ترجمة: يارا حلمي
أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية الإصلاحية، الاثنين 14 أبريل/نيسان 2025، حوارا مع حسين آخاني الناشط البيئي وأستاذ علم النبات بجامعة طهران، ناقشت فيه أبعاد وعمق أزمة الجفاف والنقص في مصادر المياه، والتي من المرجح أن تزداد حدّتها خلال فصل الصيف.
ذكرت الصحيفة أنه في حين أن التوترات المائية في بعض مناطق البلاد، مثل أصفهان ويزد وبوشهر وكازرون، خلال الأيام الأولى من السنة، تشير إلى أن النزاعات حول المياه قد تتزايد في مناطق مختلفة من البلاد بقدر ما يتزايد الجفاف، وهناك مسألة بالغة الأهمية تكمن في أن معظم سدود البلاد قد أصبحت فارغة، ولهذا السبب فإن القيود المائية ستصل عاجلا أو آجلا إلى المنازل السكنية.
وأشارت إلى أن آخاني أوضح، أن التوقعات بانقطاع المياه في مناطق مختلفة من البلاد خلال فصل الصيف كانت قائمة منذ وقت طويل، كما أن الخبراء والمختصين لم يطلقوا هذه التحذيرات في العام الحالي (2025) والعام الماضي (2024) فقط، بل حذروا منها على مدى العقود الماضية، منبّهين باستمرار إلى محدودية الموارد المائية في البلاد.
نص الحوار:
ما حجم الجفاف في عام 2025، وما هي تداعياته المتوقعة على البلاد؟
هناك ثلاث مشكلات رئيسية تفسر هذا الوضع، الأولى تتعلق بطبيعة المناخ القاري غير القابل للتنبؤ في إيران، وهو أمر ملازم للبلاد منذ زمن بعيد، أما المشكلة الثانية، فهي «التنمية غير المستدامة» التي قامت بها السياسات الرسمية، والتي أدت إلى جفاف الأنهار والبحيرات والأراضي الرطبة.
وفي الواقع، خلال العقود الماضية، البلاد لم تُحسن إدارة الموارد البيئية المحدودة المتاحة، حيث دُمّرت الأنهار والمياه الجوفية بسبب اعتماد الاقتصاد الوطني على المياه، وهذا يحدث في الوقت الذي لا يتوقف فيه المسؤولون في المنصات الرسمية عن الحديث عن ضرورة التنمية المستدامة، في حين أن ما يُمارس على أرض الواقع هو العكس تماما.
أما المشكلة الثالثة عالمية، وهي ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهذه الظاهرة تطال كل بلدان العالم، إلا أن منطقة الشرق الأوسط، وضمنها إيران، تواجه هذا التحدي بشكل مضاعف، وأثبتت الدراسات الإقليمية أن معدل تغيّر المناخ في الشرق الأوسط يتضاعف مقارنة بباقي أنحاء العالم.
ما الأفق الذي ينتظر البلاد في ظل هذا الوضع؟
بالنظر إلي الأحداث الحالية، لا أرى أفقا مشرقا في هذا الملف، وفي إيران أسّسنا اقتصادا يعتمد على المياه، وفي ظل التوترات السياسية والعالمية التي نواجهها، أصبحنا معتمدين على الموارد الطبيعية الداخلية من أجل بقاء البلاد.
ولهذا السبب فإننا نغرق أكثر فأكثر في هذا المستنقع الذي صنعناه بأنفسنا، والخروج من هذا الوضع يتطلب أولا مراجعة العلاقات الاجتماعية وإعادة تنظيم العلاقات بين المسؤولين، وبين الشعب، وكذلك بين الشعب والسلطات.
وفي مثل هذه الظروف، فإن السبيل الوحيد للاستفادة من كل الخبرات والتخصصات هو إشراك جميع الكفاءات بغض النظر عن خلفياتهم السياسية، وهذا التنوع في الآراء يمثل طاقة وطنية يجب توظيفها، وأنه لا ينبغي أن تكون الرؤية السياسية عائقا أمام توظيف المتخصصين.
كما أن هناك حاجة إلى إلغاء كل أشكال الانتقاء غير الضروري في مؤسسات الدولة، سواء في اختيار الوزراء أو أعضاء البرلمان أو أعضاء الهيئات الأكاديمية، حتى تُمنح الفرصة للكفاءات الحقيقية لتولي صنع القرار.
مع ضرورة فتح باب التفاعل مع العالم الخارجي، بما يسمح باستخدام إمكانات إضافية موجودة داخل البلاد، وفي مثل هذه الحالة فقط يمكن تخفيف الضغط عن الموارد الطبيعية، وخاصة المائية.
في الأيام الأولى من السنة، شهدنا توترات مائية بين مناطق مثل أصفهان ويزد وبوشهر وكازرون. هل يُتوقع أن تتزايد النزاعات حول المياه بين المناطق المختلفة؟
هذا الوضع كان متوقعا في السابق، وإن من لديهم دراية بالقضايا الاجتماعية في إيران يعرفون جيدا أن النزاعات حول المياه بين المناطق المختلفة أمر محتمل جدا، حيث إن مثل هذه الخلافات تظهر حتى على نطاق ضيق داخل المجتمعات المحلية، بين المزارعين على سبيل المثال، بشأن كميات المياه المستخدمة.
وهذه الظاهرة طبيعية وشائعة، وفي مثل هذه الظروف، يجب إدارة الوضع بشكل صحيح لتجنب تفاقمه وحله بطرق سلمية، والإخفاق في ذلك سيؤدي حتما إلى تصاعد التوترات في المستقبل، ومن المؤكد أن الموارد الطبيعية، خاصةً المياه، تتطلب إدارة خاصةً هذا العام لمنع تعقيد الوضع أكثر.
ومن المؤكد أن بعض الخلافات حول المياه تعود إلى جذور تاريخية قديمة، إلا أن معظمها حديثة النشأ، تفاقم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين يحوّل هذه الخلافات إلى أزمات حقيقية تظهر في مختلف أنحاء البلاد.
إلى أي مدى يُعدّ انقطاع المياه في المنازل خلال فصل الصيف هذا العام مسألة جديّة؟
هذا الوضع قائم بالفعل ولا يقتصر على فصل الصيف فقط، على سبيل المثال، في مدينة مشهد، يتم قطع المياه عن المنازل أحيانا لمدة تصل إلى ست ساعات يوميا.
وهذا الوضع ينسحب أيضا على مدن أخرى في البلاد، وهو أمر بات مفهوما بالنسبة للمواطنين، ومن المرجح أن تزداد حدة الأزمة مع قدوم فصل الصيف، وفي ظل هذه الظروف هناك احتمال أن تصل أزمة المياه إلى العاصمة طهران، وعندما تصبح الموارد شحيحة، فلا مفر من اتخاذ إجراءات صارمة.
ومن المتوقع منذ فترة طويلة اتساع رقعة انقطاع المياه خلال الصيف في مناطق مختلفة من البلاد، ولم يتوقف الخبراء والمختصين منذ عقود عن التحذير من محدودية الموارد المائية في إيران.
لكن لم يُعر أحد اهتماما لهذه التحذيرات، واستمرت السياسات البيئية الخاطئة على حالها، حتى وصلت البلاد إلى وضع تعاني فيه معظم المدن، بما في ذلك العاصمة، من أزمة مائية حادة.
أغلب السدود في البلاد قد فرغت من المياه.. ما تأثير ذلك على محدودية الموارد، وما أسباب هذا الفراغ؟
على الرغم من أن العوامل المناخية وتراجع نسبة الأمطار لعبت دون شك دورا في تفريغ السدود، فإن لدي فرضية، مفادها أن أحد أبرز أسباب هذا الجفاف يعود إلى مشاريع “حصاد مياه الأمطار” (هي مشاريع تهدف إلى جمع وتخزين مياه الأمطار في مناطق معينة) التي تنفذ في أعالي السدود، ويظهر أن هذا الأمر واضح بشكل خاص في مناطق مثل حوض نهر زاينده رود (في محافظة أصفهان) وسلسلة جبال البرز.
وتمنع هذه المشاريع تدفق المياه السطحية، ما يؤدي إلى انخفاض كمية المياه التي تصل إلى الأنهار والسدود الواقعة على مسارها، وهذه المسألة تتطلب دراسات أعمق، وإرادة سياسية حقيقية لإعادة النظر في بعض السياسات القائمة.
كما أن الحكومة وحدها غير قادرة على حل المشكلات البيئية، لأنها في الأساس تنفذ السياسات التي يضعها البرلمان، والحقيقة أن الحكومة الإيرانية لا تملك صلاحيات واسعة في العديد من المجالات، وربما لا تملك أي صلاحيات في بعضها، والبرلمان الحالي لا يتناغم مع الحكومة، وربما لا يشعر بالضيق من قلة صلاحيات الحكومة، بل قد يكون سعيدا بذلك.
ومن المؤكد أن إدارة الموارد المائية بشكل فعّال تستدعي وجود إرادة جماعية وعزم حقيقي من جميع الأطراف، كما أن عملية اتخاذ القرار في هذا المجال يجب أن تكون علمية وتخصصية، ولا يجوز أن تُبنى على المصالح السياسية لفئة أو تيار سياسي معين.
وبالإشارة إلى أن أكثر القطاعات البيئية تضررا في العقود الماضية كانت الموارد المائية، وعلى مدى العقود الماضية تم تدمير كثير من موارد المياه في البلاد بسبب السياسات الخاطئة في التوسع العشوائي في بناء السدود، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم، كما أن الاستخدام غير العلمي للمياه الجوفية ساهم أيضا في تعميق الأزمة.