ترجمة: شروق السيد
انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإيراني، صور للقاء يجمع بين مهدي كروبي أحد قادة الحركة الخضراء في إيران والذي يخضع للإقامة الجبرية، ووزير الداخلية الأسبق علي أكبر نوري، ورغم ندرة التفاصيل حول اللقاء، فإنه أثار جدلا في الإعلام الإيراني.
كتبت صحيفة “شرق” الإيرانية الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن الصور المتعلقة بلقاء مهدي كروبي (أحد قادة الحركة الخضراء الذي وُضع تحت الإقامة الجبرية منذ فبراير/شباط 2011)، وعلي أكبر ناطق نوري (عالم وسياسي إيراني، كان وزير الداخلية في إيران منذ عام 1981 إلى 1985)، أثارت اهتماما واسعا في الفضاء السياسي والإلكتروني.
ويُعتبر هذا اللقاء بين رئيسي مجلس الشورى السابقين، بعد 15 عاما، حدثا يمكن دراسته من جوانب عدة.
وتابعت: على الرغم من عدم نشر خبر رسمي حول محتوى هذا اللقاء، وكل شيء يعود إلى الفيديو الذي مدته نحو 30 ثانية، فإن التقاء هذين الشيخين السياسيين في الليالي التي تسبق يوم “يلدا”( الانقلاب الشتوي) يعد بالتأكيد شيئا يتجاوز مجرد صلة الرحم والدردشة الودية.
وأضافت: هذان الشيخان اللذان قضيا عمرا في السياسة، أصبحا الآن في مرحلة التقاعد ويملكان أحاديث وأفكارا أكثر أهمية ليقولاها، من الوضع الداخلي الحساس في البلاد إلى التطورات الإقليمية وحتى مستقبل إيران.
وأوضحت: ربما يُعتقد أنه بما أن مهدي كروبي وعلي أكبر ناطق نوري لم يعودا يشاركان في اتخاذ القرارات أو صنع السياسات المتعلقة بشؤون البلاد، فإن اللقاء بينهما لن يكون له تأثير، لكن قلقهما بشأن بعض النواقص يدفعهما إلى النظر في هذه اللقاءات من منظور مختلف.
تحسين الوضع السياسي
وتابعت: قد يمكن الإشارة في البداية إلى أن لقاء مهدي كروبي وعلي أكبر ناطق نوري قد يكون بمثابة إشارة إلى خلق قدر من الحرية النسبية في الفضاء السياسي.
على أي حال، يجب قبول أنه ربما لم يكن من الممكن حدوث مثل هذا اللقاء بدون موافقة وإشارة من المسؤولين المعنيين.
تجدر الإشارة إلى أنه في بداية شهر سبتمبر/أيلول، أعلن غلام حسين كرباسجي عن أخبار جيدة بشأن رفع الإقامة الجبرية، وبعد ذلك في السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول، أعلن مسعود بزشكيان في نهاية أول مؤتمر صحفي له مع وسائل الإعلام، عن الجهود المبذولة لرفع الإقامة الجبرية عن مهدي كروبي، وقال: “تم حل مشكلة السيد كروبي، ونحن نعمل على حل مشكلة الآخر أيضا، ولكن يجب ألا نتصادم مع النظام”.
وأضافت الصحيفة: وفقا لما قاله الرئيس: “ماذا كان يجب أن نفعل؟ يكفي أنه تم حل مشكلة أحدهم، وهو خطوة، أما الآخر، فدعوه يكون خطوة أيضا”.
واستطردت: على الرغم من أنه في تلك الفترة تم انتقاد بعض السياسيين ووسائل الإعلام لاستخدام مصطلحات وأسلوب خطاب بزشكيان، خاصة في ما يتعلق بمير حسين موسوي، فقد تبين لاحقا أن هذا الرد من الرئيس كان يتناسب مع الشخص الذي كان يطرح السؤال.
ومع ذلك، في رسالة من مهدي كروبي التي تم نشرها عبر ابنه حسين كروبي، أعرب عن شكره للرئيس ورئيس السلطة القضائية على جهودهما في رفع الإقامة الجبرية، قائلا: “آمل أن يتم رفع الإقامة الجبرية قريبا، بشرط أن يكون ذلك في الوقت نفسه مع رفع الإقامة الجبرية عن ميرحسين موسوي”.
لماذا نجح بزشکیان بينما فشل روحاني؟
وتابعت: على الرغم من جميع الادعاءات والشعارات التي رفعها حسن روحاني خلال فترة رئاسته الممتدة لثماني سنوات في حكومتيه الحادية عشرة والثانية عشرة، استطاع مسعود بزشکیان في أقل من مئة يوم، تحقيق رفع الإقامة الجبرية عن مهدي كروبي.
من الواضح أن الظروف الزمنية والمكانية بين عامي 2013 و2019 لا يمكن مقارنتها بالمستجدات غير المسبوقة التي حدثت بين عامي 2022 و2024.
وقالت: ويعتقد بعض المراقبين أن شعارات الوحدة لم تعد تصدر من التيارات الإصلاحية والمعتدلة أو من شخصيات مثل مسعود بزشکیان فقط، بل جاءت نتيجة توافق سياسي شامل.
وأضافت: كما أن الموافقة على لقاء مهدي كروبي مع ناطق نوري تُظهر أن المؤسسات المعنية باتخاذ القرار، دون إعلان رسمي، قد دعمت جهود الحكومة الرابعة عشرة (الحكومة الحالية لبزشكيان) في رفع الإقامة الجبرية.
وتابعت: ورفع الإقامة الجبرية فعليا عن مهدي كروبي قد يمهد الطريق لرفع الإقامة الجبرية عن مير حسين موسوي وزهرا رهنورد أيضا.
وأضافت قائلة: إضافة إلى ذلك، كان لتراجع علي شمخاني، الشخصية المثيرة للجدل في البلاد حاليا، دور كبير في هذا السياق، فرغم محاولته في مقابلة حديثة، رسم صورة مغايرة عن نفسه، يرى بعض السياسيين أن معارضة علي شمخاني في “شعام” كانت أحد أسباب فشل حسن روحاني في رفع الإقامة الجبرية عن كروبي وموسوي.
وتابعت: كما أن الحالة الصحية لمير حسين موسوي تستدعي تسريع عملية رفع الإقامة الجبرية عنه من قبل الحكومة والمجلس الأعلى للأمن القومي.
وأضافت: وفي هذا السياق، أفادت وكالات الأنباء في وقت سابق، بأن مير حسين موسوي تعرض لمضاعفات حادة بسبب حساسية دوائية، ما أدى إلى نقله إلى المستشفى.
إلا أن في 4 ديسمبر/كانون الأول، ذكرت زهرا موسوي، ابنة مير حسين موسوي، على حسابها بمنصة إكس، أن حالة والدها تحسنت وقد خرج من المستشفى.
عندما يصبح الشيخان أساسا عمليا لشعار الوفاق
وذكرت أنه مع تولي حكومة مسعود بزشکیان وسلط الضوء على مفهوم “الوفاق الوطني”، أصبحت هذه العبارة واحدة من أكثر الكلمات شيوعا وتأثيرا في الأدبيات والمشهد السياسي في البلاد، وفي ظل جهود مختلف التيارات والشخصيات لتحقيق هذا الشعار، أو كما يصفه محمد جواد ظريف، “خطاب الحكومة الرابعة عشرة”، يمكن اعتبار لقاء مهدي كروبي وعلي أكبر ناطق نوري، كشخصيتين رئيسيتين في الوسطية والعقلانية السياسية، خطوة فعالة لتعزيز التوافق الوطني.
وتابعت: ورغم قلة التفاصيل المنشورة في الإعلام ووسائل التواصل عن هذا اللقاء، يبدو من الصور أن مهدي كروبي هو من ذهب للقاء ناطق نوري وليس العكس.
ومع ذلك، فإن اجتماع الشيخ ناطق نوري وكروبي في هذا التوقيت يمكن أن يدعم تحقيق شعار الوفاق الوطني، خصوصا أن علي أكبر ناطق نوري، الذي خاض انتخابات عام 1997 كمرشح محافظ منافس لمحمد خاتمي، ابتعد لاحقا عن الساحة التنفيذية الكبرى وقلّ ظهوره بين السياسيين المحافظين.
وأضافت: التطورات السريعة خلال العقدين الماضيين، لا سيما بعد انتخابات عام 2009، جعلت ناطق نوري يُعرف الآن في المشهد السياسي الإيراني كشخصية أقرب إلى الإصلاحيين أو على الأقل بتوجهات أقل تشددا.
من الجدير بالذكر أن ناطق نوري، رغم سعيه في السنوات الأخيرة للابتعاد عن تحمُّل المسؤوليات، ما زال يتمتع بتأثير ونفوذ في عدد من التيارات، بحيث يُعتبر شخصية محل إجماع بين الإصلاحيين ويمكن أن يحظى بقبول بين الأصوليين أيضا.
وتابعت قائلة: علاقاته الجيدة مع المؤسسات المؤثرة في البلاد لا تزال قائمة، مما يجعل دوره، سواء في العلن أو من وراء الكواليس، ذا أهمية وتأثير، حتى اللقاءات الودية بينه وبين مهدي كروبي تشير إلى نوع من التحولات السياسية التي قد تتضح أكثر في الأشهر القادمة.
لذلك، يمكن القول إن لقاء مهدي كروبي مع ناطق نوري يعدّ من أبرز اللقاءات التي عقدها كروبي خلال فترة الإقامة الجبرية؛ لما له من دلالات على التحولات السياسية ودعمه لتحقيق الوفاق الوطني.