حوار : مصطفى أفضل زادة – مراسل زاد إيران في طهران
ترجمة: نوريهان محمد البهي
تواجه إيران أزمة حادة، تتمثل في انخفاض سعر عملتها المحلية الريال الإيراني، أمام الدولار الأمريكي، وتلقي تلك الأزمة بظلالها على النواحي الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وحول ذلك الموضوع أجرى موقع زاد إيران حواراً مع الخبير والباحث في مجال الاقتصاد، إحسان سلطان.
في الآونة الأخيرة، تمت الإشارة إلى موضوع الدولار النيمي في تقييم سياسات البنك المركزي.. هل يمكنك توضيح هذه السياسة وما الأهداف التي تسعى لتحقيقها؟
إن استبدال الدولار التجاري بالدولار النيمي ليس إلا اسماً رمزياً لزيادة سعر العملة بشكل رسمي، ففي عام 2018، أعلن رئيس البنك المركزي في ذلك الوقت، عبد الناصر همتي، ضرورة إنشاء نظام جديد لخفض سعر العملة، وهو ما أدى إلى إنشاء نظام “نيما”.
ومع ذلك، ما حدث فعلاً هو أن سعر الدولار ارتفع من 7 آلاف تومان إلى 12 ألف تومان، مما يوضح أن الهدف الحقيقي لم يكن خفض سعر العملة، بل رفعه.
من المسائل المثارة حالياً، أن المصدرين لا يعرضون عملاتهم في نظام نيما بسبب الفارق الكبير في سعر الصرف بينه وبين السوق الحرة.. ما رأيكم في هذه القضية؟
في رأيي أن الادعاء بأن الحكومة لا تستطيع إجبار المصدرين على عرض عملاتهم في نظام نيما هو ادعاء غير صحيح. هل من المعقول أن حكومة لا تستطيع فرض سلطتها؟ الحكومة لديها القدرة على إجبار المصدرين عبر إجراءات مثل تجميد حساباتهم أو قطع خدمات أساسية كالماء والكهرباء، وغير ذلك من الوسائل.
ومع ذلك، الحكومة لا تقوم بذلك، لأن هدفها ليس السيطرة على سعر العملة، بل تسعى إلى رفع سعرها كذريعة لزيادة قيمتها”.
لقد أشرتم إلى استراتيجية وزير الاقتصاد التي تساهم في رفع سعر العملة.. ما هذه الاستراتيجية بالتحديد؟
بالطبع.. لقد صرح وزير الاقتصاد، مراراً وتكراراً بأن سعر العملة في السوق الحرة لا علاقة للحكومة به، بل إنها لا تعترف حتى بهذه السوق.
ومع وجود فارق كبير بين سعر العملة في نظام نيما والسوق الحرة، يشير وزير الاقتصاد الآن إلى أنه يجب أن تتقارب هذه الأسعار، وهذه استراتيجية لرفع سعر العملة.
وفي الواقع، أي شخص يمتلك عملة يمكنه تحديد السعر الذي يريده لها، وهذا الوضع في صالح الحكومة.
وبناء على ما أشرتم إليه فإن بعض الأشخاص يستغلون هذه الوضعية.. هل يمكنك توضيح ذلك بشكل أكبر؟
نعم.. في الواقع أنه في الوقت الحالي، يقوم بعض الأشخاص بإعداد سلع للتصدير بسعر دولار منخفض يبلغ 50 ريالاً إيرانياً، ثم يبيعون العائدات الناتجة عن صادراتهم بسعر أعلى، مثلا بقيمة 60 ريالاً إيرانياً.
كما أن وزارة الاقتصاد والبنك المركزي يسهلان هذه العمليات، وبالتالي يحقق هؤلاء الأشخاص أرباحاً كبيرة.
في رأيك.. كيف هي الحالة المعيشية للشعب الإيراني في ظل هذه الظروف؟
للأسف، المسؤولون لا يولون اهتماماً كافياً للظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها الشعب، مع أن الشعب لا يستطيع تحمّل المزيد من الضغوط، وهذه الوضعية أصبحت شديدة الصعوبة عليهم.
أنتم تعتبرون الفكر الوسطي مسؤولاً عن الوضع الحالي للاقتصاد الإيراني.. فما وجهة نظركم في ذلك؟
بالطبع.. نعم، الفكر الوسطي الذي يعتمد على تحويل جميع جوانب الاقتصاد إلى الدولار هو المسؤول عن الوضع الحالي.
والآن حتى المنتجات المحلية الإيرانية مثل الفواكه يتم شراؤها بسعر الدولار، وكذلك اللحم والعديد من السلع الأخرى يتم حسابها بأسعار الدولار، لكن عندما يتعلق الأمر بأجور العمال، لا أحد يطالب بمراجعة الأجور لتواكب الأسعار العالمية.
ورغم كل العقوبات والضغوطات، كانت الإيرادات بالعملة الصعبة في العقد 2011 مماثلة تقريباً لما كانت عليه في العقد 2001.
ومع ذلك، لم تُستثمر هذه الدولارات لتحسين وضع الشعب، بل ذهبت في الغالب إلى جيوب الأوليغارشيين –رجال الأعمال الروس- وتم نهبها فعلياً، وبعض هذه الدولارات تم إنفاقها داخل البلاد، لكن الجزء الأكبر منها كان لصالح أفراد معينين.
تُشير بعض التقديرات إلى أن ما بين 20 إلى 40 مليار دولار من العملة الأجنبية في أيدي المواطنين، بينما لا يتجاوز حجم صادرات النفط السنوية الإيرانية 10 مليارات دولار. كيف يمكن لهذه المبالغ إذا دخلت السوق أن تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني؟ وما الحلول المقترحة لتحويل هذه الأموال إلى الدورة الإنتاجية؟
في الواقع، يُقدّر دخل إيران من النفط بأكثر من 50 مليار دولار سنوياً، ولكن بسبب القلق من الوضع الاقتصادي، قام العديد من المواطنين بتحويل أموالهم إلى ذهب وعملات أجنبية.
ومن المتوقع أن يكون هناك ما لا يقل عن 50 إلى 60 مليار دولار من السيولة المخزنة في منازل المواطنين.
بينما الحل المقترح هو جمع العملات الأجنبية في البنوك، كما فعلت تركيا، مع دفع فوائد منخفضة للمودعين، تتراوح بين 2% إلى 3%.
لكن للأسف، أدى انعدام الثقة في النظام الاقتصادي إلى تفضيل المواطنين تحويل أموالهم إلى ذهب أو عملات أجنبية، لأنهم لا يرون أن العملة الوطنية قادرة على الحفاظ على قيمتها في ظل هذه الظروف، وبالتالي يسعون لحماية قيمتها عبر تحويلها إلى عملات أخرى.
السياسات الاقتصادية في إيران تساهم في تفاقم الفجوات الاجتماعية.. هل ستستمر هذه الظاهرة في التفاقم في المستقبل القريب؟
نعم.. الضغوط الاقتصادية تزيد بلا شك من الفجوات الاجتماعية، مما يجعل الشعب يواجه المزيد من الصعوبات.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن السياسات الاقتصادية تهدف إلى زيادة معاناة الشعب وتقليل استهلاكهم، بينما يستفيد بعض الأفراد من التلاعب بأسعار العملات ويحققون ثروات طائلة.
في النهاية.. ما توصياتك للمسؤولين؟
من وجهة نظري، أعتقد أن أهم مسؤولية تقع على عاتق الحكومة هي تحسين ظروف حياة المواطنين.
وإذا استمر المسؤولون في اتباع نفس السياسات الخاطئة التي اتبعوها في الماضي، فلن تحقق أي من أهدافهم.
لذا أوجه نصيحتي لهم بأن يركزوا على تقييم فاعلية السياسات المتبعة، وألا ينخدعوا بالأسماء الجميلة والأهداف المثالية التي يروج لها بعض المسؤولين الاقتصاديين لتبرير سياساتهم القديمة.