كتب: محمد علي
انتشرت في الآونة الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي قصة لسارق هواتف في شارع الأستاذ محمد معين بالعاصمة الإيرانية طهران، وذلك عن طريق مقاطع فيديو مصورة له أثناء تأدية عمليات السرقة، وما أن انتشرت تلك المقاطع حتى صارت القصة كالنار في الهشيم يتحدث عنها الكبير والصغير، وانهالت التعليقات من رواد المواقع، فمنهم من ينتقد شرطة العاصمة ورئيسها لتفشي السرقة والنشل بالشوارع، ومنهم من أبدى إعجابه بمهارة وخفة يد السارق في تنفيذ جرائمه، وبين هذا وذاك تحولت القضية إلى قضية رأي عام، مما استدعى تدخل كل الأجهزة المعنية لإعادة الأمور إلى نصابها، فما القصة وراء قضية آرسن لوبين طهران؟
البداية:
حسب تقرير نشره موقع تجارت نيوز الإيرانية بتاريخ 17 أغسطس/ آب، فقد بدأ الأمر عندما حصلت جريدة نادي الصحفيين الشبان يوم الأربعاء 14 أغسطس/ آب على مقطع فيديو لسرقة هاتف محمول من شارع أستاذ معين بطهران. ووفقاً لما ذكره الضحية، فقد حدثت السرقة صباح يوم الخميس 8 أغسطس/ آب.
في اليوم التالي، وبينما كان هذا الفيديو ضمن الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أرسل أحد متابعي الجريدة، من خلال التواصل مع هيئة تحرير الشؤون المدنية بالجريدة، مقطع فيديو لسرقة هاتفه في 26 يونيو/حزيران بواسطة نفس السارق، مع الفارق أن هذه المرة، اختار السارق منطقة جيشا في طهران لسرقة الهاتف.
الأمر اللافت للانتباه من الوهلة الأولى هو أنه على الرغم من وجود فاصل زمني يقارب العام بين السرقات، إلا أن السارق نفذ كلتا السرقتين بنفس الشكل والمظهر، بل حتى بنفس الحذاء والقبعة. إضافة إلى ذلك، وقعت كلتا السرقتين في حوالي الساعة العاشرة صباحاً أمام بنك صادرات.
وانتشر مقطع الفيديو لهذه السرقة بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي، وحقيقة أن سارق شارع أستاذ معين قد نفذ سرقاته أيضاً في منطقة جيشا في طهران قبل عام بنفس الحذاء والقبعة قد أثارت المزيد من ردود الفعل المتعجبة من المستخدمين.
لكن القصة لم تنتهِ هنا! فبعد نشر الفيديو الأولي بيومين، وبعد يوم من نشر الفيديو الثاني، نشرت صفحة جريدة جام جم على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو آخر لسرقة هاتف قام بها هذا السارق في شارع سيد جمال الدين أسد آبادي في حي يوسف آباد في طهران، وبعد ساعات فقط، تم نشر الفيديو الرابع له وهو يسرق هاتفاً في شارع دماوند!
في مقطعي الفيديو الآخرين، كان السارق، كما في الفيديوهات السابقة، يغطي وجهه بقناع أبيض، ويرتدي بنطال جينز وقميصاً بأكمام طويلة، وحذاءً رياضياً بنعل أبيض، وقبعة شهيرة تحمل علامة بيضاء كبيرة، ومن طريقة تنفيذه لسرقاته فقد أطلق عليه البعض آرسين لوبين طهران، وآرسين لوبين أو اللص الظريف هي شخصية ابتكرها الكاتب الفرنسي موريس لوبلان، وهي شخصية لص يقوم بتنفيذ جرائمه بطريقة طريفة.
كذلك فالنقطة الجديرة بالاهتمام هي أن هذا السارق لم يحدد منطقة جغرافية معينة كنطاق لنشاطه، حيث أظهرت الفيديوهات المختلفة أنه يسرق في كل مرة في منطقة مختلفة من طهران، وربما يكون أحد الأسباب التي تجعله لا يزال بعيداً عن قبضة رجال الشرطة، رغم تنقله في شوارع العاصمة، هو هذا التغيير المستمر لمكان سرقاته.
القبض على آرسين لوبين:
أدى انتشار مقاطع الفيديو الخاصة بهذا السارق إلى إظهار أجهزة الشرطة بالعاصمة بصورة سيئة أمام المواطنين، مما دفع العميد عباس علي محمديان، قائد شرطة العاصمة، لكي يخرج ويعد سكان طهران بأن هذا السارق سيتم القبض عليه قريباً، وفق تقرير وكالة إيسنا.
وفي يوم الأربعاء 28 أغسطس/ آب، نشرت وكالة أنباء إيسنا الإخبارية، نقلاً عن المركز الإعلامي التابع لشرطة طهران، عن اعتقال سارق الهواتف الشهير في شارع أستاذ معين. وقال العقيد بابك نمك ‑شناس، رئيس المركز الإعلامي لشرطة العاصمة، إن التفاصيل الإضافية حول هذا الموضوع ستنشر قريباً.
في حين أعلن العميد سعيد منتظر المهدي، المتحدث باسم قوات الشرطة، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن عدد هؤلاء السارقين كان أربعة أشخاص.
ما هي العقوبة التي تنتظر سارق الهواتف؟
صرح سيد مهدي حجتي، الناشط الحقوقي والمحامي، في حديثه مع وكالة إيرنا الإخبارية الإيرانية حول وضع سارق الهواتف في شارع أستاذ معين بطهران القانوني قائلاً: قبل تعديل المادة 104 من قانون العقوبات الإيراني، وبموجب قانون تقليص الحبس التعزيري، كانت عقوبة سرقة الحقائب والهواتف المحمولة، في حالة كانت قيمة المال المسروق أقل من 20 مليون تومان (384 دولار) وكان السارق بدون سجل إجرامي سابق، تعتبر جريمة قابلة للتنازل، وكانت العقوبة تُخفّف إلى النصف، أي من سنة إلى خمس سنوات لتصبح من 6 أشهر إلى سنتين ونصف سجن. واعتيادُا، كان يحدث تراضي بين السارق والمشتكي الذي كان يسعى فقط لتعويض خسائره، ويتم الإعلان عن قيمة المال المسروق بأقل من قيمته الحقيقية وأقلَّ من 20 مليون تومان، حتى يُغلق الملف بتنازل المشتكي.”
وأضاف: ” أما مع تعديل هذه المادة القانونية في مارس من هذا العام، فقد أصبحت هذه الجريمة، بغض النظر عن قيمة المال المسروق، من الجرائم غير القابلة للتنازل، وزادت عقوبتها مرة أخرى إلى 1 إلى 5 سنوات سجن.
وأضاف حجتي، مشيراً إلى أنه في قضية سرقة الهواتف الخاصة بسارق شارع أستاذ معين، يجب معرفة ما إذا كان السارق قد لجأ إلى استخدام القوة والعنف ضد الضحايا أثناء السرقة أم لا، قائلاً: “إذا ارتكب السارق أعمال عنف واستخدم القوة ضد الضحية أثناء السرقة، وكانت السرقة تُعد من حالات السرقة المقرونة بالعنف، فقد يواجه عقوبة تصل إلى 10 سنوات سجن.
أما إذا اقتصر الأمر على سرقة الهواتف فقط، فستكون عقوبته من 1 إلى 5 سنوات سجن ورد المال إلى الضحية. وفي هذه الحالة، وبما أن المتهم قد ارتكب جرائم متعددة وحسب الأخبار المنشورة تجاوزت جرائمه ثلاث حالات، يمكن للمحكمة وفقاً للقواعد الحاكمة على تعدد الجرائم أن تشدد العقوبة وتفرض عليه أكثر من 6 سنوات سجن باعتباره “أرسين لوبين” العاصمة.