سنوات لمحطة كهرباء ثانوية، وحوالي عامين لخط النقل”.
وأضاف: “من ناحية أخرى، فإن مشروع مثل مشروع شركة توزيع الأعمدة الكهربائية يستغرق حوالي عام، لذلك لا يمكننا أن نتوقع أن يتحسن وضع الكهرباء في البلاد في وقت أقرب من خمس سنوات.”