ترجمة: يارا حلمي
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة، المحسوبة على مكتب علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، الثلاثاء 15 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه معارضة التيارات “المتشددة” داخل إيران للمفاوضات مع الولايات المتحدة على مدى الحكومات المختلفة.
قلق “المتشددين” من المفاوضات
ذكرت الوكالة في حديثها عن التيار “المتشدد”، أن “هؤلاء يطلق عليهم لقب (القلقين)، لكن قلقهم لا يمتُّ بِصلة إلى التضخم أو الغلاء أو الأزمات المعيشية، بل يتركز فقط على كلمة واحدة: التفاوض، إن هؤلاء منذ عهد حكومة حسن روحاني، حين انطلقت المفاوضات العلنية بين إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني، وحتى يومنا هذا، لا يزالون غارقين في القلق والانزعاج”.
وتابعت أنه في تلك الفترة، نظم هؤلاء “المتشددون” مؤتمرا بعنوان “نحن قلقون”، بهدف الإعلان الصريح عن معارضتهم لمسار المفاوضات الذي تبنته حكومة حسن روحاني.
وأضافت أنهم الآن أصبح سلوكهم متكررا بصورة لافتة في السنوات الأخيرة، إلى درجة أن وصفهم لم يتغير، على الرغم من مرور أكثر من عقد شهد تغيرات جذرية في السياسات العامة وموازين القوى في البلاد، ومع ذلك، بقي موقفهم كما هو دون أي تبدل.
وأوضحت أن كل هذه المؤشرات تدل على أن لحظة بدء المفاوضات تمثل بالنسبة للتيار “المتشدد” ربيعا سياسيا، إذ لا يجدون في أي وقت آخر فرصة مماثلة للاقتراب بهذا القدر من صدارة الأخبار، وبهذا المعنى يبدو أنهم يُظهرون تعلقا بكلمة “الولايات المتحدة” يفوق تعلقهم بأي شخصية أخرى.
كما أشارت إلى أن هؤلاء عادوا مجددا إلى الواجهة لإعلان مواقفهم بعدما أعلنت القيادة الإيرانية استعدادها للتفاوض مع ممثل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ولفتت إلى أن المفارقة الساخرة في هذا السياق، أن هؤلاء أنفسهم كانوا في السابق متحالفين مع ترامب في التشكيك بالمفاوضات والاتفاق النووي، وفي مايو/أيار عام 2018، حين انسحب ترامب من الاتفاق النووي، قال أحد النشطاء السياسيين الإيرانيين إن هذا الانسحاب يُعدّ مناسبة تهنئة لهؤلاء “القلقين”، أي التيار “المتشدد”.
وأكدت أنه في هذا الوقت الذي كان فيه الاستقرار الاقتصادي قادرا على توفير دعم أكبر للمفاوضين الإيرانيين في مسارهم الدبلوماسي، إلا أن كثيرا من المحللين السياسيين يعتقدون أن فرصة التفاوض المتاحة حاليا أفضل من أي فرص تفاوضية قد تتوافر خلال الأعوام المقبلة؛ لكن يبقى التساؤل مطروحا: هل يمكن أصلا تصور وجود مفاوضات مستقبلية في ظل العرقلة المستمرة التي يمارسها “المتشددون” تجاه أي مسار تفاوضي؟
استغلال الفرص لعرقلة المفاوضات
ذكرت الوكالة أن التيار “المتشدد”، في عهد حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني، لم يوفر ذريعة إلا وجعلها أداة للهجوم على المفاوضات النووية، وقد كانت ذروة ظهورهم في تلك المرحلة إلى حدّ أن الإشارة إلى أمثلتهم أصبحت غنية عن التذكير.
وتابعت أن هذا المشهد التصعيدي بلغ ذروته عند حصول مكالمة هاتفية بين روحاني والرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، أو في أثناء نزهة قام بها محمد جواد ظريف وزير الخارجية آنذاك، مع نظيره الأمريكي جون كيري.
وبلغت تلك المرحلة نهايتها بدموع السياسي الإيراني الراحل علي أصغر زارعي، الذي كان عضوا في البرلمان الإيراني، وبملامح الحزن التي ظهرت على وجه علي رضا زاكاني، وهو قيادي محافظ بارز ورئيس مركز أبحاث البرلمان الإيراني.
كما أشارت في فقرة أخرى، إلى أن فصلا جديدا من هذا المسار كان يتمثل في الانسجام الواضح بين التيار “المتشدد” الإيراني ودونالد ترامب خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية سنة 2016، والتي بعثت الأمل في نفوس “المتشددين”، إذ رأوا في ترامب شخصية تحمل سمات مشابهة لرئيسهم المفضل، محمود أحمدي نجاد.
وأفادت بأن ترامب كان يعتبر الاتفاق النووي أسوأ اتفاق، وكان قد تعهد بالانسحاب منه، وعندما نفذ هذا الوعد، قال حميد رسائي، وهو نائب برلماني “متشدد” في البرلمان الإيراني: “إن الاتفاق النووي لم يحقق أي نتائج حتى الآن، على أي حال هذا الاتفاق لا يحقق المصالح الوطنية الإيرانية، لذلك عندما يتصرف الطرف الآخر بطريقة مهينة، فمن الطبيعي أن البقاء في هذا الاتفاق لا يملك أي مبرر منطقي”.
القانون الاستراتيجي
ذكرت الوكالة أن البرلمان الإيراني لحكومة الرئيس الإيراني الأسبق “حسن روحاني” أقر قانون “الإجراء الاستراتيجي لرفع العقوبات وصون حقوق الشعب الإيراني” في وقت كانت فيه احتمالية فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية واردة، وكان الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قد وعد خلال حملته الانتخابية في الولايات المتحدة بالعودة إلى “الاتفاق النووي”.
وتابعت: “إلا أن هذا القانون الاستراتيجي، الذي اعتبر امتناع المسؤولين عن تخصيب اليورانيوم جرما قانونيا، كبّل يد الفريق التفاوضي والحكومة الإيرانية عن إحياء الاتفاق النووي خلال الأشهر الأخيرة من عمر الحكومة”.
وأضافت أن محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، كشف مؤخرا عن تفاصيل تتعلق بالأشهر الأخيرة من تلك الحكومة ومحاولاتها لإحياء الاتفاق النووي، وقال في مقابلة مع صحيفة “انتخاب”: “إن علي شمخاني، الذي كان حينها يشغل منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، لعب دورا في صياغة وإقرار القانون الاستراتيجي دون علم الحكومة”.
أشارت إلى أن واعظي أوضح أن هناك مواقع متعددة كان من المفترض أن يقوم فيها شمخاني بمهام معينة، إلا أنه إما لم يكن من الممكن العثور عليه، أو أن الوقت المحدد لتلك المهام كان قد انقضى.
كما أكدت أن واعظي نقل عن حسن روحاني قوله إنه بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسا للحكومة، عرض روحاني عليه أن الظروف مهيأة لإحياء الاتفاق النووي، لكن رئيسي أجاب بأنه سيتولى هذا الأمر بنفسه عبر حكومته.
جليلي وأنصاره ضد رئيسي
ذكرت الوكالة أن المفاوضات في عهد حكومة إبراهيم رئيسي على الرغم من أنها كانت ظاهريا تحت سيطرة التيار المحافظ، فإن “المتشددين” لم يتركوا تلك الحكومة من هجماتهم، وأشهر الروايات في هذا السياق نقلها أمير حسين قاضي زاده هاشمي، نائب رئيس البرلمان السابق.
وتابعت أن أمير زاده هاشمي أكد خلال الحملة الانتخابية للرئاسة، أن سعيد جليلي، المفاوض النووي السابق، لن يكون امتدادا لرئيسي. وقال: “من كان يؤذي رئيسي لم يكن يؤمن بأفكاره، وكان يعطل العمل، بل ورفض التعاون حتى عندما دُعي إليه”.
وأضافت أنه في فبراير/شباط 2022، انتقد محمود نبويان، النائب عن “جبهة بايداري”، حكومة رئيسي بسبب محاولتها إحياء الاتفاق النووي، مدعيا أن “فريق جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية السابق لا يزال هو المسيطر على المفاوضات”، وأضاف: “لن يلغى شيء في الاتفاق الجديد؛ والسادة يوافقون على هذا الوضع”.
وأوضحت أن أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني السابق، قال في البرلمان إن قوانين إيسا (العقوبات على إيران) وكاتسا (مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات) وتحويل الدولار الأمريكي (يوترن) لن تُلغى، والولايات المتحدة لم توافق حتى على إعفاءات، كما أن “الولايات المتحدة ظهرت قوية، بينما كان أصدقاؤنا ضعفاء جدا، وقد بلغ الأمر أن قال علي باقري للشباب الثوريين: (تماشَو). أصبح المعيار أنهم يقولون: ينبغي التوصل إلى اتفاق بأي ثمن”.
ذكرت الوكالة أن أمير حسين ثابتي، النائب المقرب من سعيد جليلي، صرح في تسجيل مصور بأن الحكومة ارتكبت خطأ استراتيجيا بمحاولة إحياء الاتفاق النووي عام 2021، وأن النائب محمود نبويان هو من حال دون ذلك.
وتابعت أن علي أكبر صالحي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، تحدث عن عرقلة جليلي وحلفائه للمفاوضات في عهد رئيسي، فقال: “كان الاتفاق على وشك الاكتمال؛ وكان من المقرر أن يذهب أمير عبد اللهيان لتوقيعه، لكن، كما يبدو، اقترح المجلس الأعلى للأمن القومي إضافة مطلب جديد، مما أدى إلى انهيار الاتفاق”.
وأضافت أن علي صالحي أكد أن الاتفاق كان جاهزا تماما، وكان من المفترض أن يتم توقيعه من قبل عبداللهيان، لكن الطلب المضاف أفشل العملية.
هجوم على المفاوضات
ذكرت الوكالة أنه إذا كان فهم هذا المبدأ صعبا على هذا التيار طوال السنوات الماضية، أن يفهم أن التقدم في المفاوضات هو المرشد الأعلى، فإن رد المرشد الأعلى على رسالة ترامب ينبغي أن يكون كافيا لحسم الجدل.
وتابعت أن محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، شرح مؤخرا محاور الرد الذي وجهه المرشد الأعلى على رسالة ترامب، وقال: “كانت تعليماته تقوم على أن نرد بكل قوة على التهديدات، لكننا لا نرغب في الحرب، ولا نعتزم البدء بها، التفاوض المباشر لن يتم، لكن لا مانع من التفاوض غير المباشر، والولايات المتحدة هي الطرف الأكثر نكثا للمفاوضات، لذلك لا ثقة بها، لكننا لا نغلق باب التفاوض غير المباشر إذا أظهروا صدق النية”.
وأوضحت أن هذا التأكيد الصريح على أن مفاوضات سلطنة عمان قرار استراتيجي للنظام لم يمنع حملة الهجمات الإعلامية من قبل “جبهة بايداري”، إذ لم تبدأ المفاوضات بعد، حتى خرج النائب محمد رضا صباغيان بافقي، ممثل مدينتي بأفق ومهريز في البرلمان، مدعيا أن “قوة الله قد أُزيلت من برامج الدولة، ألم توقعوا الاتفاق النووي مع أوباما؟ ألم يفرض هذا الرجل عقوبات جديدة مباشرة بعد الاتفاق؟ أين أولئك الذين وقعوا عليه؟”.
كما أشارت إلى أن أمير حسين ثابتي، النائب المقرب من سعيد جليلي، وصف التفاوض، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بأنه “تضليل للشعب”.
أفادت الوكالة بأن علي أصغر نخعي راد، نائب مشهد، كتب عبر منصة إكس، أنه “واثق بأنه لو كانت حكومة رئيسي لا تزال قائمة، أو لو فاز أحد المرشحين البارزين الآخرين، لما كان المرشد الأعلى قد سمح بأي نوع من التفاوض (حتى غير المباشر) مع العدو الغادر، لكن من الواضح أن الحكومة الحالية، التي ربطت الاقتصاد بالمفاوضات وأخفت ضعفها تحت عنوان الضرورة، لم يكن لها إلا أن تنتهج هذا المسار”.
استغلال “المتشددين” للمفاوضات
ذكرت الوكالة أن هذه الهجمة والتحركات العدائية تأتي رغم أن جولة واحدة فقط من المفاوضات قد بدأت، ومن المرجح، مع انطلاق الجولة الثانية الأسبوع المقبل، أن تتصاعد حدة المواقف من جانب هذه الجماعات.
وتابعت أنه “وحتى هذه المرحلة، يتضح من تجميع مشاهد المشهد السياسي الإيراني أمران اثنان: أولا، كل حكومة في إيران سعت إلى أن تنسب لنفسها إحياء الاتفاق النووي؛ بمعنى أن الحكومات مجرد منفذة للتفاوض، والقرار الفعلي بيد النظام”.
وأضافت: “ثانيا: بالنسبة لجبهة بايداري، وسعيد جليلي لا يفرق معهم من يكون رئيس الحكومة أو من يجلس على طاولة التفاوض، سواء كان محمد جواد ظريف، الدبلوماسي المعتدل والإصلاحي؛ أو عباس عراقجي، الذي لا تزال رؤيته للعالم مرتبطة بتجربته السابقة في الحرس الثوري؛ أو علي باقري، النائب السابق لسعيد جليلي؛ فإن صيحات (الويل لنا من التفاوض) ستظل تتردد من أفواه (المتشددين) في كل مرة”.
وفي ختام التقرير أشارت إلى أن المؤكد في هذا السياق أن مصدر عيش هذا التيار السياسي هو مهاجمة كل أشكال التفاوض، وربما يكون الهدف من هذه الهجمات مجرد استهلاك داخلي لعرقلة التفاوض ومنع تحقيق الاتفاق، حتى يحتفظوا بأمل نسب هذا الإنجاز لأنفسهم مستقبلا، أو ربما، كما يظن البعض، أن أرزاق بعضهم معلقة باستمرار العقوبات وبقائها.