ترجمة: أسماء رشوان
تناولت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، في تقرير لها يوم الأحد 9 فبراير/شباط 2025، بالتحليل آثار اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إخلاء سكان غزة ونقل إداراتها إلى الولايات المتحدة، على الدول العربية وحتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
أشارت الوكالة إلى أنه في ظل استمرار التوترات في غزة بعد أشهر من الصراع بين إسرائيل وحماس، أثار اقتراح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن إخلاء سكان غزة ونقل إدارة المنطقة إلى الولايات المتحدة موجة واسعة من ردود الفعل الدولية. هذا الاقتراح الذي أعلنه ترامب خلال خطاب له، قوبل برفض شديد ليس فقط من الفلسطينيين والدول العربية، بل حتى داخل الولايات المتحدة، حيث أثار انقساما عميقا بين الديمقراطيين والجمهوريين.
وأضافت أن الاقتراح يتضمن عدة عناصر رئيسية، من بينها: نقل تدريجي لسكان غزة إلى دول العالم الثالث، مثل مصر والأردن، إنشاء حكومة مؤقتة تحت إشراف الولايات المتحدة في غزة، وأخيرا ضم أجزاء من المنطقة إلى إسرائيل.
وتساءلت الوكالة: هل يمكن تنفيذ مثل هذا المخطط من الناحية القانونية والسياسية والعملية؟ وكيف تفاعلت القوى الإقليمية والدولية معه؟
غزة تعجز عن الحكم الذاتي
وذكرت الوكالة أنه بحسب تقرير شبكة CNN، تستند فكرة ترامب إلى اعتقاده أن غزة، بسبب عدم الاستقرار المزمن، غير قادرة على الحكم الذاتي، وأن قوة خارجية مثل الولايات المتحدة وحدها قادرة على استعادة النظام هناك. وقد صرح ترامب خلال مقابلة مع “فوكس نيوز”، قائلا: “يمكننا تحويل غزة إلى مركز تجاري عالمي، لكن يجب أولا التخلص من هذه الفوضى”.
وأفادت الوكالة الإيرانية بأن خبراء في القانون الدولي، مثل “آن ماري سلوتر”، المديرة السابقة للتخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية، التي أشارت في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس، إلى أن هذا الاقتراح يعد انتهاكا صارخا لقرارات مجلس الأمن الدولي، خاصةً القرارين 242 و338، اللذين يؤكدان عدم شرعية ضم الأراضي المحتلة. كما أن التهجير القسري للسكان الفلسطينيين قد يُصنف كـجريمة ضد الإنسانية ويعرض المسؤولين عنه للملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وقد أعلنت أن فكرة ترحيل سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إلى دول مثل مصر أو الأردن أو حتى العراق، قد أثارت منذ البداية تساؤلات جدية. ويرى محللون سياسيون أنه حتى لو افترضنا قبول هذه الدول باستقبال اللاجئين الفلسطينيين، فإن تنفيذ مثل هذا المخطط سيتطلب ميزانية تُقدّر بمئات المليارات من الدولارات وتنسيقا دوليا غير مسبوق، وهو أمر يبدو مستبعدا في ظل الظروف الحالية.
وأشارت إلى أنه من الناحية النفسية، فإن رفض الفلسطينيين لهذا الاقتراح كان متوقعا.
وبحسب الوكالة، فقد ذكرت قناة الجزيرة في تقريرها المباشر من غزة، أن آلاف الفلسطينيين خرجوا إلى الشوارع في احتجاجات واسعة، رافعين شعار: “غزة وطننا ولن نتركها!”. كما حذر مسؤول في حماس، في مقابلة مع رويترز، قائلا: “هذا الاقتراح سيشعل نار الحرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
مقارنة ترامب المضللة
وأضافت الوكالة الإيرانية أن أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في خطة ترامب هو اقتراح “إدارة غزة من قبل الولايات المتحدة”. حيث شبّه ترامب هذا السيناريو بما حدث في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، قائلا في مقابلة مع شبكة “سي بي سي نيوز”: “يمكننا إنشاء حكومة مؤقتة كما فعلنا في ألمانيا واليابان”. غير أن محللين في مجلة “فورين بوليسي” وصفوا هذه المقارنة بالمضللة تماما، مشيرين إلى أن غزة، عكس ألمانيا عام 1945، فهي أرض محتلة والمجتمع الدولي لا يعترف بأي سيادة خارجية عليها.
وأفادت الوكالة بأنه بحسب وثائق نشرتها صحيفة واشنطن بوست، فإن إدارة منطقة مضطربة مثل غزة، حتى لو حصلت على موافقة الكونغرس الأمريكي، فستتطلب نشر عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين وتكاليف ضخمة. وهو ما اعتبره خبراء عسكريون أمريكيون “غير مقبول للرأي العام الأمريكي” في الظروف الحالية.
وأضافت أنه على الصعيد الداخلي في الولايات المتحدة، فقد جاءت ردود الفعل على خطة ترامب متباينة بشكل كبير. فقد رحب بها بعض الجمهوريين، مثل السيناتور تيد كروز، واصفا إياها بأنها “حل جريء للسلام”. في المقابل، انتقدها الديمقراطيون بشدة، حيث غردت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز قائلة: “هذه الخطة ليست فقط غير أخلاقية، بل هي أيضا مثال واضح على الإمبريالية الحديثة”.
وأشارت إلى أنه بحسب مجلة بوليتيكو، فإن الانقسامات لم تقتصر على الخط الفاصل بين الحزبين، بل ظهرت أيضا داخل الحزب الجمهوري نفسه. فعلى سبيل المثال، أعرب السيناتور ميت رومني عن قلقه من أن هذه الخطة قد تؤدي إلى تورط أمريكي أعمق في الشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته، نقل موقع يورونيوز عن مسؤولين في البيت الأبيض قولهم إن “بعض أجزاء الخطة لا تزال قيد النقاش”.
فرصة إسرائيل التاريخية
وذكرت أنه على الجانب الإسرائيلي، أفاد تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رحب بالخطة، معتبرا إياها “فرصة تاريخية لتحقيق الاستقرار”. كما أشارت مصادر إسرائيلية لـCNN إلى أن هذا الاقتراح قد يفتح الباب أمام ضم أجزاء من غزة إلى إسرائيل، وهو ما يحظى بدعم المتشددين في الحكومة الائتلافية الحالية.
وأضافت الوكالة أنه حتى داخل إسرائيل، هناك مخاوف وتحذيرات من تداعيات هذه الخطة على المدى البعيد. فوفقا لتحليل نشرته صحيفة هآرتس، نقلا عن خبير بارز في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، فإن “إدارة غزة من قبل الولايات المتحدة قد توفر ذريعة جديدة للمقاومة الفلسطينية وتزيد من الهجمات ضد إسرائيل”.
دور الدول العربية
وأفادت الوكالة بأن الدول العربية بدورها رفضت خطة ترامب بشكل شبه موحد. فقد أعلنت مصر، التي تتشارك الحدود مع غزة، في بيان رسمي، أن “أي محاولة لنقل الفلسطينيين إلى صحراء سيناء تُعد انتهاكا للسيادة الوطنية المصرية”. كما حذر الأردن، الذي يستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين، من أن هذه الخطة تمثل “خطا أحمر”.
وذكرت أن دول الخليج قد تبنّت مواقف متباينة، حيث دعت الإمارات، ترامب إلى “تجنب تلك الأفكار الخطيرة”. بينما التزمت السعودية، بحسب ما ذكرته مجلة فورين بوليسي، الصمت حيال الخطة، ربما في إطار تكتيك دبلوماسي مرتبط بمفاوضات التطبيع مع إسرائيل.
وأضافت أن هذه الخطة يبدو أنها أقرب إلى أن تكون خطوة سياسية تهدف إلى استقطاب دعم اليمين المتطرف في انتخابات 2024 الأمريكية، أكثر من كونها حلا عمليا قابلا للتنفيذ. وكما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تحليلها: “تنفيذ هذه الخطة يتطلب إجماعا دوليا، وهو أمر غير متوافر في عالم اليوم المنقسم”.
واختممت الوكالة الإيرانية تقريرها، بذكر أن مجرد طرح مثل هذه الأفكار يعكس تحولا خطيرا في الخطاب السياسي الأمريكي، حيث يتم تطبيع مفهوم التهجير القسري وإحياء سياسات استعمارية كانت قد تلاشت في العصر الحديث. وكما حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قائلا: “غزة ليست مختبرا للسياسات العالمية؛ بل هي موطن لملايين البشر الذين يملكون حق تقرير المصير”.