ترجمة: شروق السيد
أشار إسماعيل كوثري، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إلى أن غياب الوحدة في سوريا، وخاصة وجود الخيانة بين صفوف الجيش السوري، كان من الأسباب الرئيسية لسقوط حكومة بشار الأسد.
أدلى كوثري بهذه التصريحات خلال حوار أجراه مع وكالة أنباء جماران الإيرانية 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، جاء فيه:
ما رأيك في أسباب سقوط حكومة بشار الأسد بشكل مفاجئ؟
كانت إيران موجودة في سوريا بشكل استشاري، بالإضافة إلى قيامها بأعمال استخباراتية، كما أنها قدمت توجيهات ومشورات فكرية للجيش السوري عند الحاجة، أما عن سبب سقوط حكومة بشار الأسد بشكل مفاجئ، فإن الموضوع يعود إلى أن إيران خلال الأشهر الخمسة الماضية، بناءً على توجيهات القائد الأعلى للبلاد علي خامنئي، قامت بإبلاغ المسؤولين السوريين بكل التفاصيل، ومع ذلك، فإنهم إما لم يستفيدوا من هذه التوجيهات أو لم يولوها الاهتمام الكافي، وهو أمر آخر.
بلا شك، بالإضافة إلى عدم وجود الوحدة اللازمة في سوريا، حدثت خيانة بين صفوف الجيش السوري إلى حد ما، ونتيجة لذلك، عندما لا يكون لدى جيش دولة ما القوة الكافية للوقوف على أرض الواقع، فمن المؤكد أن يحدث مثل هذا السقوط المفاجئ لحكومة ما، لأنه لن يكون هناك من يدافع عن البلاد.
و في فترة ظهور تنظيم الدولة، قمنا بدور استشاري واتخذنا التوقعات اللازمة، خصوصاً من خلال جهود حسين همداني الذي أجرى محادثات مع الجيش السوري وبشار الأسد بشأن ضرورة الاستفادة بشكل مناسب من القوات الشعبية وتسليحها.
في البداية، لم يوافق الجيش السوري على هذا الأمر، ولكن لاحقاً تم إقناع بشار الأسد وقَبِل بذلك، ونتيجة لذلك، تم في المرحلة الأولى تسليح 70 ألف فرد من القوات الشعبية تحت اسم “الدفاع الوطني”، وهو مشابه لفكرة قوات الباسيج لدينا، وكانوا فعالين للغاية في مواجهة وضرب تنظيم الدولة.
ومع مرور الوقت، ازداد عدد هذه القوات، مما استدعى تعزيزها وتوسيعها لتكون قوة مساعدة إلى جانب الجيش في الأوقات الحرجة.
للأسف، تم حل هذه القوات الشعبية تدريجيًا، ما أدى إلى عجز الجيش عن التصدي لتقدم الجماعات المسلحة في المدن السورية ووصولها إلى دمشق، عاصمة سوريا، لذلك، في المقام الأول، يجب على القوات العسكرية لأي بلد القيام بالأعمال الاستخباراتية، وأن تكون مستعدة لمواجهة العدو، وتدريب قواتها، وضمان الحفاظ على جاهزيتها بشكل شامل، حتى تتمكن من منع العدو من تحقيق أهدافه.
أشار المرشد علي خامنئي في جملة إلى هذه القضية بقوله: “لن نحارب بدلًا من جيش آخر” بالنظر إلى أن البعض يعتقد أن إيران في فترة وجود تنظيم الدولة حاربت بدلًا من الجيشين السوري والعراقي، ما هو تقييمك لهذه التصريحات؟
يبدو أن هؤلاء الأشخاص غير مدركين للأمر ويعتمدون فقط على الأخبار وما يسمعونه في تحليلهم وتصريحاتهم.
الجيش السوري كان فعالًا بمفرده في ذلك الوقت، بل وحتى قَبِل تشكيل “الدفاع الوطني” كما أن إيران، إلى جانب زينبيون، حيدريون من أفغانستان وباكستان وحتى اليمنيين، قد جاءوا إلى سوريا، وفي هذا الإطار، تم تشكيل مقر مشترك، ورغم هذا الحضور، قام الجيش السوري بدوره بشكل جيد في تلك الفترة الزمنية.
إيران كانت موجودة في سوريا، وكان حزب الله أيضاً حاضراً؛ لكن القول بأننا قمنا بدور الجيش السوري ليس صحيحًا على الإطلاق، كما أنه غير ممكن عمليًا.
في الحقيقة، الجيش هو الذي يجب أن يقف في المواجهة، بينما تقوم باقي القوات والمجموعات بمساعدته، سواء في سوريا أو أي دولة أخرى، وبالتالي، يمكن القول إن هذا النهج معمول به في العديد من البلدان.
أما الآن، فإن الجيش السوري لم يقم بواجباته كما ينبغي، وهذا الأمر أدى إلى عدم طلبهم المساعدة من إيران، ويرجع ذلك إلى مجموعة من القضايا الداخلية داخل الجيش السوري التي لا يمكن كشف تفاصيلها بعد.
بالنظر إلى الأحداث التي وقعت بسرعة في سوريا، يعتقد الكثيرون أن إيران تم إبعادها عن المعادلات السورية، ما تقييمك لهذا الموضوع؟
كيف تم استبعاد إيران عن المعادلات السورية؟! هل ذهبت إيران إلى سوريا لاحتلالها أو ضمها إلى أراضيها؟! في الحقيقة، سوريا كانت لديها رئيس جمهورية يُدعى بشار الأسد، ولديها جيش، إيران قدمت مساعدات استشارية لسوريا، واستخدمت وجودها في سوريا لدعم حزب الله وغزة والشعب الفلسطيني، نحن لم نقم بأي عمل آخر في سوريا.
تشير العديد من القوى الثورية من جهة، وكذلك المعارضون والمنتقدون من جهة أخرى، إلى وجود إيران في سوريا خلال السنوات الماضية، ويضعون ذلك في سياق الأحداث الأخيرة ويعتبرونه غير مجدٍ، ما رأيك في هذه الانتقادات؟
إذا كان وجود إيران في سوريا بلا فائدة، فماذا كان يفعل أولئك الذين يطلقون مثل هذه التصريحات عندما كان تنظيم الدولة سيصل إلى إيران؟! أين كانوا ليقفوا في وجه تنظيم الدولة ويقاوموا؟!
في الحقيقة، موضوعنا كان يتعلق بفلسطين، وهو موضوع أثاره الخميني منذ عام 1962 في أقواله وآرائه، بمعنى آخر، لم يكن الأمر أن إيران بدأت بالحديث عن فلسطين منذ تأسيسها، بل إن هذا الموضوع طُرح منذ سنوات 1970، حين كان أمثال المرحوم فلسفي – رجل دين – يتحدثون عنه في المساجد.
كما دعا الخميني جميع العلماء للحديث عن هذه القضية، وقد ألقى مطهري العديد من الخطابات في هذا الشأن.
لذلك، قضية فلسطين تتعلق بهذه الجرثومة الفاسدة، أي إسرائيل، التي جاءت لتخرب العلاقات بين الدول الإسلامية وتزرع الخلافات بينها، ولهذا السبب، حذر الخميني، والقائد الأعلى، ومطهري، وسائر العلماء من هذا الأمر باستمرار.
إذا كنا نريد مساعدة فلسطين وشعبها، كان لا بد أن نمر من مكان ما، ولهذا كانت سوريا خياراً مناسباً، لقد كانت لدينا حرب مع العراق وصدام، وبعد سنوات قليلة قامت أمريكا باحتلال العراق، منذ عام 1982، عندما ذهبنا إلى سوريا، أنشأنا حزب الله الذي كان في الأصل داعماً لشعب فلسطين، سواء حركة حماس أو الجهاد الإسلامي.
بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون وجود إيران في سوريا بلا فائدة، يمكن قول الكثير من الكلام والتحليلات التي لا أساس لها، لكن ينبغي التركيز على الهدف الرئيسي وما تم القيام به بناءً على هذا الهدف، وعندها يمكن تقديم تحليل دقيق.
لو لم تكن إيران موجودة في سوريا، في ظل عنف عنف تنظيم الدولة، من كان سيتحمل المسؤولية حينها؟! هؤلاء أنفسهم كانوا سيقولون لماذا لم تذهبوا وتمنعوا تنظيم الدولة؟! وفي النهاية، كانوا سيصبحون مطالبين أيضاً.
لذلك، كان وجود إيران في سوريا ضرورياً وله دوافع قوية، وإن شاء الله، سيواصل محور المقاومة طريقه.
ما تأثير سقوط الحكومة السورية على مكانة إيران ونفوذها الإقليمي؟ وهل من الممكن إقامة علاقة مع الحكومة السورية المقبلة؟
نحتاج إلى مزيد من التأمل لمعرفة المعايير والأسس التي ستعمل عليها الأطراف والجماعات التي احتلت سوريا، عندما قامت الثورة، كان الخميني قد حدد جميع أهداف هذه الثورة، والتي تضمنت القضاء على الطاغوت، وعدم الانحياز إلى القوى العظمى في الشرق أو الغرب.
وبالتالي، كان منهج الثورة واضحًا منذ البداية، أما في سوريا، فلم يتم تحديد أي شيء بعد؛ فمن جهة، تحاول هذه الجماعات تقديم نفسها كديمقراطية، لكنها في الحقيقة تضم مجموعات متعددة تدعمها أمريكا وإسرائيل، ومع ذلك، ليس واضحًا إلى أي مدى ستتمكن هذه الجماعات من العمل معًا والمضي قدمًا، عندما يحين وقت توزيع المسؤوليات، ستتضح الأمور.
إذن تعتبرون هذه الفترة فترة انتظار؟
نعم، هذه الفترة تُعد فترة انتظار، الجماعات المسلحة التي تحكم سوريا الآن هي جماعات لم تصل بعد إلى مرحلة الاستقرار، وعندما تصل إلى الاستقرار، ستتضح العديد من القضايا، في نهاية المطاف، يجب أن تكون هذه الجماعات مسؤولة أمام الشعب السوري.
الشعب السوري سيسألهم: لقد أطحتم ببشار الأسد واستوليتم على الحكم، فما هي الخطوات التي ستتخذونها الآن؟! الوضع الاقتصادي والجيش السوري بحاجة إلى إعادة بناء، والبنية التحتية قد دُمرت. من سيتولى إعادة الإعمار؟ لقد دمرت إسرائيل المجرمة كل البنية التحتية العسكرية والدفاعية.
إن سبل معيشة الشعب السوري في خطر وقد تم تدميرها، فهل ستكون سوريا تحت سيطرة إسرائيل وتركيا وأمريكا؟ هذه القضايا بحاجة إلى توضيح.
وكما قال المرشد علي خامنئي، في نهاية المطاف، فإن الشباب السوري سيعملون بناءً على المعايير الوطنية والدينية، وهنا يجب الانتظار لمعرفة ما ستؤول إليه أوضاع سوريا.