كتب: زينب بيه
تتناول قضية منزل آية الله طالقاني في طهران، عضو مجلس خبراء القيادة السابق، الذي تحول إلى مكتبة، المخاطر التي تهدد الإرث الثقافي والتحديات المحيطة بالمباني التاريخية. جاء ذلك بالتزامن مع تغريدة الباحث الإيراني رسول جعفريان، التي أثارت القلق حول دخول كتب المكتبة إلى سوق الكتب المستعملة. وعلى الرغم من تخصيص ميزانيات لترميمها، فإن المشروع يعاني من تعثرات مستمرة، وتشير التقارير إلى وجود علامات إهمال واضحة في المكتبة، مثل تحطيم زجاج النوافذ، مما يستدعي إعادة النظر في حالة العديد من المنازل التاريخية الأخرى، وفقا لتقرير موقع صحيفة “هم ميهن” بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
كما أن العديد من المنازل التاريخية في طهران تواجه مصيرا مشابها لمكتبة طالقاني، إذ لم تشهد أي تغيير في حالتها رغم انتقال ملكيتها إلى البلدية، ومع ذلك، أكد أعضاء مجلس مدينة طهران أنه تم تخصيص ميزانية لتجديدها وترميمها.
إرث ثقافي مهدد: تحديات مكتبة آية الله طالقاني
أشار الباحث الإيراني في التاريخ الإسلامي، رسول جعفريان، في تغريدة له على منصة (X)، إلى أنه رصد العديد من كتب مكتبة طالقاني في سوق الكتب المستعملة، مما أثار القلق بشأن حالة هذا المنزل التاريخي الذي أغلق لفترة طويلة، حيث تم بدء عملية تحويل مكتبة طالقاني إلى متحف منذ حوالي 5 سنوات، وقام مجلس مدينة طهران بتنبيه البلدية بأهمية هذا التحول، مما أسفر عن تخصيص ميزانية لترميمه وإحيائه ضمن ميزانية البلدية لعاميّ 2021 و2022.
تاريخ المكتبة وتحويلها إلى متحف
وأفاد التقرير بأنه بعد وفاة محمود طالقاني، تم نقل الكتب والوثائق الخاصة بمكتبه إلى منزل في منطقة أمجدية، وفي أواخر التسعينيات، قام أبناء محمود طالقاني بتسليم هذا المنزل الذي يبلغ من العمر 70 عاما إلى بلدية طهران مقابل مبلغ مالي، بشرط استخدامه كمكتبة ومتحف، ومنذ ذلك الحين، أصبح المنزل مملوكا للبلدية لمدة 30 عاما. وفي السنوات الأخيرة، تم إبلاغ أسرة طالقاني بأنه سيتم تحويل هذا المبنى إلى مَتحف بعد سلسلة من المتابعات التي تمت على مدار السنوات الماضية.
الميزانيات والتعثرات في الترميم
وعلى الرغم من القرارات التي اتخذها مجلس مدينة طهران بشأن تخصيص ميزانيات ترميم وإحياء منزل طالقاني، فإن المشروع يواجه تعثرات مستمرة، وفي عام 2021، خُصصت ميزانية مبدئية تقدر بـ900 مليون تومان/17 ألف دولار، وتمت زيادتها إلى 2 مليار و600 مليون تومان/50 ألف دولار في عام 2022. وكان الهدف من هذه الميزانيات هو إعادة بناء المنزل على ثلاث مراحل تشمل الترميم الهيكلي، وتجديد المساحات الداخلية، وشراء الأثاث، بحسب تقرير “هم ميهن”.
الإهمال والقلق المتزايد حول المستقبل
ورغم هذه الجهود، لم يحرز المشروع أي تقدم ملحوظ، وبحسب تصريحات أسرة طالقاني، تعرض المنزل للإهمال، حيث تظهر علامات واضحة على تدهور حالته، مثل تحطيم زجاج النوافذ وإغلاق الباب الحديدي باللحام. ومع مرور الوقت، أصبحت الأسرة تشعر بقلق متزايد حول مستقبل هذا المبنى التاريخي، خاصة بعد ظهور تقارير تفيد بأن المنزل لم يعد مجرد مكتبة مهملة بل بات مكانا مهجورا.
وفي إطار سعي عائلة طالقاني لإنشاء مكتبة عبر الإنترنت، احتاجت العائلة إلى بعض الكتب والمستندات التي كانت في عهدة البلدية، لكنهم لم يستطيعوا الحصول عليها. وهناك شائعات غير مؤكدة تشير إلى أن بعد توقف أعمال الترميم، تم إلقاء الكتب والأثاث والمعدات في فناء المنزل بشكل غير لائق، كل هذه الأحداث وقعت خلال الأسبوعين الماضيين، نقلا عن هم ميهن.
وكان قد صرح أبو الحسن، أحد أبناء طالقاني لـ صحيفة “هم ميهن” سابقا، بأنه منذ أكثر من عام، تُركت المكتبة مغلقة، وقد أشار إلى أنه في السنوات السابقة، عندما كانت المكتبة نشطة، كان شباب المنطقة يزورونها بشكل منتظم، كما كانوا يقيمون مراسم الذكرى السنوية لوفاة والدهم في هذا المنزل التاريخي.
وتأتي مشكلة أخرى في هذا السياق وهي عدم تسجيل المنزل كتراث ثقافي أو وطني، وهو ما يعيق الجهود المبذولة لحمايته وترميمه، بحسب تصريح سجاد عسجرى مع “هم ميهن”، أمين لجنة متابعة حماية المنازل التاريخية في طهران.
وتمر مكتبة طالقاني الآن بمرحلة إعادة البناء، وتم تخصيص حوالي مليار تومان/19 ألف دولار لهذا المشروع، كما أن مجلس المدينة يسعى لتسريع الإجراءات اللازمة لإتمامه، وفق تصريحات أحمد علوي، رئيس لجنة السياحة في مجلس مدينة طهران لـ صحيفة “هم ميهن”.
تم نقل الكتب من مكتبة طالقاني إلى المخزن الثقافي للحفاظ عليها بعد التعاقد مع مقاول لترميم المنزل، و بعد ظهور أخبار تتعلق بانتقال الكتب إلى السوق المستعملة، بدأت وحدة التفتيش والأمن في المنظمة تحقيقا في القضية، بحسب نجفي منش، مدير مكتبات منظمة الثقافة والفنون في بلدية طهران.
وتسعى منظمة الثقافة والفنون في بلدية طهران إلى تحديد مصير مكتبة طالقاني، وحاولت صحيفة “هم میهن” الحصول أي معلومات تتعلق بموضوع انتقال كتب المكتبة إلى سوق الكتب المستعملة، ولكن رفضت المنظمة الإدلاء بأي تصريح.
وأكد نائب التراث الثقافي لمحافظة طهران أن البلدية ملزمة بالحفاظ على المباني التاريخية وترميمها، كما طلبت وزارة التراث الثقافي من البلدية متابعة ترميم مكتبة طالقاني وتخصيص ميزانية لها، وأكد أن المكتبة ستُفتح للجمهور بعد الانتهاء من أعمال الترميم مع الحفاظ على طابعها الثقافي كمنزل-متحف.
المنازل التاريخية في طهران: جهود الترميم والمشكلات المستمرة
الأخبار المتعلقة بحالة منزل محمود طالقاني، تسلط الضوء أيضا على قضايا البيوت التاريخية الأخرى في طهران. ووفقا لـ أحمد علوي، ستقوم البلدية بتوضيح مصير 11 عقارا تاريخيا في العاصمة، وسيتم تقديم تقرير مكتوب حول الوضع الحالي وكيفية الاستفادة من هذه الممتلكات في غضون أسبوعين، وفقا لـ”هم ميهن”.
وفي فبراير/شباط العام الماضي، أعلن مهدی عباسی، رئيس لجنة التخطيط العمراني بمجلس مدينة طهران، أن بلدية طهران تمتلك نحو 83 بناء تاريخيا مُرمما، ومع ذلك، أشار إلى أن هناك تحديات مستمرة تواجه عملية استثمار هذه المباني.
مسرح النصر منزل الاتحاد
وقامت بلدية طهران بشراء منازل تاريخية منذ سنوات عديدة، إلا أن عمليات ترميمها وإحيائها لم تُتابع بشكل فعال، كما هو الحال مع منزل الاتحاد ومسرح النصر، ويُعتبر منزل الاتحاد أحد المنازل القديمة في حي لاله زار بطهران، وقد بدأت عملية ترميمه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، ونظرا إلى مساحته الواسعة، قررت بلدية طهران تنفيذ مشروع تجديده على عدة مراحل، وانتهت المرحلة الأولى منه في بداية عام 2021، بحسب تقرير “هم ميهن”.
وقد أعلنت البلدية سابقا أنها تنوي استئناف عملية الترميم للمرحلة التالية بعد حل بعض المشاكل القانونية، وأما مسرح النصر، الذي افتتح في عام 2017، لم يتم ترميمه حتى الآن، وفقا لنشطاء التراث الثقافي.
منزل أمين لشغر منزل هوشانغ مرادي
كما يعتبر المنزل التاريخي للشخصية السياسية الإيرانية البارزة في الدولة القاجارية -أحمد خان علاء الدولة- نموذجا آخر ضمن المنازل التي تم شراؤها في إطار مشاريع الحدائق، إلا أنه لم تُجرَ أي عمليات ترميم لهذا المنزل حتى الآن، كما ذكر تقرير “هم ميهن”، ويُعتبر منزل كاتب قصص الأطفال -هوشانغ مرادي- مثالا آخر، حيث من المقرر حديثا أن تُستأنف قصته كمكان ثقافي بعد تجديده، وتم شراء هذا المنزل في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ومن بين هذه المنازل التاريخية أيضا، نجد منزل “أمين لشغر” أحد الشخصيات السياسية خلال الفترة القاجارية، وقد تم تسجيل ثلاثة أسهم منه باسم شخص معين، بينما سُجلت الثلاثة الأخرى باسم البلدية، ومع ذلك، لا تزال الميزانية المخصصة لترميم هذا المنزل غير معروفة، وكان قد انهار تاج هذا المبنى، جنبا إلى جنب مع أجزاء أخرى من المنزل، في مارس/آذار من هذا العام، وهو في حالة سيئة.
منزل الشيخ فضل الله النوري منزل صانعي
وأضاف التقرير منزل التاريخي للشخصية السياسة الشيخ فضل الله النوري ضمن هذه الحالات، حيث لم يُكتمل تملكه بالكامل للبلدية حتى بعد 3 سنوات من شرائه، وفي عام 2022 تم التصويت بالأغلبية من قِبل أعضاء مجلس المدينة على مشروع يفرض على بلدية طهران تَملكُ منزل الطبيب والسياسي “عباس شيباني”، لكن حالة هذا المنزل لا تزال غير واضحة.
وكذلك اشترت البلدية منزل المهندس المعماري “صانعي”، لكنه لم يُرمم حتى الآن. وبالنسبة لترميم منزل “الشهيد تندجویان”، وزير النفط الإيراني سابقا، فقد تم الانتهاء منه، ومن المتوقع وفقا لبلدية طهران أن يتحول إلى متحف، في إطار الاتفاق مع وزارة النفط.
كما تحدث أحمد علوي حول آخر التطورات المتعلقة بتخصيص الميزانية لترميم المنازل التاريخية التي اشترتها البلدية، وأشار إلى أن المتاحف والمنازل-المتاحف تم توزيعها بين منظمات مختلفة، ولا توجد إدارة موحدة، وأضاف: “كل منظمة تتخذ قراراتها بشأن حالة هذه المنازل بشكل مستقل”، بحسب تقرير “هم ميهن”.
وفي هذا الإطار، أشار إلى أنه تم التصويت في 10 مارس/آذار على قرار مجلس المدينة تحت عنوان “إحياء التراث الثقافي التاريخي لطهران”، ووفقا للمادة الأولى من القرار، يجب أن تُعتمد جميع الأنشطة المتعلقة بالمنازل التاريخية والتراثية تحت إشراف لجنة محددة، ويتم تنفيذها بعد الحصول على موافقتها، وأكد علوي أنه جارٍ العمل على تشكيل هذه اللجنة المتخصصة.
وشهدت السنوات الأخيرة زيادة في ميزانية ترميم وإحياء المنازل التاريخية المخصصة لبلدية طهران، وتم تخصيص نحو 400 مليار تومان/8 ملايين دولار لمجموعة من المنازل التي تحتاج إلى ترميم، وفق قوله.
وأشار علوي إلى أنه تم تخصيص ميزانية لدعم المتاحف والمنازل-المتاحف في مختلف مناطق المدينة، حيث يمكن أن تتعرض هذه الأماكن للتلف في حال عدم تقديم الدعم المناسب لها.