ترجمة: شروق السيد
شهدت الساحة السياسية الإيرانية جدلا حادا بعد مشاركة وزير الخارجية عباس عراقجي، برفقة زوجته، في فعالية خيريّة نظّمتها وزارة الخارجية.
كتبت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية، يوم الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني 2025: أثار حضور عباس عراقجي مع زوجته حفلا خيريا للسيدات في وزارة الخارجية الجدل، وذلك على الرغم من أن مثل هذه المناسبات التي تُنظم في الوزارة غالبا ما كانت تشهد مشاركة زوجات الدبلوماسيين في بعض الأنشطة، كما أن السوق الدبلوماسي في وزارة الخارجية يُعتبر إحدى الفعاليات السنوية التي تُقام بحضور الدبلوماسيين وأفراد عائلاتهم في هذه الوزارة.
وتابعت الصحيفة: ورغم أن حضور الدبلوماسيين برفقة أسرهم ليس أمرا غريبا، فإن حضور وزير الخارجية هذه المرة برفقة زوجته تعرّض لهجوم من بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، هجوم لم يُحقق هدفه ولكنه أبرز حالة من غياب الأخلاق في المشهد السياسي، وهي ظاهرة لا يخرج منها أحد رابحا.
وأضافت: سرعان ما لاقت هذه الشائعات ترحيبا من الحسابات التابعة للمنظمة المعروفة باسم “مجاهدي خلق”. ويمكن تفسير هذا التصرف من جانبين: الأول هو المنافسة السياسية، حيث أصبح استهداف الخصوم بأي ثمن هدفا يجعل البعض غير مدرك للأضرار التي قد تُلحق بالأمن القومي الإيراني، والثاني هو أن هذه التصرفات قد تكون جزءا من خطة مدروسة لتشويه صورة وزير الخارجية الإيراني واستكمال مشروع إضعاف إيران.
وبحسب الصحيفة، فبغض النظر عن صحة أي من الفرضيتين أو كليهما، فإن النتيجة الوحيدة لهذه التحركات هي اللعب في ميدان إضعاف الجهاز الدبلوماسي الإيراني وسط الأزمات الإقليمية.
الحسابات التي نشرت الشائعات
وتابعت الصحيفة: الصور التي نُشرت عن حضور عباس عراقجي مع زوجته في السوق الخيري الدبلوماسي للسيدات بوزارة الخارجية الإيرانية، كانت الشرارة التي أطلقت الجدل حول الحياة الشخصية لوزير الخارجية.
وسرعان ما بادرت بعض الحسابات بنشر صورٍ نسبتها إلى زوجة عباس عراقجي، وقدمت القضية على شكل كرة ثلج متدحرجة، حيث جرى تضخيمها بشكل كبير أمام المتابعين.
وأضافت الصحيفة: أظهرت التحقيقات أن أول حساب نشر هذه الصور في تغريدة كان تابعا لإحدى المؤسسات التي يديرها إحدى المتحدثين المشهورين، وما يثير الاهتمام هو أن هذا المنشور أعيد نشره من قبل حساب مرتبط بمنظمة “مجاهدي خلق”.
وصلت الشائعات والادعاءات الكاذبة حول الحياة الشخصية لوزير الخارجية إلى حد دفع محمدحسين رنجبران، مستشار وزارة الخارجية، للرد عليها، وفي منشور على منصة “إكس”، كتب رنجبران: “آرزو أحمدوند هي الزوجة الثانية لوزير الخارجية، وقد تم هذا الزواج منذ أكثر من ست سنوات، وثمرته طفلة تبلغ ثلاث سنوات ونصف”.
كما أضاف رنجبران بخصوص الادعاءات المنتشرة عن زوجة وزير الخارجية: “لا يمتلك أي فرد من أفراد عائلة وزير الخارجية حسابا على مواقع التواصل الاجتماعي، السيدة أحمدوند ربة منزل ولا تعمل في أي جهة، نشر الصور والصفحات المزيفة أو تلك التي تحمل أسماء مشابهة، عمل غير أخلاقي وغير قانوني”.
وذكرت الصحيفة: هذا النوع من السلوكيات أو الإساءة السياسية في المشهد السياسي الإيراني ليس أمرا شائعا، إذ يرفضه الرأي العام ويعتبره عملا منافيا للأخلاق، ومع ذلك، شهدت السنوات الماضية أمثلة على هذه “شبه الفضائح” التي استُخدمت بهدف الاغتيال السياسي والتشويه لتصفية الحسابات بين التيارات السياسية المعارضة، من بين هذه الأمثلة، نشر صور خاصة لوزير الطرق في حكومة إبراهيم رئيسي.
وأضافت: كما أن شائعات مماثلة طالت الحياة الشخصية لأحد المرشحين خلال الانتخابات المبكرة، بهدف وحيد وهو إلحاق الضرر بالمنافس السياسي وتشويه سمعته، دون أن تتعدى القضية إطار الصراعات بين التيارات السياسية.
وما حدث من نشر شائعات حول الحياة الشخصية لوزير الخارجية الإيراني يقع ضمن هذا السياق، لكن الفارق هنا هو أن وزير الخارجية أصبح هدفا للتشويه والاتهامات في وقت يتطلب فيه وضع إيران الإقليمي والدولي أكثر من أي وقت مضى، معالجة أي خلافات مهما كانت صغيرة، ودون أن تصل حتى إلى وسائل الإعلام، فضلا عن اختلاق شائعات وادعاءات غير حقيقية، فالحد الأدنى من هذه الادعاءات قد يكون كافيا لفتح الباب أمام الفوضى وزعزعة استقرار المجتمع نفسيا.
أوضاع المنطقة
وواصلت الصحيفة: الشرق الأوسط يمر بأيام عصيبة ولا يمكن تجاهل تحوّلاتها، فالوضع في سوريا لا يزال غير مستقر، والاحتلال الإسرائيلي يواصل تقدمه على الأراضي السورية، وبعد أقل من أسبوعين، سيدخل ترامب البيت الأبيض ومعه فريق وزاري يحمل توجهات معادية لإيران، ما يتطلب من إيران أن تتصرف بذكاء وحذر وقوة.
وأردفت: من جهة أخرى، ومع اقتراب نهاية العام الأخير من الاتفاق النووي، لوّحت الترويكا بتهديد تفعيل آلية “سناب باك”، وهو احتمال لا يبدو مستبعدا بحسب المحللين، وفي الوقت نفسه، المفاوضات مع الجانب الأوروبي دخلت مرحلتها الثانية.
وعلى صعيد آخر، وفقا لما نشرته وسائل إعلام بريطانية نقلا عن مصادر مطلعة، هناك تهديدات محتملة بشن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، ورغم أن هذه التهديدات ليست جديدة، فإن تضخيمها إعلاميا يشير إلى محاولة للضغط على إيران ودفعها نحو طاولة المفاوضات للحصول على تنازلات.
وأضافت الصحيفة: في هذا السياق، فإن وجود جهاز دبلوماسي قوي وسياسة خارجية فعالة يمكن أن يكون عاملا حاسما في مواجهة هذه الأزمات، وقد أثبتت وزارة الخارجية بقيادة عباس عراقجي قدرتها على تحقيق إنجازات دبلوماسية في أزمات إقليمية سابقة، مثل أحداث لبنان وغزة والاستفزازات الاسرائيلية، حيث أظهرت قوة دبلوماسية ركزت على السلام.
وتابعت: إن استهداف وزير الخارجية ومحاولة تشويه سمعته من خلال التركيز على حياته الشخصية لن يؤديا إلا إلى إضعاف الموقف الإيراني، والسؤال هنا: ما الجدوى من هذه المحاولات؟ وما الرسالة التي يمكن فهمها من هذا السلوك التخريبي؟
تصفية الحسابات
كتبت الصحيفة: يبدو أن تصفية الحسابات الانتخابية بالنسبة لبعض التيارات السياسية المعارضة للحكومة أصبحت ذات أهمية تفوق أي اعتبار، حتى لو تطلّب الأمر اللجوء إلى تصرفات غير أخلاقية للإضرار بالحكومة.
وأضافت: عندما يكون أساس مواجهة الخصم قائما على الإهانة والتشويه والاتهامات، فإن قاعدة الدعم لهذا التيار تتصرف على النهج نفسه، دون أي اعتبار للمعطيات أو المصلحة الوطنية.
وتابعت الصحيفة: رغم أن محاولة التشويه الأخيرة جاءت بنتائج عكسية، ولم تحقق فضاءات الأكاذيب غايتها، حيث رفضها الرأي العام وأجبر المروجين لها على التراجع، فإنه لا يمكن إنكار أن التيار الذي شرع في حملة التشويه هو في أدنى درجات الفهم السياسي.
وأضافت: إن استهداف وزير الخارجية، الذي يقف في الصف الأول لمواجهة الأزمات الإقليمية، ونشر معلومات كاذبة عن حياته الشخصية، يكشف عن غياب كامل للوعي بالسياسة ودقتها، هذا النهج يعكس رؤية ضيقة لا تتجاوز خطوة واحدة إلى الأمام، دون إدراك أن عواقب هذه التصرفات الطائشة قد تكون أشد خطورة من استمرار نزاع داخلي.
وتابعت الصحيفة: هذا النوع من السلوكيات وتصفية الحسابات السياسية دون الالتزام بالمبادئ الأخلاقية لا يقتصر على تيار سياسي واحد.
وواصلت: السير في طريق تشويه الخصوم يؤدي في النهاية إلى الإضرار بالتيار السياسي نفسه أكثر مما يحقق أهدافه، حيث يلوث المشهد السياسي في المجتمع، وينفر الرأي العام من هذه الصراعات، ما يؤدي إلى انحدار المشهد السياسي نحو الابتذال.
واختتمت الصحيفة قائلة: الأفضل للمروجين لمثل هذه المشاريع، ولو للحفاظ على سمعتهم السياسية، أن يمتنعوا عن المشاركة في لعبة التدمير الاخلاقي للشخصيات السياسية.