كتب: ربيع السعدني
أعلنت إيران والصين وروسيا، في بيان مشترك صادر بعد اجتماع ثلاثي لمساعدي وزراء خارجيتها في بكين، أن الأنشطة الفنية المحايدة للوكالة الدولية للطاقة الذرية لا ينبغي إضعافها. وشدد البيان، الصادر يوم الجمعة 14 مارس/آذار 2025، على أن الحوار القائم على الاحترام المتبادل هو الخيار العملي الوحيد لحل الملف النووي الإيراني، كما أكد أهمية معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية باعتبارها حجر الأساس لنظام منع الانتشار العالمي، ورحب بتأكيد إيران أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط وليس لإنتاج الأسلحة النووية.
وفي وقت سابق، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، عن عقد اجتماع ثلاثي بين إيران والصين وروسيا اليوم الجمعة 14 مارس/آذار 2025 في بكين، على مستوى نواب وزراء الخارجية، وركز على التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني ورفع العقوبات، في إطار المباحثات المستمرة بين إيران وشركائها؛ لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وضمن ذلك التطورات الإقليمية والدولية، إضافة إلى التعاون ضمن إطار البريكس ومنظمة شنغهاي.
وعُقد الاجتماع الثلاثي في ظل تصاعد الأنشطة الدبلوماسية بشأن الملف النووي الإيراني، بالتزامن مع إرسال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي عبر دولة إقليمية.
دعم الحل الدبلوماسي
قبل انطلاق المشاورات بين نواب وزراء خارجية إيران وروسيا والصين في بكين، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، دعم بكين للحل الدبلوماسي بشأن البرنامج النووي الإيراني، وذكرت صحيفة “همشهري أونلاين” أن الصين دعت إلى حل “دبلوماسي” للقضية النووية الإيرانية، في الوقت الذي تستضيف فيه دبلوماسيين إيرانيين وروسا في بكين؛ لإجراء محادثات حول القضايا النووية وغيرها.
وقالت “ماو نينغ” إن الاجتماع يرأسه نائب وزير الخارجية الصيني، ويحضره نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي، وتتبادل الأطراف الثلاثة وجهات النظر حول القضية النووية الإيرانية وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
حل تفاوضي
وفي وقت سابق أكد نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي، في مقابلة مع وكالة تسنيم للأنباء، أن قرارين تم اتخاذهما في الجولة السابقة من المحادثات بين إيران وثلاث دول أوروبية في سويسرا، وقال: “أولا، دعونا نواصل مناقشاتنا على مستوى أكثر تقنية وتخصصا، ومن المرجح أن نلتقي مرة أخرى خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، وسوف يقوم خبراؤنا أيضا بمناقشة ومراجعة المزيد، والنقطة الثانية هي أن الأطراف الأربعة أكدت ضرورة السعي إلى حل تفاوضي لهذه القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتوصل إلى تفاهم ونتيجة في هذا الاتجاه، لا ينبغي لنا أن نربط كافة القضايا برغبات حزب كان دائما مدمرا في المفاوضات.
ومن جهته قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، بحسب صحيفة “همشهري أونلاين” نقلا عن وكالة “فرانس برس”، خلال مؤتمر صحفي يوم الخميس 13 مارس/آذار 2025: “وفي ظل الظروف الحالية، نعتقد أن جميع الأطراف يجب أن تحافظ على الهدوء وضبط النفس؛ لتجنب التصعيد النووي الإيراني أو حتى التحرك نحو المواجهة والصراع”، وتأتي تصريحات “ماو نينغ” بعدما وجهت الدول الغربية اتهامات لإيران خلال اجتماع سري لمجلس الأمن الدولي، وبحسب هذه الوسيلة الإعلامية الغربية، فإن الولايات المتحدة ساهمت في الوضع الحالي بانسحابها من جانب واحد من الاتفاق النووي.
وحتى بعد عام من انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية، التزمت طهران بموجب الاتفاق النووي لإظهار حسن نيتها، وبعد ذلك بدأت تدريجيا في تقليص التزاماتها، ومنذ ذلك الحين، فشلت الجهود الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي بسبب تراجع الدول الغربية عن التزاماتها، لكن بكين قالت إن هدف اجتماع الجمعة 14 مارس/آذار 2025، هو “تعزيز الاتصالات والتنسيق واستئناف الحوار والمفاوضات التمهيدية في أقرب وقت ممكن”، وأضاف ماو نينغ أن “الصين تأمل بصدقٍ أن تتمكن جميع الأطراف من العمل معا، وتعزيز الثقة المتبادلة بشكل مستمر وحل الشكوك، وجعل زخم استئناف الحوار والمفاوضات حقيقة واقعة”.
مشاورات لرفع العقوبات ضد طهران
وفي هذا الصدد، التقى كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، الذي سافر إلى بكين بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، للمشاركة في الاجتماع الثلاثي لنواب وزراء خارجية الصين وروسيا وإيران، وقال: “في الاجتماع الثلاثي بين إيران وروسيا والصين، تم تأكيد أن أي مفاوضات وحوار سيركز فقط على القضية النووية ورفع العقوبات”، كما تم التأكيد في هذا الاجتماع على قضايا مختلفة، منها ضرورة إنهاء العقوبات الأحادية الجانب غير القانونية، وتأكيد الحلول الدبلوماسية والحوار لحل القضايا، وضرورة التخلي عن سياسة فرض العقوبات والضغوط والتهديد باللجوء إلى القوة.
وأضاف كاظم غريب آبادي، حسبما نقلت وكالة أنباء “إرنا” الرسمية: “إن الاجتماع أكد أيضا ضرورة الاهتمام بالأسباب الجذرية للوضع الحالي، خاصةً الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعدم تنفيذ التزامات الدول الأوروبية الثلاث”، مؤكدا أهمية القرار 2231 وجداوله الزمنية، خاصةً إنهاء الملف النووي الإيراني بمجلس الأمن في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وتأكيد ضرورة امتناع الأطراف الأخرى عن اتخاذ أي إجراء من شأنه تفاقم الوضع.
كما تم التأكيد وفقا لنائب وزير الشؤون القانونية والدولية، على ضرورة امتناع الأطراف الأخرى عن أي عمل من شأنه أن يقوض العمل الفني والموضوعي والنزيه للوكالة، وتم تأكيد قرار مواصلة المشاورات والتعاون والتنسيق بين الدول الثلاث بشأن هذه القضية وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وقرار تعزيز التعاون والتنسيق في المنظمات الدولية والترتيبات المتعددة الأطراف مثل شنغهاي وبريكس، وتأكيد أن أي مفاوضات ومحادثات ستركز فقط على القضية النووية ورفع العقوبات.
تفاهمات مهمة
وفي إشارة إلى انعقاد الاجتماع الثلاثي الناجح بين إيران وروسيا والصين في بكين، اعتبر السفير الإيراني لدى الصين محسن بختيار أن “هذه المبادرة طريق واضح لمواجهة الأحادية الأمريكية الخاسرة”، وأضاف عبر حسابه على منصة “إكس” بشأن الاجتماع الثلاثي بين إيران وروسيا والصين في بكين: “يسعدني أن أعلن أنه بناءً على التعاون الاستراتيجي بين الدول الثلاث، إيران والصين وروسيا، عقد الاجتماع الثلاثي لنواب وزراء الخارجية في بكين الجمعة بنجاح كامل”.
الصين تحذّر من استخدام “آلية الزناد” ضد إيران
وفي هذا الصدد، حذر وزير الخارجية الصيني “وانغ يي“، الغرب من عواقب استخدام آلية الزناد ضد إيران، مقترحا خطة من خمس نقاط لحل القضية النووية الإيرانية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية، قائلا: “إن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يدمر نتائج سنوات من الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق نووي مع طهران”.
كما تظل الصين بحسب “وانغ”، ملتزمة بالتسوية السلمية للنزاعات عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية، وتعارض استخدام القوة والعقوبات غير القانونية، وأوضح أن الصين تظل ملتزمة بتحقيق التوازن بين الحقوق والمسؤوليات، وتظل ملتزمة بإطار خطة العمل الشاملة المشتركة؛ لكونها أساسا لأي توافق جديد، وتتبنى نهجا شاملا يراعي أهداف عدم انتشار الأسلحة النووية والاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
كيف رد ترامب على اجتماع بكين؟
ومن جانبه قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن إيران وروسيا والصين قد تناقش قضايا غير نووية في بكين، وبحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا“، رد ترامب على اجتماع كبار الدبلوماسيين من إيران وروسيا والصين، الذي يعقد في بكين، ردا على سؤال أحد الصحفيين، قائلا: “ربما يتحدثون عن برامج غير نووية، ربما يتحدثون عن تخفيف التوترات بشأن الأسلحة النووية”، بينما تؤكد إيران مرارا وتكرارا، أنها لا تسعى إلى تصنيع أسلحة نووية، وأن هذه الأسلحة ليس لها مكان في العقيدة الدفاعية لطهران.
بيان ثلاثي مشترك
أكد بيان ثلاثي مشترك للصين وروسيا وإيران، أهمية الدبلوماسية والحوار كحل وحيد لملف إيران النووي، وضرورة إلغاء العقوبات الأحادية غير القانونية، جاء ذلك وفقا لما ذكره نواب وزراء خارجية الدول الثلاث في العاصمة الصينية بكين.
وجاء في البيان المشترك، الصادر الجمعة 14 مارس/آذار 2025، تأكيد ضرورة إلغاء العقوبات الأحادية غير القانونية، وأن على الأطراف المعنية الامتناع عن فرض العقوبات والتهديد باستخدام القوة، فيما شددوا على أهمية احترام معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 وضمن ذلك جدوله الزمني، ورحبت روسيا والصين بتأكيد إيران مجددا سلمية برنامجها النووي، كما أعربا عن احترامهما الكامل لحق إيران بالاستخدام السلمي للطاقة النووية، ودعم مواصلة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
عقوبات “غير قانونية”
وفي سياق متصل، أعلن الكرملين أن العقوبات الغربية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي غير قانونية ويجب أن تلغى، وقال المتحدث باسم الكرملين “دميتري بيسكوف”، للصحفيين إن “إيران لم تعلن قط أن لديها نية لتطوير أسلحة نووية، لكن لها كل الحق في تطوير برنامج للطاقة النووية السلمية، وهو أمر قال إن موسكو تساعدها فيه”.
وذكرت وكالة أنباء ريا نوفوستي عن المتحدث باسم الكرملين: “إن موسكو تعتقد أن إيران لديها الحق في تطوير برنامج نووي سلمي”، وأضاف بيسكوف، حسبما نقلت وكالة تسنيم للأنباء، التابعة للحرس الثوري: “لم يتحدث الجانب الإيراني قط عن نيته حيازة أسلحة نووية، لذلك تعد جميع العقوبات والقيود المفروضة عليه في ما يتعلق بهذا الشأن غير قانونية”، وأشار كذلك إلى ضرورة مواصلة الجهود لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة.
وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2015، توصلت بريطانيا وألمانيا والصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيران إلى اتفاق نووي عرض تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني، لكن الولايات المتحدة انسحبت في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018 وأعادت فرض العقوبات على طهران.
وردت إيران على ذلك بإعلان خفض تدريجي لالتزاماتها بموجب الاتفاق، متخلية على وجه الخصوص عن القيود المفروضة على الأبحاث النووية ومستوى تخصيب اليورانيوم.