إعداد/ شيماء جلهوم
الوقوع في ولع السجاد العجمي يشبه الاستسلام لغوايةٍ أبدية، الانصياع خلف الجمال الذي يُنسج عبر الخيوط، تتبع الحكايات التي تسكن للأبد قطعةً فريدة، العشق السري لنسيج الحكايات والألوان، هذا الولع هو ما جعل القائد التاريخي الأبرز، الإسكندر المقدوني، يحمل معه من غزواته بالشرق خمسة آلاف قطعة من السجاد الفارسي، سجاد عمّر لآلاف السنين دون أن تتغير خيوطه أو تبهت ألوانه، فبقيت ما بقي التاريخ، وعرفه العالم “بالسجاد العجمي”.
تعود تلك التسمية للاسم الذي أطلقه العرب على المسلمين من بلاد فارس “العجم”، فصار كل فارسي أعجميا، والمراد بها “أجنبي” عن بلاد العرب، ومنذ الفتنة الأولى للإسكندر بالسجاد الإيراني، استمرت إيران في إبهار العالم بصناعتها الأولى والأشهر عالميا وهي “السجاد”، وصارت أشكال وأنواع السجاد الإيراني تؤرخ وتدرس عالميا باعتبارها الأهم والأروع على مستوى العالم، وصار الهوس بامتلاك سجادة أعجمية تضاف للتراث العائلي حلم أثرياء العالم.
قصص منسوجة
امتلاك سجادة إيرانية لا يعني أنها تستخدم مثل الاستخدامات العادية للسجاد، لكنها سجادة لها مكانة خاصة لدى العائلة التي تحوزها، إما أن تحفظها في خزانة خاصة، أو تعلق على جدار خاص، في برواز من الفضة مخصص لها، تتوارثها الأجيال داخل العائلة، وإن مر عليها الزمن بشيء أفسدها فهناك نساج متخصص لإصلاحها، ليس فقط متخصصا في إصلاح السجاد عامة، لكنه متخصص في إصلاح ذلك النوع من السجاد العجمي، الذي تنفرد قلة بحيازته من الأسر في مصر وحول العالم حتى الآن.
تروي كل مدينة إيرانية قصة نوع مختلف من السجاد، فيستطيع أي متخصص في السجاد العجمي، أن يعرف بسهولة إلى أي مدينة تنتمي كل سجادة، فباختلاف النقوشات والألوان، تتمايز المدن التاريخية لصناعة السجاد العجمي، وتعد من أبرز تلك المدن “أصفهان وتبريز وكاشان وقم.. إضافة إلى العاصمة طهران”.
تشكل صناعة السجاد في إيران أحد أهم الفنون في الإمبراطورية الفارسية القديمة، وتلبي إيران قرابة 30% من احتياجات السوق العالمية من السجاد، بقيمة صادرات تبلغ نحو نصف مليار دولار سنويا، ويعمل في صناعة السجاد نحو مليون ونصف المليون نساج إيراني، في مهنة تحافظ على التفرد الإيراني على سوقها العالمية، حيث تنتج طهران ما يقارب خمسة ملايين متر مربع من السجاد سنويا، يصدر منها أكثر من 80%.
السجاد العجمي والسياسة
لا تزال ذاكرة العلاقات الإيرانية الأمريكية، تتذكر الاستقبال التاريخي للرئيس الأمريكي أيزنهاور في العاصمة طهران، فقد قرر حينها الشاه محمد رضا بهلوي، أن يفرش السجاد الإيراني اليدوي من مطار مهر آباد غربي العاصمة الإيرانية، إلى قصر نياوران، شمال طهران، بمسافة نحو 25 كم متر مربع، كان المشهد من أكثر المشاهد مهابة في تاريخ الاستقبالات الإيرانية، وهو ما أراده الشاه بهلوي، بأن ييرز الاستقبال حجم وقوة الثقافة والتاريخ الإيراني الضاربة جذورها في عمق التاريخ.
لم يكن بهلوي فقط من يعرف قيمة السجاد الإيراني اليدوي، فكذلك يتذكر جميع تجار بازار طهران، وهو الأشهر لبيع السجاد الإيراني، ما فعله رئيس الوزراء اللبناني الراحل، رفيق الحريري، في أثناء زيارته لإيران في عام 2001، حين أمر مساعدوه بالنزول للسوق وشراء سجاد إيراني بمئات الآلاف من الدولارات، وحين استغرب معاونوه ذلك الطلب، أخبرهم بأن “من يقدر قيمة سجاد طهران يقدره أهل طهران”، وهو ما حدث بالفعل وعاشت ذكرى الحريري في نفوس أهل طهران حتى الآن.
أنواع السجاد العجمي
تعتبر أقدم سجادة يدوية تم تسجيلها في موسوعة غينيس، هي “سجادة بازيريك”، ويعود تاريخها إلى الفترة الأخمينية (500ق.م)، وتم اكتشافها خلال حفر أثري فريد من نوعه عام 1949، بين الثلوج من وادي بازيريك، بجبال التاي في سيبيريا، ولونها أحمر غامق، تحتوي رسوماتها على شخص يصور الغزلان وغيرها من الرسوم الفارسية. تشتهر إيران بصناعة السجاد اليدوي في المنازل، كما في المصانع الكبرى، ويبدأ تصنيع السجاد اليدوي بإعداد القالب الذي يتضمن النقشة، وتجهيز آلة الحياكة اليدوية، ثم الخيوط التي غالبا ما تكون من الصوف أو الحرير الطبيعي، يحدد سعر السجادة الإيرانية بحسب مدينة صنعها، وعدد العقد في كل سنتمتر، وكلما كانت العقد أقل كان سعر السجادة أعلى، ويتراوح السعر من ألفي دولار حتى سبعة آلاف لسجادة تبريزية متوسطة، بحسب عدد العقد، ومع تفنن الإيرانيين في إضافة مزيد من القيمة الفنية والتاريخية لسجادهم الأشهر، يميلون أحيانا لاستخدام خيوط من الذهب أو الفضة في تصنيعه، وحينها فقد يصل سعره إلى مئات الآلاف من الدولارات.
من بين أنواع السجاد الإيراني، يوجد السجاد “الشيروان” نسبة إلى مدينة شيروان القريبة من محافظة مشهد، وتقاس عقده بشكل عمودي وأفقي، ويصل سعر سجادة مقاس 6 أمتار إلى نحو 1500 دولار.
إضافة إلى تلك الأنواع، فهناك أيضا “سجاد القبائل”، وهو سجاد تصممه القبائل الفارسية القديمة، ولا يحدد سعره بحسب العقد، لكن بحسب سمك الخيوط المستخدمة في نسجه، ويمتاز بألوانه الطبيعية التي تمتاز بها طبيعة بلاد فارس القديمة.
أما سجاد “نائين” فهو السجاد القادم من أصفهان، ويحدد سعره بحسب الخيوط الصغيرة الموجودة في سمك الخيط الأكبر، الذي عادةً ما يكون من الحرير الطبيعي، لذا يعتبر هو الأغلى بين السجاد الإيراني، حيث يبلغ سعر السجادة الصغيرة منه نحو عشرة آلاف دولار.