كتبت: سارا حسني زادة
ترجمة: علي زين العابدين برهام
في وقت يسعى فيه العالم لإعادة بناء قطاعه السياحي عقب أزمات اقتصادية وصحية متتالية، سجّلت إيران خلال عام 2024، طفرة ملحوظة في أعداد السياح الأجانب. ووفقا لأحدث تقارير وزارة التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية الإيرانية، فقد استقبلت البلاد خلال النصف الأول من العام أكثر من 4.4 مليون سائح أجنبي، بزيادة تقارب 24% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق.
وتأتي هذه الزيادة اللافتة رغم استمرار وسائل الإعلام الدولية في تقديم صورة سلبية، وأحيانا أمنية، عن إيران. إلا أن المعطيات الميدانية، والمؤشرات الاقتصادية، وآراء السياح الأجانب، تؤكد أن تجربة السفر إلى إيران تختلف كثيرا عمّا تروّجه وسائل الإعلام الغربية، ما يعكس واقعًا أكثر إيجابية وغنى ثقافيا وإنسانيا.
عوامل رئيسية وراء انتعاش السياحة في إيران
من النظرة الأولى، يمكن تحديد عدة عوامل رئيسية ساهمت في هذا النمو الملحوظ في قطاع السياحة:
- تحسّن العلاقات الدبلوماسية الإقليمية والدولية:
بعد استئناف العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في عام 2023، وتزايد التبادل السياسي والاقتصادي مع دول الخليج، أصبحت الأجواء أكثر ملاءمة لسفر المواطنين العرب إلى إيران. وقد أفاد مسؤولون رسميون بأن السياح من الدول العربية باتوا أكثر حضورًا هذا العام، لاسيما خلال المناسبات الدينية في مدينتي مشهد وقم.
- تطوير البنية التحتية السياحية:
شهدت السنوات الأخيرة استثمارات واسعة في ترميم الفنادق، وتحديث وسائل النقل، وإطلاق مبادرات السياحة البيئية، إلى جانب تطوير الخدمات الرقمية الخاصة بالسياحة. ووفقًا لما أعلنه “علي أصغر شالبافيان”، نائب وزير السياحة، فإن أكثر من 1700 مشروع سياحي قيد التنفيذ حاليا في البلاد، بإجمالي استثمارات تتجاوز 3500 تريليون ريال.
- سياسات تسهيل إصدار التأشيرات:
في عام 2024، ألغت إيران متطلبات التأشيرة لمواطني 28 دولة، وضمن ذلك العديد من دول الجوار، في خطوة بارزة لتسهيل دخول السياح. وتصدرت هذه القائمة دول مثل تركيا، وسلطنة عمان، وروسيا، والصين، والهند.
- عوائد العملة الأجنبية والمزايا الاقتصادية للسياح:
نتيجة لانخفاض قيمة الريال الإيراني، أصبحت تكاليف السفر إلى إيران أقل بكثير مقارنة بالدول المجاورة، مما جعلها وجهة جذابة وميسورة التكلفة. إذ لا تزال كلفة الإقامة، والطعام، والتنقل، والتسوق، وزيارة المعالم التاريخية في إيران من بين الأدنى في المنطقة.
الدول الأكثر إيفادا للسياح إلى إيران في عام 2024
بحسب البيانات الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني ووزارة السياحة، شكّل السياح القادمون من دول الجوار والبلدان الآسيوية الحصة الأكبر من إجمالي الزوار إلى إيران خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، وجاءت التوزيعات كالتالي:
- العراق: تصدّر القائمة بأكثر من 1.8 مليون سائح، معظمهم زاروا إيران خلال موسم الأربعين ولأغراض الزيارة الدينية في مدن مثل مشهد وقم.
- تركيا: نحو 550 ألف سائح، مسجّلة زيادة بنسبة 40% مقارنة بالعام السابق، نتيجة تسهيلات السفر وتوسيع العلاقات الثنائية.
- روسيا: نحو 350 ألف سائح، يعود ذلك جزئيا إلى إلغاء التأشيرات وتنامي التعاون الاقتصادي والسياحي.
- عُمان وقطر: أكثر من 300 ألف سائح مجتمعين، مدفوعين بعوامل الجوار الجغرافي والاهتمام المتزايد بالسياحة العلاجية.
- الصين والهند: ما يزيد عن 220 ألف سائح، ضمن وفود ثقافية وتجارية منظمة، ما يعكس تنامي التبادل الحضاري والتجاري مع شرق آسيا.
إضافة إلى ذلك، لا تزال إيران وجهة محبوبة لدى كثير من السياح الأوروبيين، لا سيما من ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والنمسا، وإسبانيا، رغم انخفاض أعدادهم مقارنة بالسنوات السابقة بسبب تعقيدات الحصول على التأشيرات والتأثير السلبي للإعلام الغربي.
الوجهات السياحية الأبرز في إيران
رغم أن طهران لا تزال البوابة الرئيسية لدخول السياح الأجانب إلى إيران، فإن معظم الزوار يختارون التوجه لاحقا إلى مدن ووجهات أكثر تنوعا وثراء ثقافيا وطبيعيا.
تتألّق أصفهان كعاصمة للثقافة الإيرانية، بجواهرها المعمارية مثل ميدان نقش جهان، مسجد الإمام، قصر عالي قاپو، وسوقها العريق، حيث تُعد محطة لا غنى عنها لعشاق الفن الإسلامي والعمارة الصفوية.
أما شيراز، فهي تحتضن عبق الشعر والتاريخ، من ضريح حافظ الشيرازي وضريح سعدي الشيرازي إلى باغ إرم وتخت جمشيد، وصولا إلى ضريح كوروش الكبير في باسارغاد، ما يجعلها وجهة مفضلة لمحبي الحضارة الفارسية القديمة.
مشهد، بدورها، تُعد القلب النابض للسياحة الدينية في إيران، حيث يشكل مرقد الإمام علي بن موسى الرضا نقطة الجذب الرئيسية، خاصة لزوار من العراق، البحرين ولبنان في المناسبات الدينية الكبرى.
يَزد، مدينة الطين والرياح، تفتن الزوار بعمارتها الفريدة، وأزقتها القديمة، وحي الزرادشتيين، ما يجعلها محط اهتمام السياح الباحثين عن تجربة ثقافية وأصالة بيئية.
وفي الشمال، تزداد جاذبية مدن مثل رشت، ماسولة ورامسر خلال الصيف، حيث يفضّلها السياح من الدول العربية وروسيا وتركيا لمناخها المعتدل، وغاباتها الكثيفة، وشواطئها الجميلة.
أما جزر قشم وكیش، فتستقطبان الزوار من روسيا، وعمان، والهند وأوروبا، مستفيدين من التسهيلات التي تمنح دخولا دون تأشيرة، إلى جانب الطبيعة الخلابة والخدمات السياحية المتطورة.
إيران كما هي.. لا كما تُصوَّر في الإعلام الغربي
تُواجه إيران منذ عقود تحديا كبيرا في تصحيح الصورة النمطية التي ترسمها وسائل الإعلام الغربية، والتي غالبا ما تروج لرؤية أمنية، تقليدية، ومقيدة عنها. وقد أثّر ذلك سلبًا على قرار العديد من السياح بزيارتها.
لكن الواقع الذي يعيشه الزوار يروي قصة مختلفة تماما. فمواقع السفر العالمية مثل Lonely Planet و Trip Advisor تعجّ بتعليقات إيجابية حول الأمن، دفء الترحيب، تنوع المطبخ الإيراني، وثقافة غنية وفريدة.
ويشارك كثير من السياح تجاربهم الإيجابية في مدونات، ومنصات التواصل، أو عبر وسائل إعلام محلية، واصفين إيران بأنها “جوهرة سياحية خفية” و”بلد رائع لم يُكتشف بعد”.
آفاق المستقبل والتحديات
رغم النمو اللافت الذي تشهده السياحة في إيران، يرى الخبراء أن هذه الصناعة لا تزال تواجه جملة من التحديات، من أبرزها: عدم الاستقرار في أسعار الصرف، وصعوبة إجراء المدفوعات الإلكترونية للزوار الأجانب بسبب العقوبات الغربية الأحادية، إلى جانب النقص في أساطيل الطيران والسكك الحديدية بما لا يفي بحاجة الأعداد المتزايدة من السياح، وقلّة الأدلاء السياحيين المتقنين للغات غير الإنجليزية، فضلا عن غياب العلامات الفندقية العالمية الكبرى.
ورغم هذه العقبات، أعلنت الحكومة عن هدفها المتمثل في جذب أكثر من عشرة ملايين سائح أجنبي بحلول عام 2027. وفي هذا السياق، كشف وزير السياحة في مارس/آذار 2025 عن إعداد حزمة دعم مالي وترويجي شاملة لتحقيق هذا الهدف الطموح.
السفر إلى ما وراء الكليشيهات
شهدت إيران خلال عام 2024، تحركا نشطا على صعيد الدبلوماسية، إلى جانب إصلاحات اقتصادية وتنمية في البنية التحتية، ما أتاح لها فرصة لتحدي جزء من الصورة السلبية التي رُسمت عنها عالميا.
وبات السياح ينقلون رواية مختلفة عمّا اعتادته وسائل الإعلام، من خلال تجاربهم في شوارع طهران المزدحمة، وأزقة يزد الترابية، والأسواق التقليدية في تبريز، أو السواحل البكر في هرمز؛ رواية عن بلد نابض بالحياة، كريم الضيافة، عميق الأسرار، يتجاوز الصور النمطية والأحكام المسبقة.