كتب: محمد بركات
بعد سنوات من الشراكة الاستراتيجية التي جمعت تركيا وإيران، أصبحت لكلتا الدولتين مصالح مختلفة، فرغم أن سوريا كانت أهم مواضع الخلاف بين البلدين منذ اندلاع الأزمة هناك في العام 2012، فإن كلا الطرفين كان يدير المعركة بشيء من الدبلوماسية، إلى أن سقط النظام السوري وبدأت حرب باردة بين الطرفين ظهرت علامتها في قرارات اقتصادية متبادلة، وربما تزيد تلك العلامات بمرور الوقت.
حيث قامت الحكومة التركية في 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، بإلغاء الإعفاء الضريبي على الوقود بمقدار حجم الخزان القياسي للشاحنات الإيرانية وذلك حسب نص لقانون نُشر في الجريدة الرسمية التركية.
وقد اتخذت الحكومة التركية هذا القرار في أعقاب المبادرة التي أطلقتها وزارة النفط الإيرانية في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 تحت اسم الخزان الممتلئ لمنع تهريب الوقود، والتي وفقا لها يتوجب على الشاحنات التركية عند مغادرتها إيران، سواء كانت خزاناتها ممتلئة أو فارغة، دفع ضريبة جمركية تعادل سعة الخزان.
وخلال السنوات الماضية، كانت الشاحنات الإيرانية معفاة من الضرائب والرسوم الجمركية عند دخول تركيا، ولكن مع إلغاء هذا الإعفاء، أصبحت الآن ملزمة بدفع ضريبة تعادل سعة خزان الوقود الخاص بها.
وتم تحديد قيمة هذه الضريبة بنسبة 155% من الضريبة الخاصة على المستهلك في تركيا، وتقدر هذه الضرائب بما يتراوح بين 60 و90 مليون تومان، بين 0.7 و1.1 دولار أمريكي، دون الحصول على أي وقود إضافي، وفي الوقت نفسه، لا يزال الإعفاء الضريبي على الوقود للحافلات السياحية ذات اللوحات الإيرانية ساريا.
وفي أعقاب هذا القرار وصل سعر لتر وقود الديزل للسائقين الإيرانيين إلى أكثر من 60 ألف تومان، ما يعادل 0.7 دولار أمريكي.
في هذا السياق، كتب حسين سلاح ورزي، الناشط الاقتصادي والرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية، على حسابه بمنصة إكس، الخميس 2 يناير/كانون الثاني 2024، معلقا على هذا القرار: “بسبب القرار المفاجئ للحكومة التركية بإلغاء الإعفاء الضريبي على وقود شاحنات النقل الإيرانية، توقفت الصادرات والواردات عبر الحدود التركية منذ نحو أسبوع، هذا القرار أدى إلى معاناة مئات الشاحنات وسائقيها الذين باتوا عالقين ومتروكين في البرد الشديد دون أي حل واضح”.
وأكمل سلاح ورزي: “من الضروري أن تتجاوز وزارة الخارجية والجهات المعنية الخلافات المتعلقة بسوريا، وأن تتابع هذا الموضوع من خلال التفاوض مع الجانب التركي لإيجاد حل لهذه المشكلة”.
الرد الإيراني
ردا على تلك الإجراءات، قامت إيران بوقف تزويد الشاحنات التركية بالوقود اعتبارا من يوم 4 يناير/كانون الثاني 2025، مما أثار احتجاجات شديدة من قبل سائقي الشاحنات الأتراك.
ففي فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي، انتقد أحد السائقين الأتراك سياسات الحكومة التركية قائلا: “إن زيادة أسعار الوقود للسائقين الإيرانيين من قبل الحكومة التركية أدى إلى توقف إيران عن تزويد شاحناتنا بالوقود، مما سيضع ضغطا ماديا كبيرا علينا”.
مبادرة الخزان الممتلئ
جاءت هذه التغييرات في أعقاب تطبيق مبادرة الخزان الممتلئ في إيران، والتي بموجبها يتوجب على الشاحنات التي تغادر البلاد ملء خزانات الوقود الخاصة بها أو دفع تكلفة تعادل ذلك.
وتهدف هذه المبادرة إلى مكافحة تهريب الوقود والسيطرة على توزيع الوقود في المناطق الحدودية، ولكن يبدو أنها أثارت رد فعل تركيا.
إجراءات متبادلة في ظل خطط توسيع التبادل التجاري
تأتي تلك القرارات في الوقت الذي يسعى فيه البلدان إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، حيث صرح علي تشليك، محافظ بلدة حكاري التركية، خلال الاجتماع السابع للتعاون المشترك بين المحافظات الحدودية للبلدين، والذي أقيم في 4 أكتوبر/كانون الأول 2024، بأن الهدف بين إيران وتركيا هو زيادة حجم التبادل التجاري إلى 30 مليار دولار، موضحا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يتراوح بين 7.5 و10 مليارات دولار.
كما أكد تشليك أن المحافظين في المناطق الحدودية يلعبون دورا رئيسيا في تحقيق هذا الهدف، وأن الاجتماعات السنوية تُعقد لتعزيز التعاون، وشدد حينها على ضرورة تحديث المعدات الجمركية والأسواق الحدودية وتحسين أوضاع الجمارك لتسهيل حركة المسافرين والتبادل التجاري، مشيرا إلى أن الهدف الرئيسي لهذه الاجتماعات هو إزالة العقبات وتطوير العلاقات بين البلدين.
تداعيات القرار على السائقين الإيرانيين
نتيجة لهذه الإجراءات، واجه السائقون الإيرانيون معاناة كبيرة بسبب الانتظار الطويل على الحدود والتكاليف الإضافية المفروضة عليهم، وقد طالبوا بحل هذا الوضع سريعا لإعادة حركة النقل التجاري بين الدولتين.
فقد صرح أحد سائقي الشاحنات الإيرانيين العالقين على الحدود بين إيران وتركيا: “نحن سائقي الشاحنات الإيرانية العابرين، عالقون على الحدود التركية منذ ثلاثة أيام. هذا الوضع ناجم عن تطبيق مفاجئ لقانون أصدرته الحكومة التركية، يقضي بفرض غرامةٍ قدرها 1500 دولار على كل شاحنة إيرانية تعبر الحدود”.
وأكمل: “نحن نعاني منذ ثلاثة أيام، من ظروف قاسية تشمل الثلوج، والبرد القارس، والطين، دون أي خدمات أو مرافق متوافرة لنا. لا توجد جهة مسؤولة تستجيب لمشاكلنا أو توجهنا بشأن ما إذا كان بإمكاننا متابعة طريقنا أو العودة. نناشد رئيس الجمهورية، وزير الداخلية، ومسؤولي النقل والترانزيت التدخل السريع لحل هذه الأزمة وتقديم إجابة واضحة لإنهاء معاناتنا”.
في حين قال سائق آخر: “لقد ألغت الحكومة التركية الإعفاء الضريبي على وقود الديزل فقط للشاحنات الإيرانية، ويوجد الآن نحو 100 شاحنة إيرانية متوقفة على الحدود بين البلدين، ولا توجد أي جهة مسؤولة تقدم حلولا لهذه الأزمة”.
وتابع: “لقد أوضح المسؤولون الأتراك أن حل المشكلة يتطلب متابعة وتنسيقا من قبل السلطات الإيرانية. وفي الوقت نفسه، السائقون الإيرانيون عالقون بلا توجيه واضح، حيث يتوجب على كل شاحنة دفع غرامة تتراوح بين 1000 و2000 يورو، وهي غرامة لا تنطبق إلا على الشاحنات الإيرانية. يعاني السائقون من البرد القارس دون أي دعم، وما زالوا يواجهون هذه الظروف الصعبة وحدهم”.
هل تسلك إيران مسار روسيا نفسه؟
عقب إصدار هذا القرار وتداعياته على قطاع التجارة الإيراني، علق بعض الخبراء على الخيارات التي في يد إيران للرد على الجانب التركي، ومنها ما نفذته روسيا بالفعل أمام تركيا منذ بضع سنوات.
فبعد أن قامت الدفاعات الجوية التركية بإسقاط طائرة عسكرية روسية بالأجواء السورية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ردت روسيا بحظر دخول السياح الروس إلى تركيا، والذين كانوا يشكلون النسبة الأكبر من السياح الوافدين إليها.
هذا الإجراء دفع تركيا إلى تغيير لهجتها بشكل كبير، وفي نهاية المطاف، اضطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتنتهي الأزمة باعتذار تركي رسمي.
وبحسب الخبراء، فإن اعتماد تركيا الكبير على عائدات السياحة يمكن أن يكون أداة ضغط فعالة في التعامل معها، وهي أداة لم تُستخدم حتى الآن على الإطلاق.
جدير بالذكر أن قطاع السياحة التركي يستفيد بنحو 3 مليارات دولار سنويا من السياحة الإيرانية.
فوفقا لإحصائيات وزارة السياحة التركية، فقد زار مليونا و755 ألف إيراني مختلف المدن التركية خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، مما يمثل زيادة بنسبة 40% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في حين وصل عدد السياح الإيرانيين الذين زاروا تركيا خلال العام 2024، إلى نحو 3 ملايين سائح.