ترجمة: أسماء رشوان
نشرت صحيفة “فرهيختكان” الأصولية، حوارا يوم السبت 1 فبراير/شباط 2025، مع ميان آبادي، الباحث في دبلوماسية المياه وعضو هيئة التدريس بجامعة تربيت مدرس، حول أزمة نهر هيرمند بين أفغانستان وإيران.
نقلت الصحيفة تصريحات أميرخان متقي، وزير الخارجية في حكومة طالبان الأفغانية، بشأن حق المياه لنهر هيرمند تعكس توجها إيجابيا قد يفتح آفاقا جديدة للتعاون بين أفغانستان وإيران. وأكد متقي قائلا: “شعب سيستان وبلوشستان إخوتنا، ولا نفرّق بين شعب هيرمند ونيمروز وبينهم”. كما أشار إلى أن أفغانستان تعاني من الجفاف الشديد، لكنه أوضح أنه حتى في غياب أي اتفاق أو معاهدة، فإن الإسلام والإنسانية يفرضان عليهم تقديم المياه لشعب سيستان وبلوشستان.
وأشارت إلى أن هذا التصريح يحمل أهمية كبيرة، حيث قد يسهم، بمشاركة الجانبين، في إنهاء الخلافات بين البلدين. فعندما تكون دولة ما، في أعلى مجرى النهر، فإن قراراتها لا تقتصر على حدودها فقط، بل تؤثر مباشرة على حياة الدولة الواقعة في أسفل المجرى. ويُنظر إلى “الالتزام بالمبادئ الإسلامية والإنسانية” كبديل قيّم للمعاهدات التي تم انتهاكها مرارا في العديد من مناطق العالم. ومع ذلك، يبقى التخوف من أن تظل هذه التصريحات مجرد كلمات تُتداول في المحافل الرسمية، بينما في الواقع، يزداد الأمل جفافا يوما بعد يوم بالنسبة للمتضررين في المناطق السفلى.
وتعقيبا على تصريحات وزير الخارجية الأفغاني، قال ميان آبادي، الباحث في دبلوماسية المياه وعضو هيئة التدريس بجامعة تربيت مدرس، أن هذه التصريحات تكتسب أهمية خاصة؛ لأنها تربط العلاقات الهيدرولوجية بين البلدين بالقضايا الإنسانية، ثم بالمفاهيم المستندة إلى الشريعة، والأيديولوجية الدينية المشتركة، بدلا من الاكتفاء بالجوانب السياسية أو القانونية. وأكد أن هذا النهج ذو قيمة كبيرة وبنّاء للغاية، حيث إن التزام حكومة أو نظام أمني بتوفير المياه للدولة الواقعة أسفل المجرى ليس فقط بناء على معاهدات، بل على أسس إنسانية أيضا، أمر في غاية الأهمية.
وأضاف أنه “في نزاعات المياه بين دول الاتحاد الأوروبي، تؤدي الخلافات المائية أحيانا إلى خسائر بشرية، حيث إن التعاون المائي لديهم ليس قائما بالضرورة على هذه المبادئ التي نناقشها هنا. ولهذا، فإن تصريحات متقي تبدو بنّاءة ومبشّرة للغاية”.
الشكوك حول الالتزام بالتعهدات
وأفاد بأنه على الرغم من الإيجابية الظاهرة في التصريحات الأفغانية، يبرز القلق في إيران بشأن مدى الالتزام بهذه المبادئ عمليا، مثل احترام المعاهدات، وضمان تأمين المياه للسكان في المناطق الواقعة أسفل المجرى، وحماية البيئة. ومن هنا تبدأ نقاط الخلاف.
وأضاف أنه، رغم التوافق المعلن بين مسؤولي البلدين، لا تزال هناك عقبات تحول دون تحقيق تعاون مائي فعلي.
وأوضح أنه من جهة، يؤكد مسؤولو الطرفين القضايا الإنسانية والإسلامية، ويعتبر كل منهما أن سكان الجانبين جزء لا يتجزأ منهم. فعلى سبيل المثال، ترى إيران أن مدينة “زرنج” في أفغانستان امتداد لمدينة “زابل” بإيران، ورغم معاناة زابل من نقص المياه، فقد قدمت لسنوات طويلة، مياه الشرب الصالحة لسكان زرنج.
ومن جهة أخرى، يؤكد المسؤولون الأفغان أن سيستان الإيرانية لا تختلف عن زابل وزرنج، فالجميع بشر يحتاجون إلى المياه. هذا النهج في التفكير ذو قيمة كبيرة. إذن، أين تكمن المشكلة؟
كما أشار ميان آبادي إلى أهمية “طرح القضايا بشكل صحيح” في حل النزاعات، إذ قال: «لماذا، رغم هذا الأساس القوي والبنية المناسبة، لا يؤدي هذا الإيمان العميق والنظرة المشتركة إلى تعاون نهائي في مجال المياه؟ هنا يجب أن نتجه نحو إنشاء “شبكة قضايا”. ينبغي للباحثين، والمتخصصين، وصناع السياسات، والمسؤولين في كلا البلدين طرح قضاياهم والوصول إلى فهم مشترك للتحديات القائمة.
وأضاف أن الأسئلة الأساسية التي يجب طرحها هي: هل تغيّر المناخ حدث فعلا في أفغانستان؟ وما مدى تأثيره على تقليل الموارد المائية في هذا البلد؟ تشير الدراسات الأخيرة، التي نشرت في مجلة Scientific Nature، إلى أن نقص المياه في أسفل مجرى النهر بإيران يعود بدرجة أكبر إلى القرارات السياسية للدولة الواقعة أعلى النهر (أفغانستان) أكثر مما يعود إلى تغيّر المناخ. لذا، فإن معالجة هذه المسألة تتطلب إرادة سياسية.
وأوضح أنه “بالنظر إلى حالات الجفاف الأخيرة التي أثرت على جميع الدول، هل تقلّصت مساحة الأراضي المزروعة في أفغانستان وانخفضت الزراعة؟ أم، على العكس، شهدت توسعا؟”.
وأفاد بأنه بعد تحديد دور كل العوامل، يأتي دور الأدوات اللازمة لمواجهة هذه المشكلة. وحول هذا الموضوع، قال ميانآبادي: “هل من المستحيل إدارة المياه بطريقة تمنع هدرها؟ ألا يمكن تعديل هيكل سد كمال خان بحيث لا تتجه المياه إلى مستنقعات جودهزره، حيث تتبخر بلا فائدة، وبدلا من ذلك تُستخدم لتلبية احتياجات سكان زرنج وزابل المائية؟ لأن المياه التي تنحرف عن سد كمال خان وتصب في مستنقعات جودهزره لا تحرم سكان إيران فحسب، بل أيضا سكان زرنج في أفغانستان. ألا يمكن تعديل هذا الهيكل؟ ألا توجد حلول فنية أخرى لمعالجة هذه المشكلة؟ ألا توجد آليات علمية للتعامل مع هذا التحدي؟”.
وأضاف: “هنا أؤكد بشدةٍ نقطة واحدة: تعريف المشكلة المشتركة”. هذا هو الاحتياج الفعلي اليوم لتحقيق التعاون المائي بين إيران وأفغانستان. لذا، يجب أن يكون تعريف المشكلة المشتركة هو الخطوة التالية، بناءً على هذا التوافق المشترك.
وذكر أنه “وبعد التأكيد بشكل صحيح، على الأسس الإنسانية والإسلامية المشتركة بين مسؤولي البلدين، يجب الانتقال إلى تحديد المشكلة المشتركة بوضوح. هل المشكلة الحقيقية تكمن في التبخر وتسرب المياه؟ وإذا لم تكن كذلك، فما العوامل الأخرى التي تلعب دورا في هذه الأزمة؟ حتى لو كانت هذه العوامل تمثل 2% أو 20% من المشكلة، فما هي بالتحديد؟ وكيف يمكن للعلم أن يجيب عن هذه التساؤلات؟”.
واختتم حديثه بتأكيد أن “الشرط الوحيد لتحقيق هذا هو: أن يظل السياسيون في كلا البلدين مؤمنين بأن سكان زرنج وزابل شعب واحد، وأن سيستان الإيرانية وسيستان الأفغانية لهما هوية واحدة”.