كتبت: لمياء شرف
تحاول الحكومة الإيرانية استعادة جزء من نفوذها مع القيادة الجديدة في سوريا، حيث تواجه إيران تراجعا غير متوقع في نفوذها داخل سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد، وسبقه سحب كل القوات العسكرية الإيرانية من سوريا، وسط إنكار تام لوجود قوات عسكرية في سوريا ووصفهم بـ”مستشارين”.
إذ تواجه حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أزمات داخلية، قد تودي بمستقبل هذه الحكومة، لكن الأزمات الخارجية قد تدمر مستقبل الجمهورية الإسلامية في المنطقة العربية، بعد تراجع نفوذها داخل سوريا حليفها الأقوى في العقد الأخير، وذلك ما يثير قلق المسؤولين الإيرانيين.
وحسب صحيفة الغارديان البريطانية، في تقرير لها، يوم الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، تسعى إيران على المدى القصير إلى إنقاذ بعض نفوذها مع النظام السوري الجديد في دمشق.
ويصر الدبلوماسيون الإيرانيون على أنهم لم يكونوا مرتبطين بالرئيس المخلوع بشار الأسد بشكل وثيق، وأنهم أصيبوا بخيبة أمل بسبب رفضه التوصل إلى حلول وسط.
وقد سبق أن صرح وزير الخارجية عباس عراقجي، في تصريحات له نقلتها وسائل الإعلام الإيرانية والدولية يوم الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، بأن الحكومة السورية السابقة كانت مستقلة في قراراتها، ولم تكن تحت سيطرة إيران أو روسيا.
وأشار عراقجي إلى أن دعم إيران لسوريا لم يكن قط دعما لشخص معين، بل هو دعم للشعب السوري وحماية سيادة سوريا ووحدة أراضيها في مواجهة العدوان الإسرائيلي على من يصفهم بـ”الجماعات الإرهابية” .
وأكد أن وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا كان موجها لمحاربة تنظيم الدولة وجماعات مسلحة أخرى.
وفي تصريحات سابقة له قال عراقجي إن إيران توصلت منذ فترة طويلة، إلى قناعة بأن استمرار الحكم في سوريا سيواجه تحديا كبيرا، مشيرا إلى أنه كان من المتوقع أن يظهر المسؤولون الحكوميون مرونة تجاه السماح للمعارضة بالمشاركة في السلطة، لكن هذا لم يحدث.
وأضاف: “كانت طهران دائما على اتصال مباشر مع وفد المعارضة السورية. منذ عام 2011، كنا نقترح على سوريا ضرورة بدء محادثات سياسية مع تلك الجماعات المعارضة التي لم تكن مرتبطة بالإرهاب”.
وفي سياق متصل، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في تصريحات له يوم الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن إيران دخلت سوريا في عام 2012، بناءً على طلب بشار الأسد المساعدة في هزيمة تنظيم داعش.
وأكد بقائي أن “الدور الإيراني داخل سوريا اقتصر على الجانب الاستشاري فقط، ولم نكن في سوريا للدفاع عن مجموعة أو فرد معين”، موضحا أن هدف إيران من التدخل هو المساعدة في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والاستقرار.
دور استشاري
تردد إيران حاليا رواية أن دورها داخل سوريا خلال السنوات الماضية ما هو إلا دور استشاري وليس عسكريا، حيث أثار غضب الإيرانيين ما صرح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن القوات الإيرانية طلبت دعم روسيا في إجلاء 4000 مقاتل إيراني من قاعدة حميميم إلى طهران، في حين توجهت بعض الوحدات الأخرى إلى لبنان والعراق دون الدخول في مواجهات مباشرة.
نفت قيادات في الحرس الثوري الإيراني تصريحات بوتين، معتبرين أن هذه التصريحات لا تعكس الواقع الميداني في سوريا، مشيرين إلى أن الأعداد الحقيقية أقل من ذلك بكثير، وأن معظم من تم نقلهم ليسوا قوات إيرانية.
وقال القيادي بالحرس الثوري، إسماعيل كوثري، عضو هيئة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، وفق ما نقلته صحيفة ” جماران” الايرانية المحسوبة على مكتب خامنئي، يوم الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، إن القوات التي قامت روسيا بنقلها من سوريا إلى إيران تضم مواطنين من لبنان وأفغانستان ودول أخرى كانوا يعملون مستشارين في سوريا، مؤكدا أن “إيران لم يكن لديها 4000 جندي في سوريا، ولم نرسل هذا العدد في أي وقت مضى”.
وأوضح كوثري أن المستشارين الإيرانيين بقوا في سوريا حتى اللحظة الأخيرة لدعم جيش النظام السوري، مشيرا إلى أن الوضع لم يكن مشجعا، حيث قال: “لم نر جيش النظام السوري ولا بشار الأسد يقفان بشكل كافٍ”.
وأكد أن “المستشارين الإيرانيين تكبدوا خسائر بشرية في الصراعات الأخيرة، حيث تم تسجيل 15 شهيدا من صفوف المستشارين الإيرانيين”.
من جانبه، أكد محمد جعفري الأسدي، قائد قاعدة خاتم الأنبياء بالحرس الثوري الإيراني، وفق ما نقلته صحيفة “جماران” الايرانية المحسوبة على مكتب خامنئي، يوم الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن إيران لم تسحب قواتها العسكرية عبر روسيا، مشيرا إلى أن من تم نقلهم كانوا مدنيين ومقيمين في سوريا لفترات طويلة.
وقال: “لقد ساعدَنا الروس في إعادة المواطنين الإيرانيين، وليس القوات العسكرية”، مضيفا أن غالبية الأشخاص الذين تم نقلهم ليسوا جنودا إيرانيين، بل شيعة من جنسيات أخرى، مثل الأفغان والباكستانيين، وحتى السوريين الذين كانوا يعملون في المواقع الدينية كمقام السيدة زينب ومقام السيدة رقية.
وأكد الأسدي أن إيران سحبت مستشاريها العسكريين بنفسها، عبر مسارات أخرى مثل لبنان، نافيا نفيا مطلقا تحريك إيران قواتها العسكرية.
وشدد الأسدي قائلا: “لن نسمح لروسيا أو أي طرف آخر بتحريك قواتنا العسكرية، وما حدث هو عملية لإجلاء مدنيين ومقيمين شيعة؛ حفاظا على حياتهم”.
ومن جهة أخرى، يتوقع بعض المسؤولين الإيرانيين أن النجاح الذي تستمتع به تركيا حاليا في سوريا قد يكون قصير الأمد، حيث ستبدأ مصالح أنقرة في التباعد عن الحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام، باعتبار أن هذه الجماعة والفصائل التي حولها كانت مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل كثير من الدول ومن ضمنها تركيا.
إذ قال عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام سابقا والمرجع الشيعي ناصر مكارم شيرازي: “علينا متابعة القضية السورية بأمل، ونعلم أن هذا الوضع لن يستمر، لأن الحكام الحاليين في سوريا لن يبقوا متّحدين مع بعضهم البعض”.
وفي سياق متصل، توقعت صحيفة “جوان” الإيرانية الأصولية في تقرير لها يوم الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن فترة شهر العسل الحالية في سوريا ستنتهي بسبب تنوع الجماعات السلفية، والمشاكل الاقتصادية، وانعدام الأمن، وتنوع الفاعلين.
وتستاء إيران من تركيا؛ لدورها في المساهمة في إسقاط الأسد، حيث قال المرشد الأعلى، علي خامنئي، في خطابه الذي علق فيه على سقوط الأسد: “إن دولة مجاورة لسوريا لعبت دورا واضحا في تشكيل الأحداث ولا تزال تفعل ذلك الآن”.
ونشرت وكالة أنباء فارس، يوم السبت 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، ملصقا يظهر زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع في تحالف مع رجب طيب أردوغان وبنيامين نتنياهو وجو بايدن.
ومن جانبه، تساءل المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران وفق تقرير له نشره في موقعه الرسمي، يوم الاثنين 16 ديسمبر/كانون الأول 2024، عما إذا كانت هيئة تحرير الشام ستظل حليفة لتركيا لفترة طويلة.
وقال في تصريحات تناقلتها وسائل إعلام إيرانية: “رغم أن تركيا تعد واحدة من المستفيدين الرئيسيين من سقوط بشار الأسد على المدى القصير، فإن أنقرة لن تتمكن أبدا من جلب حكومة متحالفة معها إلى السلطة في سوريا”.
وتابع: “إذا حاولت هيئة تحرير الشام تشكيل حكومة مستقرة في سوريا، وهو أمر مستحيل، فإنها ستصبح في المدى المتوسط تهديدا كبيرا لتركيا، التي تشترك في حدود يبلغ طولها 830 كيلومترا مع سوريا”.
وتوقع الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، وفق تصريحات له نقلتها صحف إيرانية يوم الخميس 19 ديسمبر/كانون الاول 2024، مستقبلا قاتما لسوريا وتركيا، قائلا: “في الأسابيع الأخيرة، دُمِّرت كل القوة العسكرية لسوريا بواسطة إسرائيل، وللأسف، لم يرد المسلحون وتركيا بشكل مناسب على إسرائيل. سيستغرق إعادة بناء الجيش السوري والقوات المسلحة سنوات”.
وقال محسن بهاروند، السفير الإيراني السابق لدى المملكة المتحدة، وفق ما نقلته صحيفة “جماران” الايرانية التابعة لمكتب خامنئي، يوم الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، إن الحكومة في دمشق ستجد نفسها تعتمد بشكل مفرط على تركيا.
وقال: “إذا حاولت الحكومة المركزية في سوريا تعزيز سلطتها وسيادتها من خلال التدخل العسكري والمساعدة من الدول الأجنبية- وصمن ذلك تركيا- فإن سوريا، أو أجزاء رئيسية منها، ستُحتل من قبل تركيا، وستجد تركيا نفسها في مستنقع يكبدها تكاليف بشرية واقتصادية باهظة”.
وتوقع حدوثَ توترات بين تركيا وهيئة تحرير الشام، خصوصا بشأن كيفية التعامل مع مطالب الأكراد السوريين بالحكم الذاتي في شمال شرقي سوريا.
وأفادت تقارير يوم السبت 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، بأن الجيش الوطني السوري الممول من تركيا مستعد لشن هجوم على قوات سوريا الديمقراطية الكردية في كوباني، وهي بلدة ذات أغلبية كردية على الحدود الشمالية مع تركيا.
وفي تصريحات له قبل أيام، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، يوم الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، إنه إذا تمت معالجة القضية “بشكل مناسب” فلن تسعى أنقرة إلى التدخل العسكري، مضيفا أن هناك إدارة جديدةً الآن في سوريا، معتقدا أن هذا هو شأنها الأساسي الآن.