كتب: محمد بركات
في خطوة يبدو أنها تعكس اهتماما إيرانيا بتعزيز دور طهران الدبلوماسي في سوريا وتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، أصدر عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، قرارا الأحد 12 يناير/كانون الثاني 2025، بتعيين محمد رضا رؤوف شيباني، الدبلوماسي الإيراني والمندوب الخاص لوزير الخارجية الإيراني في منطقة غرب آسيا، مبعوثا خاصا له للشؤون السورية.
وخلال أمر التكليف، ذكر عراقجي أن “سوريا دولة مهمة في منطقة غرب آسيا، وإيران، مع إدراكها لأهمية الاستقرار والسلام في هذا البلد وتأثيره على السلام والأمن الإقليميين، تؤكد ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها الإقليمية، واحترام إرادة ورغبة الشعب السوري في تقرير مصيره دون أي تدخل أو وجود أجنبي”.
وأكمل عراقجي أن “اتخاذ القرار بشأن مستقبل سوريا شأن يخص الشعب السوري وحده، وإيران ستبني علاقاتها مع أي نظام حكم ينبثق عن إرادة ورغبة جماعية للشعب السوري على أساس الاحترام والمصالح المتبادلة ووفقا للقوانين والأنظمة الدولية”.
كما أوضح أن “استقرار وأمن المنطقة لن يتحقق إلا من خلال التعاون والفهم المشترك بين دول المنطقة. وتستند السياسة المبدئية الإيرانية إلى الحفاظ على تعزيز العلاقات الودية مع جميع الدول المجاورة والإسلامية، استنادا إلى مبادئ القانون الدولي الحاكمة للعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة”.
وفي ما يخص المهام الموكولة إلى الشيباني، أضاف عراقجي أن “السيد شيباني مكلف بالتشاور مع جميع الأطراف ذات الصلة، وضمن ذلك الدول الصديقة في المنطقة، وذلك للقيام بالدور المنوط به، وتقديم النتائج الحاصلة عن تلك المشاورات بشكل منتظم لي شخصيا”.
جدير بالذكر أن تلك ليست المرة الأولى التي يعين فيها شيباني في هذا المنصب، ففي الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، عيّن عراقجي، شيباني مندوبا خاصا لوزير الخارجية لشؤون منطقة غرب آسيا.
من هو مندوب وزير الخارجية للشؤون السورية؟
محمد رضا رؤوف شيباني هو دبلوماسي إيراني بارز، ولد في العام 1960 وشغل العديد من المناصب المهمة بوزارة الخارجية الإيرانية، ما جعله إحدى الشخصيات البارزة في المشهد الدبلوماسي الإيراني، ويتميز شيباني بخبرة واسعة في العلاقات الدولية، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، حيث لعب دورا محوريا في العديد من المواقع الدبلوماسية الإيرانية بالمنطقة.
بدأ شيباني مسيرته المهنية في وزارة الخارجية بعد اجتياز امتحان القبول الخاص بوزارة الخارجية في العام 1981، بعدها التحق بأول دفعة في كلية العلاقات الدولية التابعة للوزارة، حيث أكمل دراسته الجامعية وحصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية.
وخلال هذه الفترة، أظهر شيباني اهتماما خاصا بالقضية الفلسطينية، حيث قدّم بحثا أكاديميا في نهاية دراسته جاء تحت عنوان “دراسة مقارنة للهياكل السياسية والاجتماعية للنظام الصهيوني ونظام الأبارتايد”، وهو نظام الفصل العنصري الذي اتبعته حكومة الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، حيث أشار إلى التشابه بين ممارسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والسياسات الإسرائيلية في فلسطين، ولاحقا، واصل تعليمه العالي وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية عام 1992.
بدأت مسيرة شيباني المهنية بوزارة الخارجية كخبير في شؤون الشرق الأوسط، وعمل في القسم الثالث السياسي تحت رئاسة محمود هاشمي رفسنجاني، الشخصية السياسية البارزة ورئيس الجمهورية في الفترة من 1989 إلى 1997، وفي العام 1988، تم تعيينه نائبا لمدير قسم فلسطين في الخارجية، ومن ثم أُرسل إلى قبرص كنائب لرئيس البعثة الدبلوماسية الإيرانية.
وخلال فترة وجوده في قبرص، شهدت المنطقة تطورات كبيرة، أهمها الغزو العراقي للكويت عام 1990، ما جعل قبرص مركزا مهما للترانزيت الدبلوماسي، خاصة بسبب إغلاق المجال الجوي إلى دمشق، وقد تعرضت السفارة الإيرانية بقبرص لمحاولات تنصت من قبل النظام الإسرائيلي، ما كشف عن التحديات الأمنية التي واجهها شيباني وفريقه.
في العام 1991، انتقل شيباني إلى القاهرة ليشغل منصب نائب رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية، وقد اتسمت تلك الفترة بالصعوبة الدبلوماسية الشديدة بسبب الحساسية السياسية بين إيران ومصر، حيث واجه تحديات كبيرة في التواصل مع المسؤولين المصريين الذين وصفهم بعد ذلك بأنهم لم يكونوا متعاونين بالشكل المطلوب. رغم ذلك، قام شيباني بإرسال رسائل رسمية مباشرة إلى وزير الخارجية المصري، لكنها لم تحقق نجاحا ملموسا.
عاد شيباني إلى إيران في منتصف التسعينيات وتولى منصب نائب مدير قسم الشرق الأوسط، ثم تم تعيينه نائبا لرئيس البعثة الدبلوماسية في دمشق، وقد جاء وجوده في سوريا خلال فترة حساسة للغاية، حيث شهد انتقال السلطة من الرئيس حافظ الأسد إلى نجله بشار الأسد في يوليو/تموز من العام 2000، إضافة إلى المفاوضات السورية مع الكيان الصهيوني، وقد عمل شيباني خلال تلك الفترة على تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا خلال هذه المرحلة الحاسمة.
بعد انتهاء مهمته في دمشق، عاد إلى طهران وتولى رئاسة قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، ليتم تعيينه في أواخر التسعينيات رئيسا لمكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة مجددا، حيث كان مسؤولا عن إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع مصر، ورغم محدودية الصلاحيات التي واجهها المكتب في ذلك الوقت، عمل شيباني على تحسين آليات التواصل وتعزيز الحوار الدبلوماسي، فإن التحديات السياسية حالت دون تحقيق تقدم كبير.
كذلك، فقد شغل شيباني عددا من المناصب الدبلوماسية، أهمها منصب سفير إيران لدى لبنان في العام 2006، وكان ذلك خلال فترة حرب الـ33 يوما التي كانت بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، وكذلك منصب السفير الإيراني لدى سوريا في العام 2011. كما شغل منصب السفير الإيراني لدى تونس في العام 2019، وأخيرا منصب السفير لدى ليبيا عام 2020.
هل نتوقع تطورا في العلاقات السورية الإيرانية؟
يأتي هذا التعيين في وقت تمر فيه العلاقات الإيرانية السورية بتحديات متعددة، فبعد الدعم الكبير الذي قدمته إيران لنظام الأسد خلال الأزمة التي ضربت سوريا في العام 2011، سواء عسكريا أو اقتصاديا، أصبحت إيران هي المنبوذ الأول في الداخل السوري بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، مما سبّب توترات حادة بين إيران والحكومة السورية الحالية، تلك التوترات تتزامن مع جهود إقليمية ودولية لإعادة تأهيل الحكومة السورية سياسيا، ما قد يدفع إيران إلى إعادة تقييم دورها في سوريا للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.
وفي هذا الشأن، فإن خطوة تعيين شيباني تعكس عدة دلالات، أولاها ما جاء في تحليل نشرته وكالة أنباء دانشجو الإيرانية بتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2024، وهي تأكيد الأهمية الاستراتيجية لسوريا بالنسبة لإيران، فرغم التوترات الأخيرة، لا تزال سوريا تشكل محورا مهما في استراتيجية إيران الإقليمية، سواء من الناحية الجيوسياسية أو الأمنية. وتعيين دبلوماسي بخبرة شيباني يشير إلى أن طهران تسعى لتعزيز وجودها في الملف السوري وضمان استمرار دورها كشريك رئيسي لدمشق.
كذلك، فقد ذكر تقرير الوكالة أن السعي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا الجديدة سيؤدي إلى إعادة بناء الثقة وتعزيز التنسيق مع الحكومة الحالية، حيث من المتوقع أن يعمل شيباني على تقوية قنوات التواصل مع القيادة السورية لتجاوز الخلافات الراهنة، فخبرته السابقة في دمشق وعلاقاته القوية مع المسؤولين السوريين تجعله خيارا مثاليا لقيادة هذه المهمة الحساسة.
أيضا تبرز أهمية تلك الخطوة الدبلوماسية في محاولة إيران التكيف مع التحولات الإقليمية والدولية، فكما أشار فتح الله كلانتري، الخبير في شؤون غرب آسيا، خلال حديث مع وكالة خبر أونلاين في 13 ديسمبر/كانون الأول 2024، يجب على إيران أن تتصرف وفقا للمعطيات الحالية، وتعيين ممثل خاص، يعكس إدراك إيران للتغيرات الجارية في المنطقة، مثل محاولات بعض الدول العربية استعادة العلاقات مع سوريا، وقد تعمل إيران من خلال هذا التعيين على تعزيز دورها في المعادلة الإقليمية ومنع أي تراجع لنفوذها في سوريا.