ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “هم ميهن” الأربعاء 12 مارس/آذار 2025 افتتاحيتها تحت عنوان “من الذين نفّذوا عملية الاغتيال؟” حول الازدواجية في المعايير بين تصريحات محسن رفيق دوست الأخيرة وبين تصريحات لآخرين حول اغتيال الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
استهلت الصحيفة بالقول أن هذه الافتتاحية لا تتعلق بالتصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها محسن رفيق دوست، رغم أن كلماته ألقت بظلال ثقيلة على النظام الحالي، في حين تتعامل الجهات الرقابية معه ومع أمثاله بتساهل لافت. قد يقال إنه تم استدعاؤه، أو صدر بيان باسمه، أو حتى وُجّه له تحذير في الخفاء، لكن هذا لا يكفي ولا يغيّر من الواقع شيئا.
وأضافت أن المسألة الجوهرية ليست في ما قيل، بل في إحساس الناس بغياب العدالة واستمرار التمييز، وهو إحساس يتضاءل يوما بعد يوم. فعندما يتعلق الأمر بالبعض، تُعلن التهم علنا عبر وسائل الإعلام لأبسط المخالفات، لكن حين يكون المتهم شخصية نافذة، يتم التغاضي حتى عن التصريحات التي قد تُفسَّر على أنها (تهديد للأمن القومي ) على الأقل من وجهة نظرنا.
وتابعت أنه لذلك، المشكلة ليست مجرد تصريحات خاطئة، بل في الكيل بمكيالين في التعامل معها. الهدف من هذه الافتتاحية ليس الدخول في تفاصيل تلك التصريحات، بل الرد على العنوان الذي نشره المتحدث باسم التيار المتشدد ضد مقال رأي نُشر يوم الاثنين 10 مارس/آذار 2025 في صحيفة “هم میهن”، حيث اعتبروا مجرد نقد بسيط “اغتيالا لشخصية رئيسي”، بينما يتم التغاضي عن تصريحات أشد خطرا دون أي مساءلة.
وأردفت متسائلة: من الذي اغتال شخصية رئيسي فعلا، وما زال مستمرا في ذلك؟
ذكرت الصحيفة: “الحقيقة أننا في افتتاحيتنا لم ننقل سوى تصريحات المرشد الأعلى، ولو أن هذا التصريح وُجّه ضد أي شخص آخر غير الحكومة السابقة، لكان المتشددون قد استغلوه كأداة سياسية، وأحدثوا منه ضجة كبرى”.
وأضافت أن اللافت أن المتحدث باسم التيار المتشدد لم يستطع تفنيد ما طرحته صحيفة “هم میهن”، فلجأ بدلا من ذلك إلى الاستشهاد بتصريحات أخرى للمرشد الأعلى تمدح رئيسي، متجاهلا أن ما كنا نحلله هو تلك الجملة التي تؤكد أن رئيسي قدّم تقاريره إلى المرشد الأعلى، في حين أن هذه التقارير كانت جوفاء ومضللة. نحن لا نستطيع، كما يفعل المتشددون، إنكار حقيقة كنا نعلمها منذ البداية.
وتابعت متسائلة: لكن السؤال الأهم هو من المسؤول الحقيقي عن تشويه صورة رئيسي؟
وأوضحت أنه في المقام الأول، المسؤولية تقع على عاتق المقربين من رئيسي، الذين كانوا، في أفضل الأحوال، يفتقرون إلى الكفاءة المهنية والخبرة، وفي أسوأ الأحوال، قدموا تقارير مضللة عن قصد، مما أدى إلى تشويه سمعته أمام المرشد الأعلى.
وأضافت أنه من المهم التذكير بأن الرؤساء ليسوا مطالبين بأن يكونوا خبراء في كل المجالات، لكن بفضل تعليمهم، وخبراتهم، وذكائهم السياسي، يمكنهم تمييز أوجه القصور في التقارير المتخصصة. ومع ذلك، فإن العامل الأكثر حسما هو امتلاك فريق من المستشارين والمسؤولين الأكفاء، الذين يتمتعون بالنزاهة والإخلاص في خدمة الرئيس والشعب.
واستطردت موضحة أنه بحكم مؤهلات رئيسي الأكاديمية ومسيرته المهنية، لم يكن لديه ارتباط وثيق بإدارة الشؤون التنفيذية، وبالتالي لم يكن متوقعا منه إلمام كامل بتفاصيل العمل الحكومي. لكن المسؤولية الكبرى تقع على مستشاريه ومعاونيه، الذين اغتالوا شخصيته سياسيا من خلال التقارير المضللة التي قدموها له.
وأشارت إلى أن هذا الأمر كان واضحا منذ البداية، وأبرز دليل على ذلك هو وعوده الانتخابية الثلاثة، التي كان الجميع يدرك استحالة تحقيقها:
- التضخم لم ينخفض إلى النصف، بل ارتفع أكثر.
- مشروع الإسكان لم يتحقق منه سوى نسبة ضئيلة، لا تتجاوز 1%.
- الوعد بتوفير مليون وظيفة سنويًا ظل بعيدًا عن الواقع.
وتابعت بأن رئيسي لم يكن على دراية بإمكانية تحقيق هذه الوعود من عدمها، لكن الذين صاغوا برنامجه الانتخابي زجّوا به في متاهة وعود غير واقعية، مما أدى إلى اغتيال شخصيته السياسية مبكرا. فأي خبير اقتصادي، ولو بحد أدنى من المعرفة، كان يدرك أن هذه الأهداف غير قابلة للتحقيق في الظروف الحالية.
وذكرت أن الاغتيال السياسي لرئيسي لم يقتصر على مستشاريه فقط، بل لعب بعض وزرائه دورا رئيسيا في تقويض صورته على النحو التالي:
- أحد الوزراء أصرّ على إزالة العراقيل أمام صفقة فساد بقيمة 3.7 مليار دولار، واليوم يدافع عنه المتشددون بشراسة.
- وزير آخر تورط في فضيحة فساد ضخمة في قطاع الأعلاف الحيوانية، ما أدى إلى أزمة حادة في المواد البروتينية.
وأوضحت أنه بالتالي، فإن اغتيال شخصية رئيسي لم يأتِ من خصومه، بل من داخل دائرته المقربة، ممن قدّموا له وعودًا زائفة وسياسات فاشلة أضعفت مصداقيته.
وتابعت بأن الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يحيطون برئيسي خلال حياته يحاولون اليوم الاحتماء باسمه، ليس دفاعا عنه، بل لحماية أنفسهم من النقد والمساءلة. ولهذا السبب، يصفون أي انتقاد، مهما كان بسيطًا، لحكومته بأنه “اغتيال لشخصيته”.
وأوضحت أن الحقيقة هي أننا وجهنا انتقاداتنا لحكومته علنا عندما كان على قيد الحياة، وكانت كلها موثقة ومتاحة. ومع ذلك، فإننا الآن، وبدافع الاحترام فقط، نمارس قدرًا من الحذر في نقده بعد وفاته.
وأفادت بأن ما يفعله المتشددون اليوم ليس دفاعا عن رئيسي، بل محاولة للتستر على تقارير حكومته المضللة وإنكار إخفاقاتها. إنه امتداد لسلوكهم الانتهازي المعتاد، حيث يقومون بتضخيم كل ما يخدم مصالحهم، بينما يدّعون أنهم يتبعون توجيهات القيادة.
واختتمت بالقول أنه حتى بعد وفاته، هذا النوع من “الدفاع” لا يخدم إرث رئيسي، بل يسيء إليه أكثر. وإذا كانت عائلته تشعر بالمسؤولية تجاه إرثه السياسي، فمن الأفضل لها أن تتصدى لهذا الاستغلال السياسي لاسمه وسمعته.