ترجمة: شروق السيد
يعاني النظام المصرفي الإيراني من اختلالات كبيرة في كفاية رأس المال، مما يعرض استقراره المالي للخطر، وتكشف البيانات أن العديد من البنوك لا تلتزم بالمعايير الدولية، يناقش التقرير أسباب هذه الاختلالات ويستعرض الحلول المقترحة لإصلاح النظام المصرفي.
كتبت الصحيفة الإيرانية “فرهنجيان“: أشار محمد رضا فرزين، على هامش مؤتمر “التمويل من إدارة الأعمال إلى ريادة الأعمال” إلى بعض النقاط المهمة حول اختلال توازن النظام المصرفي، وقال رئيس البنك المركزي إنه إذا أردنا رفع نسبة كفاية رأس المال للبنوك إلى 8%، فإننا بحاجة إلى 1100 تريليون ريال من رأس المال، وأضاف فرزين أنه إذا أردنا فقط حل اختلال التوازن بين الشبكة المصرفية الناجم عن السحب الزائد من قبل البنوك، فسنحتاج إلى 470 تريليون ريال من رأس المال، ومع السحب الزائد للبنوك، سيكون من الضروري توفر 750 تريليون ريال، وفقا لتصريحات رئيس البنك المركزي، يوجد حاليا 14 بنكا في البلاد تعاني من خسائر متراكمة.
في المادة الـ6 من التعديل على دستور عمل حساب رأس المال الرقابي وكفاية رأس المال للمؤسسات الائتمانية الذي تم اعتماده في مايو/أيار 2023 من قبل البنك المركزي الإيراني، يُعرَّف رأس المال الكافي على النحو التالي: “نسبة كفاية رأس المال للمؤسسة الائتمانية هي نسبة رأس المال الرقابي إلى إجمالي الأصول المرجحة بالمخاطر، ويجب أن تكون هذه النسبة على الأقل 8%”.
أولا: بناء على التعريفات المحددة لنسبة كفاية رأس المال في اتفاقية “بازل 1″، يُؤكد تنفيذ متطلبات الالتزام بكفاية رأس المال لزيادة مرونة البنوك في أوقات الأزمات، وكذلك كأداة للحد من المخاطر التي تواجهها البنوك.
ثانيا: يعتقد الخبراء أن نسبة كفاية رأس المال هي أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر في خلق السيولة بالنظام المصرفي الإيراني، بمعنى آخر، البنوك التي تعاني من اختلال التوازن والتي لديها أعلى سحوبات زائدة من البنك المركزي هي نفسها التي سجلت نسب كفاية رأس مال سلبية وغريبة.
ثالثا: يجب البحث عن الهدف الثالث في العلاقات المصرفية مع البنوك الدولية وكذلك في الاستثمارات الأجنبية، حيث إن أحد الشروط الأساسية لتعاون البنوك الدولية مع البنوك الإيرانية هو تمتع البنوك في بلادنا بالحد الأدنى من كفاية رأس المال، وهذه النسبة في إيران هي 8%، في حين أنها بالبنوك الدولية هي 12%.
رأس المال الكافي
يعد رأس المال الكافي مؤشرا أساسيا لتنفيذ التزامات البنوك وتحقيق ربحيتها، ويعتبر من المؤشرات المهمة والأساسية في المؤسسات المالية، من ناحية أخرى، تتحقق الكفاءة الاقتصادية عندما تستخدم البنوك أفضل تركيبة من المدخلات، وتخفض التكاليف التشغيلية، وتصل إلى مستوى مُرضٍ من الإنتاجية وتقديم الخدمات، يطلب المشرع من البنوك، من أجل تعزيز النظام المالي السليم، أن تمتلك رأس مال كافيا لمواجهة الخسائر وتقليص المخاطر الائتمانية، وفقا لتعريفات لائحة رأس المال الكافي الصادرة عن البنك المركزي، يتم حساب نسبة رأس المال الكافي من خلال قسمة رأس المال الأساسي على إجمالي الأصول المعدلة حسب عوامل المخاطر بالنسب المئوية.
تخلف بنوك إيران عن المعايير الدولية
لقد حققت اللوائح والمعايير الدولية في مجال رأس المال الكافي تقدما كبيرا، إلا أن البنك المركزي الإيراني لا يزال يعمل وفقا للمعيار الأول للجنة بازل، ففي فبراير/شباط 2004، اعتمد البنك المركزي لائحة رأس المال الكافي للبنوك والمؤسسات الائتمانية، وألزم هذه المؤسسات بنسبة رأس مال كافٍ لا تقل عن 8%. وعلى الرغم من أن الأسواق المالية والائتمانية في البلاد تشهد استخداما سريعا للابتكارات الجديدة، فإنه لم يتم حتى الآن إعداد وإصدار معايير رأس المال الكافي بما يتناسب مع سرعة التغيرات في النظام المصرفي من قبل الجهة الرقابية. إن عدم توافق البنك المركزي، باعتباره الجهة المسؤولة عن السياسات واللوائح المتعلقة بالشبكة المصرفية، مع المتطلبات الجديدة والنتائج الحديثة، سيؤدي إلى بقاء مشاكل نماذج إدارة المخاطر القديمة ومعايير رأس المال الكافي وفقا للمعيار الأول للجنة بازل في النظام المصرفي، مما يؤدي إلى تكرار الأزمات المصرفية والائتمانية التي شهدها العالم داخل البلاد.
بينما كانت البنوك العالمية ملزمة منذ عام 2018 بتطبيق رأس مال كافٍ بنسبة 12% وفقا للمعيار بازل 3، إلا أنه حتى نهاية عام 2024، كانت نسبة رأس المال الكافي في 10 بنوك إيرانية تتجاوز 8%، بينما كانت في 8 بنوك تتراوح بين 1% و7%، وفي 9 بنوك أخرى كانت النسبة تتراوح بين سالب 1% وسالب 360%.
وبناءً عليه، إذا تم في المستقبل إقامة علاقات بين البنوك الإيرانية والبنوك الدولية، فلا يمكن توقع أن يتم قبول البنوك التي لا تلتزم بالمعايير الدولية من قبل البنوك الأجنبية.
وفقا للبيانات المالية للبنوك في عام 1402، كان متوسط هذا المؤشر لـ24 بنكا، دون احتساب بنوك “سپه”، “آینده”، و”سرمایه”، نحو 1% إيجابيا، وعند أخذ بنوك “آینده” و”سرمایه” في الاعتبار، انخفض إلى سالب 24%.
وبناءً على هذه البيانات، في عام 2023، من بين 27 بنكا، كانت نسبة رأس المال الكافي في 10 بنوك تتجاوز 8%، و8 بنوك كانت تتراوح نسبتها بين 1% و7%، بينما كانت في 9 بنوك أخرى تتراوح بين -1% و-360%.
أما أفضل أداء في مؤشر رأس المال الكافي، فقد كان من نصيب بنوك “توسعه صادرات” بنسبة 16.7%، و”خاورمیانه” بنسبة 13.7%، و”پاساركاد” نحو 11.4%، و”ملت” 10.8%، و”سامان” 10.3%، و”مسکن” 9.8%.
بينما كان أسوأ أداء متعلقا ببنوك “آینده” التي سجلت رأس مال كافيا سلبيا بنسبة -360%، و”سرمایه” -328%، و”دی” -53%، و”ایران زمین” (حتى نهاية شهر شهریور 1402) -43%، و”مؤسسه ملل” -11.4%، و”شهر” -7.6%.
تشير هذه البيانات إلى أن 7 بنوك حكومية (باستثناء بنك “سبه” الذي لم ينشر بياناته المالية) كان متوسط رأس المال الكافي لديها 6.4%، وفقا لهذه البيانات، كان بنك “توسعه صادرات” الحكومي هو الأفضل حيث سجل 16.7%، يليه بنك “مسکن” بنسبة 9.8% بين البنوك الحكومية، ثم “پستبانک” بنسبة 8% في المركز الثالث، و”توسعه تعاون” 5.9% في المركز الرابع، و”کشاورزی” 5% في المركز الخامس، و”صنعت و معدن” 4.5% في المركز السادس، وأخيراً بنك “ملی” بنسبة -5% في المركز السابع. بمعنى آخر، تمكنت ثلاثة بنوك حكومية هي “توسعه صادرات”، و”مسکن”، و”بست بانک” من تحقيق نسبة رأس مال كافٍ تفوق 8% وفقا لتوجيهات البنك المركزي، بينما فشلت بقية البنوك الحكومية، ومن المؤكد أن بنك “سبه” هو أحد هذه البنوك، في تحقيق الحد الأدنى من المعايير المحددة من قبل البنك المركزي.
التضخم.. نتيجة لاختلال التوازن
تناول فرشاد محمد بور، نائب رئيس الرقابة والتنظيم في البنك المركزي الإيراني، أسباب اختلال التوازن في النظام المصرفي للبلاد، وأشار إلى خمسة أسباب رئيسية وراء هذا الاختلال: انتقال اختلالات التوازن الاقتصادي الأخرى إلى البنوك، وتأسيس بنوك خاصة في بيئة غير مناسبة، وفرض التزامات تفوق قدرة البنوك، وعدم الجدوى الاقتصادية لبعض العمليات المصرفية، والظروف غير المواتية للاقتصاد الكلي.
بحسب محمد بور، يعمل البنك المركزي على معالجة هذا الاختلال من خلال خطوات مثل إعادة تأهيل وتنظيم البنوك غير المتوازنة، وإلزام البنوك بتحديث قيم أصولها وتسجيلها في الأنظمة الرقابية، وفي بعض الحالات، حلّ البنوك التي لا يمكن إصلاحها، كما يؤكد برنامج التنمية السابع على خفض تدريجي للاعتماد المفرط للبنوك على الاقتراض من البنك المركزي، ومواءمة البنوك مع المعايير العالمية، وتحسين مؤشرات كفاية رأس المال.
ويرى محمدبور أن معالجة اختلال التوازن تتطلب تعاون جميع الجهات المسؤولة، وضمن ذلك البرلمان، والحكومة، والسلطة القضائية، وأضاف: “بالنظر إلى تجارب دول أخرى مثل اليابان، فإن التساهل المفرط مع البنوك غير المتوازنة يمكن أن يزيد بشكل كبير من تكلفة الإصلاح”. لذلك، فإن تنفيذ برامج الإصلاح وتعزيز رأس مال البنوك، خاصةً البنوك الحكومية التي تتحمل الجزء الأكبر من تمويل الاقتصاد، يعد أمرا ضروريا.
الأمراض المزمنة للنظام المصرفي
تملك البنوك للشركات كارثة تهدد النظام المصرفي
كتبت الصحيفة الإيرانية “دنياي اقتصاد” تناول حميد قنبري، الخبير في المجال المصرفي، مسألة تملك البنوك للشركات، مشيرا إلى أنها من أبرز المشكلات الهيكلية في النظام المصرفي، وذكر قنبري أن البنوك، إلى جانب أنشطتها التقليدية، دخلت مجالات مثل العقارات، والصناعات، والزراعة، والمشروعات البنية التحتية، مما أدى تدريجيًا إلى إضعاف مهامها الأساسية.
وأضاف أن هذا التوجه، إلى جانب ضعف الرقابة، وغياب الحوكمة المؤسسية، والضغوط الاقتصادية، أدى إلى زيادة المخاطر، وانخفاض سيولة الأصول، وتعزيز الاحتكار في السوق، هذا الوضع حوّل البنوك إلى أذرع اقتصادية للحكومة، مما قلل من استقلاليتها.
ميدان اللعب الرباعي للبنك المركزي
ناقش فرهاد نيلي، الخبير الاقتصادي، التحديات الأساسية للنظام المصرفي وأداء البنك المركزي في إيران، وأشار نيلي إلى أن ميدان لعب البنك المركزي يشبه شكلا رباعيا، وإذا لم تتغير قواعد اللعبة، فإن قدرته على تلبية التوقعات ستبقى محدودة للغاية.
وحدد نيلي أول وأهم ضلع في هذا الرباعي بـ”التضخم”، بينما الأضلاع الثلاثة الأخرى هي: الوصول إلى الائتمان، والاختلالات المصرفية، والسياسة النقدية، وأضاف أنه على الرغم من أن القانون الجديد للبنك المركزي يعتبر قانونا جيدا نسبيا في مجال الرقابة المصرفية، فإنه لم يمنح البنك المركزي السلطة الكافية في مجال وضع السياسات النقدية، لذلك، إذا لم يتمكن البنك المركزي من إدخال إصلاحات على القانون تضمن له استقلالية نسبية في السيطرة على التضخم، فلن يتمكن من تغيير قواعد اللعبة.