كتب – حسن قاسم
رافق الإعلان عن القائمة المقترحة للحكومة الرابعة عشرة بعض التعليقات من مختلف أطياف التيار الإصلاحي، وهاجم بعضهم القائمة ذاتها. بينما أظهر رئيس المجلس الانتقالي للحكومة الرابعة عشرة “محمد جواد ظريف” رد فعل فجائيًا تجاه الحكومة المقترحة بتقديم استقالته من منصب النائب الاستراتيجي، تلك المسؤولية التي لم يمر عليها حتى أسبوعين من توليه لها.
نرصد في هذا التقرير الأسباب التي دفعت محمد جواد ظريف إلى تقديم استقالته عقب إعلان القائمة المقترحة للحكومة الرابعة عشرة، ومن ثم الإشارة إلى أبرز الانتقادات الموجَّهة لبزشكيان وحكومته المقترحة وأخيرًا رد بزشكيان على هذه الانتقادات.
استقالة ظريف تناقض ادعاءاته
وفقًا لتقرير نشرته وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية بتاريخ 12 أغسطس/ آب 2024، فقد استقال محمد جواد ظريف من منصب النائب الاستراتيجي للرئيس بنشر منشور على صفحته الشخصية على منصة إكس (تويتر سابقًا) وقال: “أعتذر أمام الشعب الإيراني العظيم عن عدم قدرتي على المتابعة في شؤون السياسة الداخلية”.
وفي توضيح سبب هذه الاستقالة، أعرب ظريف عن استيائه من نتائج عمله في المجلس الانتقالي، ووصف هذه التجربة بأنها التجربة الأولى وأنها مليئة بالنقائص، وأنه بلا شك سيتم معالجتها في المستقبل.
وهذا النص الذي يشير بوضوح إلى عدم الرضا عن اختيارات مسعود بزشكيان، نشره ظريف الذي كان يعتقد في بداية تشكيل المجلس الانتقالي أن هذا المجلس استشاري فقط.
وكان من المتوقع أن يلتزم محمد جواد ظريف بما قاله من قبل ويدعم قرارات الرئيس المسؤول عن تشكيل الحكومة، وليس باتخاذ قرارات ذات طابع انفعالي وتذكيره بتقديم استقالاته المتعددة خلال فترة توليه منصب وزير الخارجية.
وبعد هذه التصريحات، زعم بعض الشخصيات على تويتر أن معارضة الجهات الرقابية كانت السبب وراء استقالة ظريف، لكن هذا الادعاء تم دحضه بتغريدة أخرى نشرها ظريف صباح الاثنين 12 أغسطس/ آب 2024.
وبعد إعلان عدم اعتراض أي جهة رقابية على منصبه، أكد ظريف سبب استقالته مرة أخرى: “ما تسبب في تقرير الليلة الماضية هو الشك في جدارتي كنائب استراتيجي، ولم يكن ذلك العذر السياسي هو سبب العودة إلى الجامعة، وكان هذا هو السبب الوحيد”.
وسواء كان استياء ظريف من حكومة بزشكيان هو السبب الرئيسي وراء تقديم استقالته، أو كان سببًا آخر كما يقول، فقد انتهى الأمر الآن لصالح من يهاجمون حكومة بزشكيان، وهو ضد ادعائه بخدمة الحكومة. وكرر هذا الادعاء في نهاية هذه التغريدة وقال إنه سيساعد بزشكيان بكل ما أوتي من قوة. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن اختيار إسكندر مؤمني لمنصب وزارة الداخلية كان على وجه التحديد أحد أسباب استقالة ظريف من الحكومة الرابعة عشرة.
بزشكيان في صراع مع معارضيه
بعد تأخر الإعلان عن القائمة المقترحة للحكومة الرابعة عشرة، أثيرت العديد من الانتقادات حول أسباب التأخر، فالبعض وصف بزشكيان بأنه “تائه” لا يستطيع اختيار حكومته، والبعض الآخر وصفها بأنها مهمة صعبة بالنسبة إليه، ومن ثم واجه حملة كبيرة من الانتقادات، وخاصة بعد إعلان القائمة يوم الأحد 11 أغسطس/ آب 2024.
ظهرت على الساحة بعض الشخصيات التي حاولت تحريف مسار بزشكيان في اختيار حكومته بنهجها الخاص، وهي الآن تستهدف بزشكيان بالانتقادات اللاذعة مع الإعلان عن القائمة المقترحة للحكومة الرابعة عشرة التي لا تتوافق مع ميولها الشخصية.
وقبل أن تصبح القائمة رسمية، وجه عباس عبدي أول الانتقادات الواضحة إلى حكومة بزشكيان واستهدف المستشار الأعلى لرئيس الجمهورية على النحو التالي: “إذا تم ترشيح علي عبدي لوزارة الطاقة، فهذا بسبب الدعم الكامل له من قبل المستشار الأعلى للسيد رئيس الجمهورية، وقد قبل السيد المستشار مسؤولية الوضع المستقبلي للكهرباء من خلال هذا الدعم.”
يهاجم عبدي بشدة حكومة بزشكيان مستخدمًا جملة متناقضة في بداية هذا التصريح، ويدعي أنه ليست لديه حساسية بشأن اختيار الوزراء.
كما يسخر العضو الراديكالي في البرلمان العاشر “محمود صادقي” من الشعارات الانتخابية لبزشكيان بهذا الشكل قائلًا: “كان من المفترض أن تكونوا صوت من لا صوت له. هل صرتم صامتين أنتم كذلك؟”
وفي رسالة موجهة إلى بزشكيان، كتبت جبهة الإصلاح الإيرانية كذلك بلهجة متعاطفة، موضحة بأن هناك أخبارًا مثيرة للقلق حول تشكيلة الحكومة: “في المرحلة الأولى من تشكيل الحكومة، لا تسمحوا بالاختيارات والعمليات غير السليمة للقضاء على المستحقين وخيبة أمل الشعب من اختياره، ذلك الشعب الذي كان يتردد إلى صناديق الاقتراع والتصويت لكم حتى يوم التصويت.”
هذا وقد صرحت بروانه سلحشوري في تصريح شديد اللهجة قالت فيه: “الرسوب بزشكيان في الامتحان الأول باستثناء بعض الأمور. حكومة تشكلت ليس بناءً على الكفاءة والخبرة واستشارة فرق العمل والمجلس التوجيهي، بل بمساهمة وتدخل واضح من هذا وذاك.”
ورغم أن باب انتقادات الحكومة لم يغلق بعد، إلا أنه من المتوقع أن تمنح الأحزاب السياسية الحكومة بعض الوقت للحكم عليها. وفي الحقيقة إن أعضاء المجلس الانتقالي هم في الصف الأول من المنتقدين، وتظهر هذه الصورة أنهم بدلًا من نجاح الحكومة، كانوا يهدفون إلى نجاح فصيل في الحصول على أكبر حصة في الحكومة، إلا أن هذا التوقع لم يتحقق بعد، وهم يحاولون تدمير الحكومة.
وهذا النهج الذي يبدأ بتدمير الحكومة قبل توليها السلطة، يدل على نهج غير أخلاقي لا يمكن أن تتنشق منه رائحة الخير.
الضغط على بزشكيان
يتظاهر الإصلاحيون، خاصة في الأسابيع القليلة الماضية، بطريقة ما بأن السيد بزشكيان مدين لهم حتى بأخلقه، ولولاهم، لما كان للسيد بزشكيان أي وجود على الساحة السياسية. وفي عام 2002 تم إنتاج فيلم بعنوان “العيون السوداء” من إخراج إيراج قادري، وقد جذبت فيه البطلة في هذا الفيلم انتباه الرعاة الماليين لموهبتها في الشعر. لكن هؤلاء الرعاة أرادوا السيطرة على كيان هذه السيدة، حتى أنها كانت تلعب بوجه الخليلي وتقول لهم: حسنًا، أنتم لم تخلقوني!
وهذه القصة صحيحة كذلك فيما يتعلق بألعاب سادة هذه الأيام مثل ظريف وغيره من هذا التيار مع بزشكيان؛ إنهم يتصرفون مع الرئيس وكأن هذه العلاقة أحادية الجانب تمامًا، ويكفي أن يتوقف دعم الإصلاحيين فقط، وفي هذه الحالة سيكون وجود حكومة السيد بزشكيان لاغيًا وباطلًا! هذا في حين أن بزشكيان إذا كان بحاجة إلى الإصلاحيين للحصول على الدعم الانتخابي، فإن الإصلاحيين يحتاجون إلى أشخاص مثل بزشكيان مرتين للعودة إلى السلطة ولو بالحد الأدنى. الإصلاحيون الذين يتحدثون عن مثل هذه المواقف المخزية مع بزشكيان هذه الأيام، يفكرون فقط أنهم إذا لم يدعموا بزشكيان، فما سيكون خيارهم التالي؟ فهل كان أمثال تاج زاده أو آذر المنصوري أو حتى ظريف نفسه يرغبون في الذهاب إلى باستور؟ مثل هذه التكهنات مستحيلة لأسباب مختلفة.
وكانت نتيجة مقاطعة الانتخابات معروفة بالفعل لدى الإصلاحيين؛ ولذلك اضطر الإصلاحيون وما زالوا مضطرين إلى استغلال فرصة بزشكيان؛ حتى لو كانوا يرون هذه الفرصة ضئيلة جدًا. ولذلك فإن الجهة التي يجب أن تتحرك في هذا الصدد اليوم هم الإصلاحيون وليس بزشكيان! والطرف الذي يستطيع أن يمتلك اليد العليا ويمنّ على الآخرين من واقع السلطة، هو بزشكيان! ربما أدرك السيد ظريف بعد غضبه الأولي نفس القضية بشكل أفضل في تفكيره الثانوي؛ ولهذا السبب اتخذ اتجاهًا عكسيًا خلال منشور انستجرام الذي نشره يوم الاثنين 12 أغسطس/آب 2024 مقارنة برسالته التي سبقت تلك الرسالة!
رد مسعود بزشكيان على الانتقادات الموجهة لحكومته المقترحة
كتب الرئيس مسعود بزشكيان على صفحته الشخصية عبر منصة “إكس” بتاريخ 13 أغسطس/ آب 2024، ردًا على بعض التعليقات حول القائمة المقترحة للحكومة الرابعة عشرة: “أيها الشعب العزيز، أنتم الثروة الكبرى للحكومة، اهتمامكم وحساسيتكم في اختيار أعضاء الحكومة قيمة. لقد أفسحت اللامبالاة تجاه سلوك السياسيين المجال للنقد. وهذا يعني أننا قد اتخذنا خطوة إلى الأمام. خلال مرحلة اختيار ودراسة الحكومة، تشاورنا مع العديد من الخبراء وحاولنا التوصل إلى الوضع الأمثل بالإمكانيات المتاحة وبمنهج التوافق والتعاطف. اصبروا حتى تباشر الحكومة عملها، ومن ثم انتقدوها وفقًا لأدائها.”