كتب: محمد بركات
في خضم النقاشات المحتدمة حول قضايا الفساد في إيران، أثارت الأحكام الصادرة ضد إثنين من وزراء حكومة إبراهيم رئيسي جدلا واسعا بين الأوساط السياسية والإعلامية، فبينما تؤكد السلطة القضائية أن الإجراءات تمت وفق القانون، يشكك المنتقدون في دوافع التركيز الإعلامي على بعض الشخصيات دون غيرها. ومع تصاعد الجدل، انقسمت المواقف بين من يرى أن الأحكام مؤشر على التزام القضاء بمكافحة الفساد، وبين من يعتبرها محاولة لتصفية حسابات سياسية.
بدأت القصة عندما أصدرت محكمة الجرائم الاقتصادية بطهران في 3 مارس/ آذار2025 أحكاما بحق 44 متهما من بين 61 متهما رئيسيا في قضية فساد شاي دبش، ومن بينهم وزيرا الزراعة والصناعة السابقان في حكومة إبراهيم رئيسي، سيد جواد ساداتي نجاد وسيد رضا فاطمي أمين، والذين أُدينا بتهمة المساعدة في الإخلال بالنظام الاقتصادي، ولكن المحكمة قررت تخفيف العقوبات بسبب ما أرجعته إلى ضلعهما بشكل غير مباشر، حيث حُكم على ساداتي نجاد بالسجن لمدة عامين وفاطمي أمين بالسجن لمدة عام واحد.
أين العدالة؟
بعدها نشرت صحيفة هم ميهن تقريرا في 5 مارس/ آذار تحت عنوان أين العدالة، ذكرت فيه ” أصدرت السلطة القضائية أحكاما بالسجن بحق وزيرا الجهاد الصناعي والزراعة في حكومة إبراهيم رئيسي، وذلك بتهمة المشاركة في الإخلال بالنظام الاقتصادي على نطاق واسع، ورغم أن المحكمة قضت بسجنهما خمس سنوات، إلا أن الأحكام خُففت إلى عامين لساداتي نجاد وعام واحد لفاطمي أمين، مما أثار انتقادات واسعة بشأن نزاهة القضاء ومدى التزامه بمكافحة الفساد دون انتقائية”.
ويكمل التقرير” فقد واجهت الأحكام ردود فعل غاضبة، حيث اعتبر البعض صمت حكومة رئيسي ومؤيديها عن هذه القضية تناقضا مع الشعارات التي رفعوها سابقا حول مكافحة الفساد، كما تساءل المنتقدون عن كيفية انهيار هذه الشعارات ولماذا لم يصدر تعليق واضح من المسؤولين الذين دافعوا سابقا عن الوزيرين. إضافة إلى ذلك، أثار الحكم تساؤلات حول شفافية المحاكمة، حيث لم توضح السلطة القضائية تفاصيل دقيقة عن دور الوزيرين في القضية، ولم تبيّن ما إذا كان تورطهما متعمدا أو نتيجة إهمال إداري، وما إذا كانا قد حصلا على مكاسب شخصية. كما تساءل البعض عن سبب عدم علم باقي أعضاء الحكومة، أو حتى رئيسي نفسه، بهذه المخالفات، في حال كانت بهذه الخطورة”.
واختتم التقرير” وسط هذه الانتقادات، دعا الكثيرون السلطة القضائية إلى تقديم توضيحات حول القضية، محذرين من أن الغموض قد يؤدي إلى التشكيك في نزاهة القضاء وتسيس القضية”.
إجئي يوضح
بعدها، وفي 10 مارس/ آذار، صرح رئيس السلطة القضائية الإيرانية، محسني إجئي، خلال اجتماع المجلس الأعلى للقضاء، وتعليقا على القضية، أن معالجة قضية فساد شاي دبش تمت وفق الإجراءات القانونية دون تدخل من أي جهات سياسية، مشيرا إلى أن بعض الأطراف تحاول تصوير القضية على أنها تمت بسرعة غير اعتيادية، في حين أن القضية استغرقت عامين كاملين من التحقيق قبل صدور الأحكام، مما ينفي ادعاءات الاستعجال في البت فيها.
كما رفض إجئي الادعاءات بأن الأحكام كانت بسبب الإهمال فقط، موضحا أن الأفعال المرتكبة تحمل صفة جريمة بشكل واضح، ولا يمكن تصنيفها على أنها مجرد تقصير إداري.
كما لفت الانتباه إلى أن بعض المتهمين حصلوا على تخفيف للعقوبة نظرا للخدمات التي قدموها خلال توليهم مناصبهم، مشيرا إلى أن الحكم الأساسي لجريمة المشاركة في الإخلال بالنظام الاقتصادي هو السجن لمدة خمس سنوات.
توجيه الانتقاد لرئيس السلطة القضائية
هذا ولم تغلق تصريحات إيجي ملف القضية، بل أشعلته أكثر، حيث انتقد موقع رجا نيوز الأصولي تناول السلطة الفضائية للقرار، حيث كتب في تقريره المنشور في 11 مارس/ شباط “أوضح رئيس السلطة القضائية في تصريحاته اليوم موقفه من الانتقادات الموجهة للأحكام الصادرة في قضية فساد شاي دبش، غير أن مداخلته استمرت تسع دقائق دون الإشارة إلى المتهم الرئيسي في القضية، وهو ما أثار تعجب المراقبين، حيث ظل التركيز منصبا على الوزيرين المدانين من حكومة رئيسي”.
ويكمل” فقد أشار إجئي إلى أن رئيسي ونائبه، محمد مخبر، كانا قد تدخلا بجدية في القضية، إلا أن المعلقين انتقدوا هذا التوضيح باعتباره غير دقيق، مشيرين إلى أن رئيسي نفسه كان يرى أن المتهمين الحقيقيين ليسوا الوزيرين، وفقا لما نقله مهدي مجاهد، مساعد مكتب المتابعة الخاصة في رئاسة الجمهورية، وعلي بهادري جهرمي، المتحدث باسم الحكومة السابقة، حيث أكد مجاهد أن رئيسي لم يعتبر الوزيرين مذنبين، بل توصل بعد مراجعة الأجهزة الأمنية والمخابراتية إلى أنهما لم يرتكبا جريمة ولم يكن حتى التقصير الإداري كافيًا لإدانتهم، لكنه فضل عدم الإعلان عن موقفه حتى لا يُفهم الأمر على أنه خلاف بين السلطات”.
ويتابع” من جهته، صرح جهرمي بأن رئيسي كان يركز على مكافحة الفساد في هذه القضية لكنه كان مقتنعا بأن الوزيرين تم اتهامهما خطأً في الرأي العام، وكان يرى أنه من الضروري الدفاع عنهما أمام القضاء في إطار القانون. هذه التصريحات عززت الاتهامات بأن السلطة القضائية لم تسلط الضوء على المتهم الرئيسي في القضية، بل ركزت على الوزيرين السابقين، مما فتح الباب أمام تكهنات بوجود حسابات سياسية وراء ذلك”.
وقد دلل الموقع على ذلك بقوله ” إن تحليل المحتوى الإعلامي للسلطة القضائية قد أظهر اختلالا واضحا في التغطية، حيث تم ذكر فاطمي أمين في 11 تغريدة، وساداتي نجاد في 5 تغريدات، بينما لم يتم الإشارة إلى المتهمين الثاني والثالث أو حتى المتهم الرئيسي سوى بعبارات عامة دون ذكر اسمه أو نشر صوره. ومن بين 47 تغريدة تناولت القضية، كان التركيز شبه الكامل على الوزيرين السابقين، مما أدى إلى اتهامات بأن الإعلام الرسمي تبنى نهجا انتقائيا يخدم أهدافًا سياسية معينة”.
استمرار الدفاع عن رئيسي وحكومته
هذا، ولم يقف نهج الدفاع عن حكومة رئيسي، فقد نشرت صحيفة خراسان الأصولية 12 مارس/ آذار تقريرا عن أهم إنجازات الحكومة الماضية، فكتبت” اعتمدت الحكومة الثالثة عشرة في إيران نهجا إصلاحيا واسعا في مجالات الاقتصاد، الأمن، التعليم، الصحة، والثقافة، محققة إنجازات بارزة رغم التحديات. ففي الدفاع والأمن، شهدت إيران قفزة في الصناعات العسكرية وزادت صادراتها الدفاعية ثلاثة أضعاف، كما أحبطت وزارة الاستخبارات عمليات إرهابية وعززت أمن الحدود”.
وتتابع ” ففي الاقتصاد، تم العمل على مكافحة التهرب الضريبي بزيادة عدد دافعي الضرائب إلى 12.5 مليون شخص، وارتفعت الصادرات الصناعية 115%، وأعيد تشغيل 4600 مصنع، أما في الإسكان، فيجري بناء 2.6مليون وحدة سكنية، مع تعبيد 7400 كيلومتر من الطرق، وفي التعليم، تم إنهاء أزمة نقص المعلمين بتوظيف 105 آلاف معلم، كما زادت رواتبهم 26%، وفي الصحة، فقد أضيف 17 ألف سرير مستشفى، وزادت أجهزة غسيل الكلى أربعة أضعاف”.
وتكمل” ودوليا، عززت الحكومة علاقاتها الإقليمية، وكان انضمامها إلى مجموعة بريكس إنجازا بارزا، وعلى المستوى الثقافي، ارتفعت الميزانية 20 ضعفا، وفي الاتصالات، وصلت الألياف البصرية إلى 600 مدينة، وهذا يبرهن أنه رغم التحديات، نجحت الحكومة السابقة في تحقيق تحولات اقتصادية وأمنية كبرى، لكن حملات سياسية تحاول تقليل أهمية هذه الإنجازات”.
كذلك، نشرت صحيفة فرهيختجان الأصولية 13 مارس/ آذار تقريرا تبرز فيه رأس المرشد في رئيسي وحكومته، حيث كتبت” خلال لقاءه الأخير، أكد المرشد الأعلى، علي خامنئي، دعمه لأفكار رئيسي، مشيرا إلى أن التقارير المحرفة عن سياساته كانت محاولة للالتفاف على إصلاحاته الاقتصادية. ومع ذلك، استغلت بعض الجهات السياسية والإعلامية تصريحاته لتوجيه هجوم سياسي على رئيسي، متجاهلة إشادته بمساعيه في إصلاح الاقتصاد، ولا سيما مقترحاته بشأن إعادة عائدات الصادرات إلى النظام المالي”.
وتتابع” كذلك، فقد أشار المرشد إلى أن بعض الشركات الحكومية لم تلتزم بسياسات رئيسي، واكتفت بتقديم تقارير صورية بدلا من تنفيذ مشاريع وطنية، وهو ما وصفه بـالمهمل والباطل، ورغم ذلك، تم تحريف هذه الانتقادات لتُستخدم ضد رئيسي نفسه، وهو ما اعتبره المرشد جحودا لجهوده الإصلاحية”.
وتشير” كما استذكر المرشد تشبيه رئيسي بأمير كبير، في إشارة إلى إنجازاته في التنمية والبنية التحتية، مؤكدا أن الحكومة الثالثة عشرة حققت إنجازات كبيرة في مجالات الاقتصاد، الاستثمار، وتقليل التضخم، لكنها تعرضت لهجوم ظالم ومغرض. ودعا الإعلام إلى مراجعة تصريحاته دون تحريف، محذرا من أن التنافس السياسي لا ينبغي أن يكون على حساب الحقيقة والإنصاف”.