ترجمة: أسماء رشوان
نشر موقع “فرارو” الإصلاحي حوارا يوم الأحد 23 فبراير/شباط 2025، مع عيسى كلانتري، الناشط السياسي الإصلاحي، سلط الضوء على الأبعاد الخفية للوضع الراهن في إيران والاستراتيجية التي ينبغي اتباعها، وورد في الحوار:
الوضع الحالي في البلاد استثنائي ومليء بالأزمات الكبرى، وهناك تحديات هائلة يجب التصدي لها. فماذا ينبغي للحكومة أن تفعل لحل هذه الأزمات؟
في ظل هذه الظروف، أي شخص أو جهة لا تضع المصلحة العامة للبلاد في الاعتبار وتتحدث بخلاف المصالح الوطنية تُعدّ عدوة للشعب. يجب أن يكون التركيز في المجالات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية على مصلحة المواطنين، الذين تعرضوا خلال السنوات الأخيرة لضغوط هائلة. فإذا كانت المصلحة الوطنية تتحقق من خلال الحوار، وخفض التوترات، والدبلوماسية، فلا بد من السير في هذا الاتجاه.
كما يجب التفاوض والتواصل مع أي طرف يمكن أن يخفف من معاناة الشعب، أما القضايا الجانبية فلا تفيد سوى جماعات معينة. في هذه الأيام، يظهر في الإعلام الرسمي للدولة من يناقض سياسات الحكومة ضد المصالح الوطنية، دون أن يتصدى لهم أحد.
المصلحة الوطنية يجب أن تكون الأولوية، فكيف يمكن تحقيقها في ظل الوضع الراهن؟
لتحقيق المصالح الوطنية، لا بد من إجراء نقاشات سياسية جادة داخليا وخارجيا، والانخراط في مفاوضات، وتنفيذ خطط جديدة. هناك العديد من السياسات والبرامج المصادق عليها لكنها لا تخدم المصلحة الوطنية، مثل بعض بنود الخطة السابعة للتنمية، التي تحتاج إلى تعديلات جذرية. لا يمكن لأي شخص الوقوف وإهانة المؤيدين للتنمية والتفاوض، فهذا تصرف يضر بالمصلحة الوطنية.
ومن أجل تحديد الاستراتيجية والمسار المناسب لإيران في الظروف الحالية، لا بد من الحصول على صورة دقيقة عن أوضاع البلاد. فكيف يبدو حال الشعب والبلاد اليوم؟
اليوم، يعاني الشعب الإيراني من الفقر، وعدم المساواة، والفساد الاقتصادي، والتمييز، ونقص الفرص، وأزمات الطاقة والبيئة، واستغلال بعض الفئات لموارد البلاد. أكثر من 70% من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، وهذه ليست مجرد تقديرات، بل إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة العمل.
كما تسيطر بعض الفئات والجهات على اقتصاد البلاد وثرواتها دون دفع الضرائب، بينما الأغلبية، التي تعمل بجهد، تحصل على حصة ضئيلة من الموارد وتكافح ضد الفقر. والأسوأ من ذلك، أن هؤلاء الفقراء يضطرون لدفع الضرائب، بينما الأقلية الثرية والمتطرفة تستفيد من هذه الأموال لمضاعفة ثرواتها. هذه الفجوة الكبيرة في توزيع الثروات لا تمنع فقط تحقيق التنمية، بل تعمق الفقر وتهدد مستقبل الأجيال القادمة.
وقد نالت الحكومة أصوات الشعب بناء على وعودها بمحاربة الفساد والتمييز. منذ بداية التسعينيات وحتى اليوم، تقلص حجم الاقتصاد الإيراني إلى الثلث، وأصبحت البلاد في حالة استنزاف مالي. ركز الرئيس مسعود بزشكيان بشكل صحيح على التمييز وتحقيق العدالة، مما يدل على إدراكه العميق لمكامن الخلل.
ولكن، إذا لم تُفتح البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية ولم يتم التواصل مع العالم، فلن يكون أمام الرئيس وحكومته سوى توزيع الفقر بشكل عادل، نظرا لأن الثروة والإنتاج شبه معدومين، وبالتالي لن يكون هناك شيء يمكن توزيعه بعدالة!
عندما تسلمت حكومة محمود أحمدي نجاد الأصولية السلطة عام 2005، كانت المؤشرات الاقتصادية في وضع جيد، لكن ماذا حدث حتى وصلت البلاد إلى هذه الحالة الاقتصادية المتدهورة اليوم؟
السبب يعود إلى أن فئة معينة دفعت بالبلاد إلى الهامش، حيث لم يتم تنفيذ أي استثمارات منتجة خلال السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، وفقا للأسعار الثابتة قبل تسع سنوات، أي عام 2016، تم استثمار 3500 تريليون ريال، بينما في السنوات الخمس الأخيرة فقط (2019-2024)، بلغ إجمالي الاستثمارات 500 تريليون ريال! بهذه الطريقة، لا يمكن بناء البلاد أو حل مشاكل الشعب.
أخبرني من هم الذين يعارضون المفاوضات ويهينون الحكومة والشعب؟ إنهم أولئك الذين امتلأت بطونهم، وترتبط مصالحهم بالعقوبات، الحرب، التوتر، وتوسيع رقعة الفقر. هؤلاء يزدادون ثراء كلما زاد فقر الشعب. والسؤال هنا: من المستفيد من العقوبات؟ أليس الفساد المالي الذي بلغ 3.8 مليار دولار قد سُجل في عهد هؤلاء الأشخاص؟ ومع ذلك، لا أحد يحاسبهم!
وفي ظل هذه الظروف، كيف ينبغي لحكومة بزشكيان أن تتصرف؟ فالضغوط تتزايد، يوما يُعزل الوزراء، وفي اليوم التالي تُمنح لهم منصة على شاشة هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية لإهانة الحكومة والتشكيك في سياسة خفض التصعيد.
ما يجب على بزشكيان فعله هو التمسك بوعوده الانتخابية والمضي قدما نحو تحقيق رفاهية الشعب، تماما كما تعهد بذلك ووضع نفسه ضمانا له.
لو طلب منك تقديم حل للحكومة، ما هي القضايا التي ستذكرها؟
لحل الأزمة، يجب إعادة النظر في طريقة التفكير وطرح السؤال: ما الذي أدى إلى تجاهل المصالح الوطنية؟ بلا شك، هناك سياسات دفعت البلاد إلى هذا الوضع، ومن الواضح أن المتطرفين وتجار العقوبات يستفيدون من استمرار الأوضاع الحالية. اليوم، تدفع إيران 30% أكثر في كل معاملة مالية دولية، وهذه النسبة تصب في جيوب المستفيدين من العقوبات.
كلما ضعف الاقتصاد، زاد التمييز، وارتفع المعامل الجيني للفجوة الاقتصادية، والنتيجة؟ أقلية صغيرة تصبح أكثر ثراء، بينما تزداد الأغلبية فقرا. حتى عند التعامل التجاري مع الدول المجاورة، تواجه إيران مشكلات؛ العراق لا يدفع ثمن الكهرباء، قطر لا تحوّل الأموال المحتجزة من كوريا الجنوبية، وتركيا لا تستطيع دفع مستحقات الغاز. إذن، كيف يمكن لإيران إنتاج الثروة؟ نحن ببساطة نبيع للدول المجاورة، لكننا لا نحصل على أموالنا، لذلك يجب على إيران أن تقدم المساعدة بما يتماشى مع استراتيجيتها!
إن العقوبات الاقتصادية، الناتجة عن السياسات المتطرفة، هي السبب الرئيسي للأزمات الاقتصادية في إيران. والحل يكمن في خفض التوترات وإرسال إشارة واضحة للعالم بأن إيران مستعدة للحوار والتفاهم. خلال الأعوام العشرين الماضية، لم تتمكن إيران حتى من تعويض استهلاكها من البنية التحتية، مما يعني أن البلاد تتجه نحو مزيد من التآكل والفقر.
إذا كان بالإمكان تصنيع الطائرات المسيّرة عبر الهندسة العكسية، فلماذا لا يُستخدم النهج ذاته لفهم السياسات التي دمرت البلاد؟ ما هي السياسات التي دفعت 75% من الشعب تحت خط الفقر؟ ولماذا تتركز 90% من ثروة البلاد في أيدي 5% فقط من السكان؟
هذه الأرقام ليست سرا، ويمكن تحليلها بسهولة واستخلاص الحلول. حتى الذكاء الاصطناعي يستطيع تحليل وضع إيران فورا ويخلص إلى أن الحل يكمن في رفع العقوبات، تحقيق الشفافية في السياسات، وتهيئة بيئة مواتية للتنمية. لكن للأسف، هناك جهات تعارض هذه الإصلاحات، لأن مصالحها مرتبطة باستمرار الوضع الراهن.
إلى متى يستطيع الشعب تحمُّل هذه الظروف؟
إذا استمر الوضع الحالي، فالنتيجة الحتمية ستكون انفجارا اجتماعيا، لأن المجتمع فقد قدرته على التحمل. في الواقع، لم يعد الشعب يفكر في تحسين حياته، بل أصبح نضاله متعلقا بالبقاء فقط.
المؤشرات الاقتصادية مرعبة، فلو كان دخل الفرد قبل 14 عاما يساوي 100، فإن قدرته الشرائية اليوم أصبحت أقل من 25! المواطنون ذوو الدخل الثابت فقدوا 75% من قوتهم المالية خلال 14 عاما، وخلال الفترة نفسها، ارتفعت الرواتب بنسبة 16% فقط سنويا، بينما بلغ معدل التضخم أكثر من 31% سنويا! فالتضخم المركب بنسبة 31% يعني أن تأثيره التراكمي بلغ 2800%! وهذا يعني أن القدرة الشرائية لمجتمع العمال والموظفين والمتقاعدين، الذين يعتمدون على دخل ثابت، انخفضت من 100% إلى 23% خلال 14 عاما. هذه الأوضاع تشكلت لأن السياسات المتبعة لم تكن متوافقة مع المصالح الوطنية.
ولقد أصبح الشخص يبلغ من العمر 30 أو 40 عاما مليارديرا مؤثرا، بينما يعاني قطاع كبير من الشعب الإيراني من الفقر.
اليوم، يدرك بزشكيان وحكومته تماما مدى سوء الوضع الاقتصادي ومدى معاناة الشعب. لكن المشكلة أن المتطرفين وتجار العقوبات يخشون أي انفتاح دولي، لأن ذلك يعني نهاية مصالحهم الضخمة.
ولكن يكمن السؤال الحقيقي هنا والذي يجب أن تجيب عليه إيران هو: هل ستختار مصلحة أقلية متطرفة، أم مصلحة 75% من الشعب الذين يعيشون تحت خط الفقر؟