بعد نحو 3 أشهر على الحكم الذي أصدرته محكمة أرجنتينية باعتبار إيران دولة إرهابية وتحميلها مسؤولية هجومين على السفارة الإسرائيلية وعلى مركز للجالية الإسرائيلية في بوينس آيرس قبل نحو 30 عاماً، أعاد الرئيس الأرجنتيني الاشتباك مع إيران مرة أخرى، بإعلانه ضرورة محاسبة السلطات الإيرانية على دورها في التفجير.
وفي خطاب له وصف الرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي، المعروف بميله ودعمه لإسرائيل، الحكم بأنه “خطوة كبيرة لتحقيق العدالة (..) تحتاج إلى مزيد من العمل بسبب تصرفات نظام (إيران الإرهابي) للتغطية على الحقائق، قبل أن يعد بتقديم مشروع قانون يسمح بمحاكمة المتهمين في التفجير غيابياً”.
حكم المحكمة الذي نقلته وسائل إعلام محلية، اتهم إيران وحزب الله بالمسؤولية عن الحادث، وأن حزب الله نفذ العملية استجابة لـ”مخطط سياسي وثوري” بتفويض من إيران.
بعد الحكم أعلنت الأرجنتين أنها طلبت من الإنتربول الدولي توقيف وزير الداخلية الإيراني الذي تتهمه بالتورط في الهجوم، كما طلبت من حكومتي باكستان وسريلانكا توقيف الوزير الإيراني الذي كان في زيارة رسمية للدولتين.
إضافة إلى وزير الداخلية الإيراني، تتهم الأرجنتين عدداً من أبرز الأسماء على الساحة الإيرانية، بينهم هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق، وعلي أكبر ولايتي، وعلي فلاحيان، ومحسن رضائي، وعماد مغنية القيادي السابق في حزب الله اللبناني.
من جانبها اعتبرت إيران، أن طلب الأرجنتين من الإنتربول توقيف وزير داخليتها، غير قانوني ومبني على أكاذيب.
ووفقاً لوكالة مهر الإيرانية، نقلاً عن تصريحات باسم وزير الخارجية الإيراني ناصر كنعاني، فإن “الاتهامات التي وجهت ضد المواطنين الإيرانيين لا أساس لها، وخالية من أي وثائق؛ ومن ثم فإن تقديم مثل هذه الطلبات من السلطات القضائية في الدول الأخرى ليس له أي سند قانوني أو صحة”.
الهجوم الأرجنتيني المدعوم من الرئيس مايلي، المعروف بقربه وتودده لإسرائيل على إيران، يأتي في سياق حملة مضادة تواجه التمدد الإيراني في أمريكا اللاتينية، خصوصاً عقب جولة دبلوماسية أجراها الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، سبقتها زيارة للوزير الراحل حسين عبد اللهيان في أمريكا اللاتينية شملت فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا.
في بيان نشر قبل الزيارة قال الرئيس الإيراني الراحل، رئيسي، إن محطات زيارته فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا؛ لتشاركها مع إيران الموقف في معارضة الهيمنة على الصعيد العالمي، ومواجهة الأحادية، وأن إيران تحتفظ بعلاقات ودية معها، وتعاون وثيق في قطاع الطاقة.
وجاءت تصريحات رئيسي لتكشف وحدة الأهداف الاستراتيجية للدول الأربع التي تتشارك في معاناتها من العقوبات الأميركية عليها، وهو ما يعد دافعاً لها للتعاون وتوسيع العلاقات.
الحضور الإيراني في أمريكا اللاتينية، بدأ منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه، فبحسب دراسة للدكتور أيمن سمير، نشرت في “البيان” الإماراتية، فإن إيران دشنت نشاطها في أميكا الجنوبية وتغلغلت في كل دولها.
وازدهر الوجود الإيراني في أمريكا الجنوبية في فترة الرئيس محمد خاتمي، التي شهدت نشاطاً كبيراً لتمدد الحرس الثوري تجارياً واقتصادياً، قبل أن تترجم ولاية أحمدي نجاد لتطور أهم وأكبر في التواجد الإيراني في أميركا اللاتينية.
زيارات نجاد الذي توجه لدول أميركا اللاتينية 8 مرات في زيارات دبلوماسية دشنت لافتتاح 6 سفارات و17 مركزاً ثقافياً إيرانياً، وكذلك شبكة تلفزيون تبث باللغة الإسبانية، وبحسب الدراسة فإن الحرس الثوري له عناصر تابعة في كل السفارات الإيرانية تدير الأنشطة الاستخباراتية والاقتصادية.
الاهتمام الإيراني بأميركا اللاتينية له عدة ثوابت ينطلق منها، أبرزها متعلق بالعداء والصدام بين الولايات المتحدة وإيران، حيث ترى إيران في أميركا اللاتينية حديقة خلفية للولايات المتحدة، يمكن اعتبارها معبراً لها، ولموازنة الحضور والنفوذ العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، خاصةً منطقة الخليج العربي، حسبما جاء في كتاب “الاستراتيجية الإيرانية في اختراق أميركا اللاتينية”.
وبحسب الكتاب ذاته، فإن أميركا اللاتينية تأتي في المرتبة الثانية باعتبارها أبرز مجالات السياسية الخارجية الإيرانية، بعد الشرق الأوسط، حيث تشترك جميعاً في معارضة السياسات الأميركية ومعانتها من التدخلات الأميركية.
على العكس يبدو أن لبعض المحللين السياسيين الإيرانيين رأياً مخالفاً حول الوجود الإيراني في أميركا اللاتينية، فبحسب مهدي مطهري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، فإن الحضور الإيراني في أميركا الجنوبية، لا يعدو أن يكون أكثر من بروباغندا سياسية تضر بسمعة طهران، وتشكل ذريعة للولايات المتحدة لاحتواء ما تراه تهديداً لمصالحها الحيوية، بحسب تصريحات له نقلها موقع “الجزيرة نت” في وقت سابق.
الحضور الإيراني له وجه عسكري في أميركا اللاتينية، حيث زودت طهران فنزويلا بطائرات مسيرة أثبتت إيران خلال السنوات الماضية كونها لاعباً مهماً ورقماً صعباً في سوق المسيرات العالمي.
التقارب الإيراني العسكري مع فنزويلا وبوليفيا، توج بتوقيع اتفاقية تعاون عسكري وأمني بين البلدين في يوليو/تموز 2023.
وزير الدفاع الإيراني صرح عقب توقيع اتفاقية التعاون العسكري مع بوليفيا، قائلاً: “أميركا الجنوبية منطقة بالغة الحساسية وتحظى بأهمية خاصة في سياسة إيران الخارجية والدفاعية”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية “تسنيم”.
التعاون العسكري الإيراني مع بوليفيا، أثار قلقاً كبيراً في الأرجنتين، التي تتشارك حدوداً طولها نحو 800 كم معها.
أول ردود الفعل الأرجنتينية نشرتها وكالة أسوشيتيد برس بطلب الخارجية من سفارة بوليفيا في بوينس آيرس معلومات بشأن الاتفاقية بين إيران وبوليفيا، في تعبير واضح وصريح عن مخاوفها.
كما عبر وزير الخارجية الأرجنتيني خورخي فوري، من “عملاء إيرانيين في بوليفيا (…) من المرجح أن ينخرطوا في أنشطة تؤثر على الأرجنتين، بحجة التعاون في مكافحة المخدرات مع بوليفيا”.
مخاوف الأرجنتين رفضها وزير الدفاع البوليفي، قائلاً في تصريح رسمي، إنها مبالغ فيها، ومصدرها مشرع أرجنتيني من أصل إسرائيلي.
بحسب رانيا مكرم، في دراسة نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، فإن دوافع القلق الأرجنتيني من التمدد الإيراني في جارتها بوليفيا لها عدة أسباب، أبرزها:
التوجس من وجود أذرع إيرانية على حدود الأرجنتين: في ظل اشتراك الأرجنتين مع بوليفيا في حدود مباشرة تقارب 800 كيلومتر، تجد الأولى نفسها في مواجهة خطر يتمثل في احتمال وجود إيراني أمني وعسكري، على حدودها مع بوليفيا.
التحسب من رد فعل المنظمات اليهودية في أميركا اللاتينية: دخلت منظمة “DAIA” المدافعة عن اليهود في الأرجنتين، والتي تُمثل الجالية اليهودية الأرجنتينية سياسياً، على خط التحذير من عواقب التفاهم الأمني بين بوليفيا وإيران على الأرجنتين وكذلك أمن أمريكا اللاتينية؛ وذلك من خلال بيان أكدت فيه أن الاتفاق يشكل “مخاطر على أمن الأرجنتين والمنطقة ككل”.
تهديد أميركي: مثلما تتمتع أميركا اللاتينية بأهمية خاصة لدى إيران، لأنها تضم عدداً مما يمكن تسميتها بـ”الدول الثورية” التي تشترك مع طهران في مُعاداة واشنطن، وتعرضها لعقوبات أميركية؛ فإن هذه القارة بما تُمثله من تحديات تُعد منطقة مهمة للغاية للولايات المتحدة، وخلال السنوات الماضية.
يمكن قراءة التصعيد الأرجنتيني ضد إيران في إطار ضغط أميركي غير مباشر عبر الحليفة الأرجنتين على إيران، لتقويض تمددها في أميركا اللاتينية، وللضغط عليها في إطار الحصول على مكتسبات في وقف برنامج إيران النووي، وكذلك دعم إيران لفصائل محور المقاومة في المنطقة التي تشهد توترات هائلة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما خلفه من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة خلف نحو 40 ألف شهيد حتى الآن.