ترجمة: شروق السيد
بعد إطلاق قناة TRT التركية الناطقة بالفارسية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول2024، اهتم الإعلام الإيراني بمواكبة هذه الخطوة وتسليط الضوء على تداعياتها، إذ نشر موقع “خبر أونلاين” تقريرا في 19ديسمبر/كانون الأول2024، ناقش فيه الجدل حول أداء الإعلام الإيراني في مواجهة المنافسة الإقليمية.
أشار التقرير إلى أن التلفزيون الرسمي الإيراني (صدا وسیما) وهيئة تنظيم الإعلام (ساترا) يخوضان صراعا ضد المنصات الرقمية؛ سعيا لتقييد نشاطاتها.
وفي ظل هذه القيود فإن شبكة TRT تبرز كمنافس قوي لا يمكن إيقافه.
وتابع: شبكة TRT، التي تُعرّف نفسها بأنها «الهيئة الوطنية للإذاعة والتلفزيون في تركيا»، أطلقت قسمها الناطق باللغة الفارسية وحددت هدفها كما يلي: «في عالم اليوم، حيث يعني الحفاظ على اللغات الحفاظ على التاريخ والهوية والثقافات، وحيث إن الوصول إلى المعلومات هو حق لكل فرد، تسعى TRT Farsi إلى تقديم تحليلات وآراء جديدة ودقيقة لجمهورها الناطق بالفارسية، خاصةً في المجالات العالمية والدولية».
وأضاف: ما من مشكلة في إطلاق قنوات تلفزيونية ناطقة بالفارسية من دولة إقليمية لجذب المشاهد الإيراني، لكن المشكلة تكمن في أن التلفزيون الإيراني غير قادر على إطلاق قناة واحدة لجذب الإيرانيين، فضلا عن مخاطبة المشاهدين خارج إيران.
وتابع: والأسوأ من ذلك، أنها ضيّقت الخناق على أي محاولات داخلية للنهوض بالمشهد الإعلامي، ومع ذلك، بعيدا عن هذه النظريات الضيقة، هناك بعض النقاط التي تستحق التأمل والدراسة.
الفرص والأوقات الضائعة
وتابع: لإطلاق شبكة تلفزيونية تحمل رؤية كما تعرّف نفسها: «في TRT الفارسية، قراءة الأخبار أو سماعها أو مشاهدتها ليست سوى بداية الطريق…»، كان من الضروري إعداد البنية التحتية التقنية والقوى البشرية مسبقا.
ولجمع هذا الفريق، كان لا بد من إجراء اختيارات من بين الناطقين بالفارسية لإنتاج جزء من البرامج، ولكن قبل ذلك، كان على المفكرين وصناع القرار عقد اجتماعات متعددة لمراجعة الاحتياجات الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية.
وأضاف: وبعدها، قام المخططون بتحويل الفكرة الأساسية إلى خطة قابلة للتنفيذ، مع تقدير التكاليف والميزانيات اللازمة للأعوام الثلاثة إلى الخمسة الأولى، بحيث يتمكنوا من تشغيل هذه الشبكة داخل مبنى معين، وإنتاج البرامج الحية والمسجلة وإرسالها عبر الأقمار الصناعية لتصبح قابلة للمشاهدة على شاشات التلفزيون، الحد الأدنى للوقت الذي استُثمر في هذه العملية هو ثلاث سنوات.
وتابع: حتى هذا الموقع البسيط لـTRT الفارسية، الذي يبدو مشابها لموقع قنوات مثل “بي بي سي فارسي”، احتاج إلى توظيف فريق من الصحفيين والمترجمين والمحللين والمحررين والمديرين في المناصب العليا.
وأضاف الموقع: وخلال السنوات الثلاث لإطلاق القناة، إذا كان بيمان جبلي ووحيد جليلي، المسؤولان عن إدارة الإعلام الوطني، يجهلان أن دولة صديقة ومجاورة كانت تخطط لإطلاق شبكة إعلامية مشابهة، رغم تاريخ تعاونها مع مستثمرين إيرانيين في ترجمة ودبلجة المسلسلات التركية لجمهور واسع، فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يشغلان مناصب قيادية في هذا المجال؟
وتساءل قائلا: وإذا كانا يعلمان ولم يعدا أي خطة ولم يبذلا أي جهد سوى بث الإعادات المكررة وإنتاج أربعة مسلسلات لا يعرف الناس حتى مواعيد عرضها بدقة، فما الذي يفعلانه في تلك المؤسسة بالضبط؟
الجدران السياسية
وأضاف الموقع الإيراني: بينما كانت الدول المجاورة تخطط لإطلاق قنوات ناطقة باللغة الفارسية لأي غرض، حتى لو كان بنوايا حسنة، ماذا فعل السادة في سبيل نشر الثقافة الإيرانية التي تتجاوز الناطقين بالفارسية وتمتد في آسيا؟ لم يفعلوا سوى بناء جدران عقائدية وأيديولوجية داخلية ضد المنافسين والأعداء المفترضين.
وتابع: لم يقدموا سوى وصاية على الشعب ونظرة متعجرفة غير مجدية تجاه أمة تدفع المال لتجاوز الرقابة، فتخترق جدار الحجب بسهولة (ولو مع تأخير بسيط)، لترى النسخة الأصلية غير الخاضعة للرقابة مما تحاولون أن تخفوه.
وتساءل قائلا: إلى متى ستستمرون في إنتاج محتوى يخضع للحذف والرقابة، بينما النسخ الأصلية غير المقيّدة متاحة للجميع؟ لماذا تُستبدل وقائع المهرجانات والمباريات العالمية بمشاهد مصطنعة، ويُكرَّر الهدف لتجنب عرض فرحة الجمهور؟ إذا كان كل هذا الجهد يُبذل للمنع، فلماذا لا تُفسحون المجال للإبداع بدلا من الغرق في سياسات تُحرجكم أمام العالم؟
الإنجاز الوحيد الذي وصل إلى مسامع الناس خلال هذا الوقت كان إلغاء البرنامج الحواري وغير الخاضع للرقابة “شیوه”، وكان يجذب حتى أنصار التيارات السياسية المحلية.
وأضاف الموقع: بسبب صراحة بعض الضيوف، كانت تصريحاتهم تنتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، إلغاء هذا البرنامج، الذي لم يكن له بديل، أثبت أن أروقة السلطة لا تتحمل أي كلمة واضحة أو مريرة، بل تسارع لإسقاط كل ما يتعارض معها.
وتابع: من جهة أخرى، هناك العديد من برامج التلفزيون والإذاعة التي يديرها من يُطلق عليهم “حمقى النظام” (وهو التعبير الذي استخدمه أحد صانعي البرامج للإشارة إلى نفسه قبل أن يعود للعمل في التلفزيون)، وذلك لإنتاج برامج مملة للغاية ذات حد أدنى من الجمهور، ما يؤدي إلى هدر المليارات من ميزانية الدولة.
وأضاف: أما حصاد هؤلاء المسؤولين، فلا شيء ملموسا، ومع ذلك، يتباهون بأرقام حول تأثير قنوات مثل “برس تي في” و”العالم” في العالم وفي الدول العربية والإسلامية، دون أن يقدموا أدلة حقيقية على هذا التأثير.
انهيار سوريا
وتابع: إن التزامن اللافت بين بدء عمل قناة TRT التركية بعد أحداث سوريا وهروب رئيسها، وحالة الفراغ التي يعاني منها الإعلام الإيراني والمؤسسات الثقافية، مع انشغال المجلس الأعلى للثورة الثقافية بكتابة قوانين غريبة والإصرار على حجب المواقع الإلكترونية، يظهر بوضوحٍ أن المسؤولين بعيدون تماما عن الواقع العالمي.
وأضاف: إنهم لا يدركون التأثير الثقافي والسياسي عندما يرى الناس أن جارتهم السعودية تخطط لعشر سنوات مقبلة لاستضافة كأس العالم في مدينة لا تزال الرمال المتحركة تهيمن عليها، بينما في إيران، عليهم مراقبة الساعة في أواخر الخريف وبداية الشتاء لضمان عدم انقطاع الكهرباء، الذي يعني أيضا انقطاع المياه وتحمُّل البرد القارس.
وتابع: يبدو أن المسؤولين غافلون تماما عن حالة الإرهاق التي أصابت الشعب من النزاعات التي تبدأ فور جلوس حكومة غير متوافقة مع سياساتهم على كرسي السلطة، رغم أن الحكومة تمثل جزءا صغيرا من السلطة الكاملة.
وأضاف: يبدأ النزاع مباشرة، ويتم استنفار المنتقدين لتحميل الحكومة الجديدة كافة الأخطاء، رغم أنها لم تكمل حتى فصلا واحدا منذ تشكيلها ولم تتح لها الفرصة بعد لارتكاب الأخطاء المدمرة نفسها للحكومات السابقة.
هذه النزاعات غير المثمرة لم تعد تستقطب أي جمهور، والتقارير التي تفتقر إلى أي مضمون أصبحت فاقدة للقيمة حتى كمادة للسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي.
وتابع: المسؤولون غافلون تماما عن التغييرات الثقافية التي تحدث في العالم، والإصرار على التمسك بروايات من ثلاثة أو أربعة عقود ماضية، وتكرارها دون أي إبداع أو جاذبية، خطأ عميق ومدمر يهدد كل فرص التجديد والبقاء.
بالتأكيد، لكل الدول مشاكلها الخاصة، لكن المسألة تكمن في الروايات التي تبني الأحلام الوطنية، وهي المهمة التي فشلت وسائل الإعلام الرسمية والمؤسسات الثقافية في تحقيقها، بسبب تجاهلها لمتطلبات الشعب.
وأضاف: في السنوات الأخيرة، تمكنت بعض القنوات التي تبث من تركيا، بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية والخاصة هناك، من جذب جزء كبير من السياح واستثمارات الطبقة الوسطى والعليا من الإيرانيين ليقوموا بالاستثمار هناك.
في المقابل، وضع السياحة والاستثمار داخل إيران واضح وغير قابل للمقارنة، ومع إطلاق قناة TRT الناطقة بالفارسية، يجب أن ننتظر لنرى كيف سيتم جذب مزيد من الفنانين وصناع البرامج، مما يعني أن ما تبقى من الإمكانيات الثقافية قد يصبح خارج نطاق المؤسسات الثقافية الإيرانية.
ماذا قالوا في الافتتاح؟
وتابع قائلا: وصف فخر الدين ألتون، رئيس مركز الاتصال في الرئاسة التركية، خلال افتتاح القناة، نشر المحتوى باللغة الفارسية بأنه خدمة قيمة للبشرية.
وتحدث عن ضرورة تعزيز العلاقات والروابط بين الشعبين العريقين، مؤكدا: “رغم كل التحديات، ما زالت العلاقات بين الشعبين قوية كما كانت دائما، يكفي أن ننظر إلى الديوان الكبير لمولانا جلال الدين الرومي لندرك مدى عمق وقوة هذه الروابط”.
كما أشار إلى قول الكاتب الإيراني جلال آل أحمد منتقدا الغرب: “نواجه في هذه المنطقة تهديدات مشتركة، والتعاون والتكامل بيننا أمر حتمي”.
وأضاف: “تعكس إشارة ألتون إلى انتشار اللغة الفارسية، والديوان الكبير لمولانا، وجلال آل أحمد، وعيه بالثقافة الإيرانية. وعلى الرغم من أن مكانة آل أحمد محل جدل في إيران، فإن مولانا والأدب الفارسي قضية مهملة في إدارة الثقافة لدينا”.