حوار: مصطفى أفضل زادة مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: محمد بركات
تواجه سوريا، وهي الدولة التي شهدت حرباً أهلية وأزمات إنسانية منذ عام 2011، في الآونة الأخيرة توترات عسكرية جديدة، بعد نشوب مواجهات عنيفة بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة السورية، في المناطق الشمالية مثل إدلب وحلب.
وحول هذه التطورات أجرى “زاد إيران” حواراً مع الدكتور رحمت إبراهيمي، الأكاديمي الإيراني والخبير في القضايا السياسية، للوقوف على تفاصيل المشهد داخل الساحة السورية.
ما خلفيات الأزمة التي أدت إلى تصاعد التوتر في سوريا؟
منذ بداية الأزمة السورية وتدخل الأطراف الخارجية، وهو ما أقر به ترامب بشكل واضح خلال حملته الانتخابية الأولى في عام 2016.
أُشعل فتيل الحرب الأهلية في سوريا من خلال دعم الجماعات الإرهابية الأجنبية من قبل الغرب، في محاولة لجر الحكومة السورية إلى القبول بمطالبهم المفرطة وخطة “الشرق الأوسط الكبير”.
كما لعبت الحكومة التركية دوراً في تأجيج الأزمة وإدارة الجماعات الإرهابية، حيث تسعى لتحقيق طموحاتها في “العثمانية الجديدة”، وفي عام 2020، اقترحت تركيا خطة لتخفيف التصعيد، وعُقدت الجلسة الأولى في سوتشي بين روسيا وتركيا، ومن ثم استُكملت الاجتماعات في أستانا، عاصمة كازاخستان، بمشاركة إيران التي دُعيت للانضمام إلى هذا المسار، وقد جاءت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني إلى المنطقة في إطار متابعة هذا الموضوع.
ما هو اتفاق خفض التوتر الذي يرجع لعام 2020؟
عندما أدركت تركيا أنها غير قادرة على إسقاط حكومة الأسد، كما أن الشعب السوري عندما رأى التدخلات الخارجية والجهات الخفية وراء الأزمة، توقف عن دعم الجماعات الإرهابية الأجنبية.
ومن جهة أخرى، لاحظت الحكومة التركية أنه في حال شنّ الجيش السوري هجوماً على إدلب، فإن هذه الجماعات الإرهابية قد تتدفق نحو تركيا، مما قد يؤدي إلى أزمة داخلية بالنظر إلى الظروف المهيئة للأزمة داخل البلاد.
لذلك، اقترحت تركيا اتفاقاً لخفض التوتر، ينص على عدم اشتباك الأطراف المتصارعة، وكانت تركيا ضامنة لهذا الاتفاق من جانب الجماعات الأجنبية، بينما كانت روسيا وإيران ضامنتين له من جانب الحكومة السورية.
ومع ذلك، تم انتهاك اتفاق 2020 من قِبل “الجماعات التكفيرية” التي كانت تركيا ضامنة لها، ومن المعروف أن هذه الجماعات في سوريا تحظى بدعم غربي، وهو ما أقر به ترامب صراحة.
كما أن الخلفية الداعمة للنظام الصهيوني في المنطقة هي أيضاً الغرب، لذلك، نجد أن الغرب هو العنصر الثابت والأساسي في جميع التحركات الإرهابية ضد الدول الإسلامية.
هل ترى ارتباطاً بين بدء وقف إطلاق النار في لبنان وتصاعد التوتر في سوريا، وما رأيك في ادعاء إحدى الصحف الإسرائيلية بأن تل أبيب هي من حفزت تأجج الصراع على الساحة السورية؟
إن ادعاء الصحيفة “الصهيونية” في هذا السياق يبدو أقرب إلى كونه استعراضاً إعلامياً منه إلى كونه حقيقة ميدانية. ومع أن هذا “الكيان غير الشرعي” قد يكون محفزاً لهذه الأحداث، إلا أنه ليس السبب الرئيسي فيها، لأن الخلفية الداعمة لكل من “الكيان الصهيوني” و”الجماعات الإرهابية” هي ذاتها.
ومن جهة أخرى، فالجميع يعلم أن وقود الطائرات الإسرائيلية يتم توفيره من تركيا، وأن الأطفال الأبرياء في غزة يُقتلون بأيدي أردوغان، فلو لم تضع تركيا موانئها تحت تصرف إسرائيل، ولو لم توفر لها الدعم، لما تمكنت إسرائيل من مواجهة أهالي غزة.
وعلى العكس، فإن وجود إيران في سوريا قد جاء بطلب رسمي من الحكومة السورية، وإسرائيل ليست فقط عدوًا لسوريا، بل عدواً للبشرية جمعاء، وخاصة المسلمين، وبالتحديد إيران.
فإيران كانت دائماً وستظل إلى جانب حكومة وشعب سوريا، وستتدخل عند الحاجة بناء على طلب الحكومة السورية، كما هو الحال الآن من خلال دورها الاستشاري الفاعل، على غرار روسيا.
وفيما يتعلق بمحور المقاومة، فإن القاعدة القديمة لا تزال قائمة؛ وكلما دعت الحاجة، سيتدخل المحور للدفاع عن أهالي غزة أو أي بلد إسلامي آخر يتعرض لعدوان إسرائيلي.
فإسرائيل قد هاجمت لبنان في محاولة لإثناء الملتزمين بالقرآن الكريم عن مواقفهم. ولبنان ومحور المقاومة يستندان إلى الآية 29 في سورة الفتح “مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الكُفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم“. اليوم، وإسرائيل هي المثال الواضح للكفار الذين أشارت إليهم الآية الكريمة، بينما الشعب الفلسطيني المظلوم هم موضع الرحمة، لذلك، فإن إسرائيل لا تعمل فقط ضد القرآن، بل أيضًا ضد اتفاق 2020 الذي وقعته لتقليل التوتر.
وتشير الأخبار إلى أن وقف إطلاق النار في لبنان قد يكون تمهيداً لوقف إطلاق النار في غزة، وأن التطورات الداخلية في إسرائيل تعكس ضعفها، ولا تشير إلى قوتها.
أشارت المصادر الإسرائيلية للصحف العبرية إلى أن “إسرائيل كانت على علم بموعد الهجوم على حلب، وقد وقع الهجوم بعد 24 ساعة فقط من تحذيرات نتنياهو للرئيس السوري بشار الأسد، حين قال إنه يلعب بالنار وإنه سيدفع ثمن تحالفاته مع إيران وحزب الله”.. فما سبب دعم إسرائيل لاندلاع الاشتباكات في سوريا؟ وما المقصود تحديداً بتعبير نتنياهو عن “اللعب بالنار” من قِبل سوريا؟
لا غرابة في أن إسرائيل كانت على علم بموعد الهجوم، لأن كلا الطرفين يتحركان نحو هدف واحد وهو إضعاف الجبهة الإسلامية، ولو لم يكونا على توافق، فلماذا لم تشن هذه الجماعات أي عملية ضد إسرائيل؟ ولماذا لا يتوجهون إلى غزة للقتال ضد إسرائيل؟
إن ادعاء إسرائيل هذا يبدو أقرب إلى كونه دعاية إعلامية موجهة للاستهلاك الداخلي أكثر منه للحقيقة الخارجية. فالحكومة السورية، منذ انتصار الثورة في إيران، كانت تقف ضد إسرائيل، وهي الدولة الوحيدة المجاورة لفلسطين المحتلة التي لم تعترف بهذا الكيان.
وهذا يدل على أن وقوف سوريا مع المحور المناهض لإسرائيل ليس أمراً جديداً، كما أن تهديدات إسرائيل ليست جديدة.
إن الشعب والحكومة السورية معتادون على هذه اللغة منذ زمن بعيد، ولا تأثير لها على رفضهم للتعاون مع الغرب، فسوريا منذ العام 2011 وهي تواجه تدخلات خارجية مباشرة، فبعد انتصار الثورة، كانت سوريا من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية الإيرانية، لأنها وجدت شريكاً وصديقاً يشاركها المعتقدات ويقف في وجه المستعمرين الغربيين.
إن سوريا لن تنسى أبداً دعم حزب الله وإيران خلال أزماتها من العام 2011 وحتى اليوم، فلقد قدم حزب الله العديد من الشهداء والجرحى في سوريا، والدعم الإيراني واضح كالشمس.
وإن الحديث عن احتمالية انفصال سوريا عن إيران ومحور المقاومة يشبه القول بأن الغرب سيتوقف يوماً عن دعمه لإسرائيل.
فكما أن دعم الغرب للكيان الصهيوني غير الشرعي جزء لا يتجزأ من هويته ووجوده، فإن ارتباط محور المقاومة ببعضه جزء أساسي من ماهيته.
ادعت القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية أن “هناك تنسيقاً وثيقاً بين الجيش الإسرائيلي والجيش الأمريكي للاستعداد لتطورات الأوضاع في سوريا وتبعاتها”.. فهل من الممكن أن تردّ سوريا أو حتى جماعات المقاومة على هذا الكيان نتيجة التوترات الناشئة في سوريا؟
هناك تنسيق كامل بين أمريكا وإسرائيل في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية في منطقة غرب آسيا. فمنذ اليوم الثاني لحرب طوفان الأقصى، تولت الولايات المتحدة إدارة الأحداث، وهي شريكة في جميع جرائم هذا الكيان حول العالم. وبمعنى آخر، فإن الشعب الأعزل في غزة اليوم في مواجهة حرب مباشرة مع الولايات المتحدة.
وأمريكا هي السبب الرئيسي وراء تدخل الجماعات الإرهابية الخارجية في سوريا، وتواصل اليوم وجودها العسكري في سوريا والعراق، حيث تستولي على نفط شعبي البلدين.
وترامب صرح بوضوح قائلاً: “لقد أنفقنا سبعة تريليونات دولار في منطقة غرب آسيا، والآن يجب أن نحقق مكاسب من المنطقة”.
هل يمتلك جيش الاحتلال الإسرائيلي القدرة على مواجهة حكومة الأسد؟ وللإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نسأل: هل استطاع الاحتلال الإسرائيلي أن يتغلب على سكان غزة العزل بعد عام كامل من المواجهة؟
الإجابة عن هذا السؤال هي بالنفي. ففي لبنان، وبالنظر إلى الجرائم الحالية والتزام حزب الله بوقف إطلاق النار لمدة شهرين، فإن الحزب يركز حالياً على إعادة بناء قوته وتركيز جهوده لمواجهة العدو من أراضيه في جنوب لبنان، فالأوضاع تشير إلى أن الأولوية بالنسبة لحزب الله هي تعزيز موقعه داخلياً وتأمين قاعدته قبل تقديم أي مساعدة للآخرين.
لذلك، ربما لن يكون لحزب الله إمكانية التواجد في سوريا لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في الجولان. وإذا كان من المقرر اتخاذ أي إجراء، فإن احتمالية أن يحدث ذلك داخل الأراضي اللبنانية هي أكبر من احتمالية حدوثه خارجها.