كتبت: لمياء شرف
في الأسابيع الأخيرة، تصاعد الجدل حول إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ليس فقط لدوره في تنسيق الأنشطة العسكرية بلبنان، ولكن أيضا لضلوعه في عمليات تجسس لصالح إسرائيل.
يلعب “قاآني” دورا محوريا في توجيه فيلق القدس وتحريك أوراق الضغط الإيرانية في لبنان، ما يضعه في مركز الجدل. فهل هو فعلا يدير الحرب لتعزيز نفوذ إيران، أم أن هناك أبعادا أخرى تُخفيها الاتهامات المتبادلة بالتجسس؟
هذه الأسئلة تطرح نفسها بشدة على خلفية التطورات الأخيرة في المنطقة وتصاعد وتيرة الصراع.
كان أخر ظهور لـ”قاآني” في عزاء حسن نصر الله بمكتب “حزب الله” في طهران، وعلى الرغم من كل التوقعات حول مصير الرجل بدايةً من مقتله في إحدى الغارات إلى التحقيق معه واحتجازه وآخرها تعرضه لأزمة قلبية، إلا أن الجانب الإيراني لم يدل بأي تصريحات حاسمة تفي بالغرض عن مصيره.
وفي سياق متصل تنفي إيران هذه الاتهامات المثارة حوله، فقد أعلن مستشار قائد الحرس الثوري، إبراهيم جباري، أن قائد فيلق القدس يتمتع بصحة جيدة، وأن قائد الثورة الإسلامية، علي خامنئي، يقلده وسام الفتح خلال الأيام المقبلة، حسب وكالة تسنيم الإيرانية.
وورد لـ”زاد إيران” حسب مصادر قريبة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، تعليقا على ما يُثار حول “قاآني”، أنه يقيم بشكل دائم في لبنان منذ بدء “طوفان الأقصى” لإدارة الحرب مع حزب الله، ويتنقل ما بين لبنان وإيران لزيارات سريعة.
أشارت المصادر الإيرانية لـ”زاد إيران” إلى أنه في الأسابيع الأخيرة التي سبقت اغتيال حسن نصر الله،كان قاآني يمكث بشكل دائم في لبنان يدير الحرب مع حزب الله، وعاد إلى طهران لتقديم العزاء في اغتيال حسن نصر الله، وقد ظهر يوم الأحد 29 سبتمبر/أيلول بمكتب ممثل حزب الله في طهران، لتقديم العزاء، وقد ظهر بجوار عبد الله صفي الدين ممثل الحزب في إيران.
وفق المصادر الإيرانية، عاد قاآني إلى لبنان في اليوم نفسه الذي أدى فيه العزاء إلى لبنان، وانضم إلى الحزب لإدارته مع القيادة العسكرية، خاصةً أن إيران كانت “قلقة” على مسار الحزب عسكريا بعد رحيل “نصر الله”.
المصادر تؤكد أن قاآني هو الذي يدير الحرب الآن مع قيادات حزب الله، ضد إسرائيل، وأن ما ورد من احتجازه والتحقيق معه ليس له أساس من الصحة.
وووفقا للمصادر الإيرانية، فإن صمت إيران يتعلق بأنها لا تريد أن تنخرط في مساحة “الاستفزاز الإعلامي” التي يمارسها الكيان والغرب لإجبار إيران على الكشف عن مكان “قاآني” فيسهل اغتياله في لبنان.
بينما صرحت مصادرُ إيرانية آخرى، حسب “ميدل إيست آي” البريطاني، عن قضية تجسس غير مسبوقة داخل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، مؤكدة أن قاآني يخضع للتحقيق بعد الاشتباه في اختراق إسرائيلي لمنظومته الأمنية، مع تواطُؤ محتمل لرئيس مكتبه، إحسان شفيقي، الذي يُزعم تخابره مع إسرائيل.
ووفق مصادر مطّلعة لـ”سكاي نيوز عربية”، أُودع شفيقي السجنَ للاشتباه في تواصله مع إسرائيل عبر وسيط خارجي، فيما أصيب قاآني بأزمة قلبية ونُقل إلى المستشفى وسط تصاعد القلق بشأن مدى تغلغل الاستخبارات الإسرائيلية داخل القيادة الإيرانية.
من هو إسماعيل قاآني؟
وُلد إسماعيل قاآني (67 عاما)، بمدينة مشهد، وهي مدينة دينية شيعية محافظة في شمال شرقي إيران. وقاتل في صفوف الحرس الثوري خلال حرب الخليج الأولى في ثمانينيات القرن الماضي.
وتولى قاآني رئاسة وحدة المخابرات العسكرية الخارجية في الحرس الثوري بعد أن اغتالت الولايات المتحدة قاسم سليماني في بغداد عام 2020. ويقع على قاآني مهمة إدارة حلفاء طهران شبه العسكريين في أنحاء الشرق الأوسط، وكذلك في مناطق أخرى حول العالم.
يؤكّد محلِّلون أن هذا الاختراق يمثّل ضربة قاسية لإيران؛ حيث يتجاوز التأثيرُ مجردَ شخصيات فردية ليطال مقتل عدد من قادة الجماعات الموالية لإيران.
وقالت مصادر متعددة لموقع ميدل إيست آي، إن زعيم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، على قيد الحياة ولم يصب بأذى ولكنه تحت الحراسة، ويتم استجوابه بينما تحقق إيران في خروقات أمنية كبرى.
ولم يظهر قاآني علنا منذ أن قتلت إسرائيل زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، في غارة جوية ضخمة على بيروت في 27 سبتمبر/أيلول، وهو الحدث الذي هز تحالف محور المقاومة المناهض لإسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، فتح الحرس الثوري الإسلامي الإيراني تحقيقات في كيفية تمكن إسرائيل من اختراق القيادة العليا للحركة اللبنانية وتحديد مكان وزمان وجود نصر الله.
وقالت عشرة مصادر في طهران وبيروت وبغداد، وضمن ذلك شخصيات شيعية بارزة ومصادر مقربة من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، لموقع ميدل إيست آي، إنه حتى قاآني، أحد أكبر الجنرالات في إيران، وفريقه قيد الحبس الاحتياطي بينما يبحث المحققون عن إجابات.
ويعتقد أن صفي الدين قُتل في اجتماع لمجلس شورى حزب الله، الذي يضم كبار قادة الحزب، حسبما ذكرت مصادر. وبعد دقائق من وصوله، تعرض لضربة قوية أدت إلى هدم أربعة مبان سكنية كبيرة.
ولا يزال مصير صفي الدين ورفاقه غير مؤكد، حيث تطلق الطائرات الإسرائيلية النار على أي عمال إنقاذ أو عناصر من حزب الله يحاولون الوصول إلى المكان.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن صفي الدين “قُتل”، لكن متحدثا عسكريا إسرائيليا قال في وقت لاحق، إنه لا يستطيع تأكيد مقتله.
ووصل قاآني إلى لبنان بعد يومين من مقتل نصر الله، برفقة عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني وشخصيات أخرى لتقييم الوضع على الأرض، بحسب مصادر “ميدل إيست آي”.
وانقطع الاتصال مع قاآني لمدة يومين بعد الهجوم على صفي الدين، حيث تزايدت التكهنات عبر الإنترنت وفي وسائل الإعلام بأن قاآني أصيب أو قُتل في القصف الإسرائيلي المتواصل على الضاحية الجنوبية لبيروت.
لكن مصدرا في الحرس الثوري الإيراني ومسؤولين عراقيين كبارا قالوا لـ”ميدل إيست آي”، إن قائد فيلق القدس لم يصب بأذى ولم يكن مع صفي الدين في اجتماع مجلس الشورى، بينما قالت مصادر من إيران والعراق ولبنان إنه محتجز بينما تستمر التحقيقات.
وقال قائد فصيل مسلح مقرب من إيران لـ”ميدل إيست آي”: “لدى الإيرانيين شكوك جدية في أن الإسرائيليين تسللوا إلى الحرس الثوري الإسلامي، خاصةً أولئك الذين يعملون على الساحة اللبنانية، لذلك الجميع قيد التحقيق حاليا”.
الاختراق إيراني 100%
قال مصدر مقرب من حزب الله لموقع ميدل إيست آي: “الاختراق كان إيرانيا بنسبة 100%، وهذا الجزء لا شك فيه”.
وقالت مصادر مقربة من حزب الله لـ”ميدل إيست آي”، إن قاآني كان في لبنان وكان من المتوقع أن يحضر اجتماع مجلس الشورى بدعوة من صفي الدين في يوم الضربة الجوية. لكنهم قالوا إن قاآني اعتذر وانسحب من الاجتماع قبل وقت قصير من بدئه.
وقال مصدر مقرب من حزب الله إن إسرائيل استهدفت مكان هذا الاجتماع بغارة كانت أكبر وأقسى من الغارة التي استهدفت نصر الله، وكان رأس صفي الدين هو المطلوب ولا أحد غيره.