كتب: ربيع السعدني
“إيران تريد سحب مليارات الدولارات من الأصول المجمدة الإيرانية في إحدى الشركات التابعة لبورصة ألمانيا”.. تقرير جديد لمجلة “دير شبيغل” الألمانية نُشر يوم الخميس 6 مارس/آذار 2025. كشف التقرير، نقلاً عن مصادر مالية مطلعة، أن القيمة الأولية لهذه الأصول الإيرانية المجمدة تقدر بنحو 4.9 مليار دولار.
وأشار التقرير إلى أن جزءا من هذه الأصول يعود إلى البنك المركزي الإيراني ويتم الاحتفاظ بها لدى شركة “كلير ستريم” في لوكسمبورغ، وهناك جزء آخر تتم إدارته عبر بنك إيطالي. ومنذ عام 2008، قامت شركة “كلير ستريم” (Clearstream) بتجميد جميع الحسابات المرتبطة بالبنك المركزي الإيراني، حيث هددت واشنطن هذه الشركة بتطبيق العقوبات.
حاجة إيران المُلحة للعملة الأجنبية
وفقا لـ“دير شبيغل”، يعتقد الخبراء في الأمن الدولي أن طهران بحاجة ماسة للعملة الصعبة؛ لتمويل قواتها المسلحة وتسليح حزب الله اللبناني، كما أن الحكومة الإيرانية ملزمة بالوفاء بالتزاماتها تجاه الصفقات العسكرية مع روسيا، ومنذ تمويل الميزانية العسكرية لإيران بالكامل من الموارد الحكومية، يتم تخصيص جزء من إيرادات النفط لهذا القطاع، لكن العقوبات الدولية قد وضعت تحديات كبيرة أمام مبيعات النفط الإيرانية.
وفي هذا السياق، فرضت الولايات المتحدة مؤخرا عقوبات على شبكة من الشركات الوهمية التي كانت تُستخدم للتهرب من العقوبات النفطية المفروضة على إيران، وتستهدف كيانات وأفرادا في الصين والهند والإمارات العربية المتحدة، فضلا عن عدة سفن، ووفقا لوزارة الخزانة الأمريكية سهلت الشبكة شحن ملايين البراميل من النفط الإيراني بقيمة مئات الملايين من الدولارات إلى الصين.
وكما نشر موقع “finanznachrichten” المالي المتخصص بالأسواق المالية، نقلت “دير شبيغل” عن دوائر أمنية دولية، فإن طهران تحتاج بشكل عاجل إلى العملات الأجنبية لتمويل قواتها المسلحة التي هي بحاجة إلى المال لتجديد مخزوناتها وتمويل حزب الله، وسيتعين أيضا الوفاء بالالتزامات المترتبة على صفقات الأسلحة مع روسيا، ومن أصل الخمسة مليارات دولار الأصلية، بحسب التقرير، تم تحويل نحو 1.9 مليار دولار إلى حساب في الولايات المتحدة منذ فترة لتلبية مطالب الضحايا والناجين من الهجوم في بيروت. وبعد مزيد من التدفقات الخارجية، لا يزال هناك 1.7 مليار دولار في حسابات “كليرستريم” يمكن أن تعود إلى طهران.
تحرير الأرصدة المجمدة في الصين
وعلى الرغم من هذه القيود، ووفقا لتقرير “دير شبيغل” الألمانية، فقد تمكنت إيران في بداية عام 2025 من تحقيق نجاح كبير، وكانت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية المستقلة “إيسنا” قد أفادت في وقت سابق من العام 2023، نقلا عن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، بأن الحكومة الإيرانية نجحت في تحرير ما يقرب من ملياري دولار (1.7 مليار دولار) من النقد الأجنبي لدى معهد “كليرستريم” لوكسمبورغ، كما نجحت طهران في شحن نحو 3 ملايين برميل نفط من موقع تخزين في الصين لاستخدامها في زيادة قوتها الرادعة بالشرق الأوسط وتوسيع قوتها ونفوذها بالمنطقة، وبعد هذا النجاح، تسعى الحكومة الإيرانية الآن لتحرير مليارات الدولارات المتبقية من الحسابات المجمدة في أوروبا.
دعوى قضائية لاسترداد 4.9 مليار دولار
ورفع البنك المركزي الإيراني دعوى قضائية في عام 2018 ضد شركة “كلير ستريم” وهي جزء من مجموعة “يورو كلير” (Euroclear)، وتعمل على تسهيل العمليات المالية عبر الحدود، لتحرير 4.9 مليار دولار من الأصول المجمدة مع الفوائد، لكن تقارير سنوية لبورصة ألمانيا تُظهر أن هذه الشركة لا تعتقد أن هناك فرصا كبيرة لنجاح الحكومة الإيرانية في هذه القضية القانونية، ووفقا لبعض المصادر الإيرانية، فإن نحو 1.7 مليار دولار من هذه الأصول لا تزال محتجزة لدى شركة “كلير ستريم”.
أهم الأصول الإيرانية المجمدة
في الوقت الحالي، ووفقا لموقع “اقتصاد أونلاين” تشمل الأصول والممتلكات الإيرانية الرئيسية التي قامت الولايات المتحدة بحظرها، ما يلي:
- تم استثمار نحو 1.9 مليار دولار من الأصول المملوكة للبنك المركزي الإيراني بحساب في سيتي بنك بواسطة صندوق التداول في البورصة Clearstream ومقره لوكسمبورغ، وقال مسؤولون أمريكيون إن شركة كليرستريم متهمة بالسماح لهذه الموارد بالوصول إلى النظام المالي الأمريكي، وقد تم تحويل نحو 1.67 مليار دولار من هذه الأموال إلى لوكسمبورغ عن طريق شركة كلير ستريم، وتعتبر بعض المؤسسات القضائية في لوكسمبورغ أن التعامل معها يقع خارج نطاق الولاية القضائية الأمريكية.
- كما تم الاستيلاء على بعض الممتلكات الدبلوماسية الإيرانية في الولايات المتحدة، وتقدر قيمتها بنحو 50 مليون دولار ومن بينها السفارة الإيرانية السابقة في واشنطن العاصمة (في عهد محمد رضا شاه) و10 عقارات أخرى.
- تمت مصادرة ممتلكات جمعية آسا الخيرية المسجلة بإنجلترا في عام 2009 بسبب ارتباطها بمؤسسة علوي. وبأمر من المدعي العام للمنطقة الجنوبية من نيويورك وبموجب حكم قضائي صدر في يونيو/حزيران 2017، تم نقل ممتلكات المؤسسة في مدينة نيويورك إلى الولايات المتحدة.
منع طهران من الوصول للنظام المالي العالمي
على صعيد آخر وتزامنا مع تقرير مجلة “دير شبيغل” الألمانية عن محاولات إيران الوصول إلى مليارات الدولارات من الأصول المجمدة، تدرس الولايات المتحدة خطة لتعطيل النفط الإيراني عبر إيقاف السفن في البحر، حيث أكد سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكي، أن واشنطن ستمنع وصول الحكومة الإيرانية إلى النظام المالي العالمي، وأضاف: “سوف نغلق قطاع النفط وقدرات إيران على إنتاج الطائرات المسيرة”، وأكد أنه “إذا كان الأمن الاقتصادي هو نفسه الأمن القومي، فإن الحكومة الإيرانية لن تحقق أيا منهما”،
وهدد بيسنت طهران: “سنقوم بحظر وصول الحكومة الإيرانية إلى النظام المالي الدولي، من خلال استهداف الأطراف الإقليمية التي تسهل نقل الإيرادات، والولايات المتحدة ملتزمة باستهداف أي محاولة من جانب إيران لتأمين التمويل لهذه الأنشطة الخبيثة بشكل عدواني”، واتهم وزير الخزانة الأمريكي إيران في بيان أصدره الخميس 6 مارس/آذار 2025، باستخدام عائداتها النفطية لتمويل تطوير برنامج نووي وإنتاج صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار ودعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، وقالت إيران إنها لا تسعى إلى تصنيع أسلحة نووية.
وأعلن وزير الخزانة الأمريكي، الذي كان مديرا للاستثمار العالمي سابقا، أن “إعادة إفلاس إيران سيمثل بداية لسياستنا الجديدة في فرض العقوبات”، وأضاف: “لو كنت إيرانيا، لسحبت كل أموالي من الريال الآن”.
سياسة الضغط الأقصى
وكان دونالد ترامب قد أصدر سابقا أمرا تنفيذيا لاستئناف سياسة الضغط الأقصى على إيران، وأمر وزارتي الخزانة والخارجية الأمريكيتين بأن تعملا على تقليص صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر. ومنذ ذلك الحين، زادت إدارة ترامب من الضغوط على إيران من خلال فرض عقوبات جديدة أو إلغاء الاستثناءات من العقوبات، بهدف القضاء على موارد دخل الحكومة واستخدام هذه الموارد في البرامج النووية والصاروخية، فضلا عن تعزيز القوات الوكيلة لإيران في المنطقة.
تصريحات عدائية
ومن جانبه وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، تصريحات وزير الخزانة الأمريكي بشأن استمرار سياسة الضغوط القصوى ضد الشعب الإيراني، بأنها إشارة واضحة إلى استمرار عداء صناع السياسة الأمريكية تجاه الشعب الإيراني، واعتراف واضح من المسؤول الأمريكي بخرق القانون وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
واعتبر بقائي سياسة الضغط والترهيب الأمريكية الفاشلة ضد طهران، حسبما نشرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا“، يوم الجمعة 7 مارس/آذار 2025، تعد انتهاكا واضحا لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، قائلاً: “إن اختبار المجربين خطأ، وصناع القرار الأمريكيون لن يصلوا إلى نتيجة مختلفة عما وصلوا إليه حتى الآن من خلال تكرار السياسات الخاطئة نفسها”، وأوضح أن “الأمة الإيرانية ستواصل تعزيز قدراتها في مختلف المجالات، وسترد على أي ضغوط غير قانونية ولا إنسانية بالمقاومة والاستقرار”.