كتبت- ميرنا محمود
عندما اكتملت عملية درع الفرات، لم تكن الضربة القوية المُوجهة ضد داعش فحسب، بل انتهى أيضًا هدف حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي المُتمثل في إنشاء ممر في شمال سوريا.
كتب البروفيسور الدكتور سرحات أركمن تقريرًا لوكالة الأناضول يوم الاثنين 26 أغسطس/آب 2024، حول عملية درع الفرات، التي تشكل نقطة تحول في حرب تركيا ضد داعش ومهمتها للحفاظ على وحدة سوريا في الذكرى الثامنة لتأسيسها.
قبل 8 سنوات، وبالتحديد في 24 آب/أغسطس 2016، نفَّذت القوات المسلحة التركية عملية تهدف إلى تحييد تنظيم داعش الإرهابي انطلاقًا من جرابلس. وكانت عملية درع الفرات، التي دامت لأكثر من 200 يوم وانتهت في الأيام الأخيرة من شهر مارس/آذار 2017، أخطر ضربة لداعش في سوريا حتى تلك اللحظة.
لماذا تمت عملية درع الفرات؟
لدى سوريا أجندة متغيرة؛ يجد الكثير من الناس صعوبة في تذكر أنه قبل 10 سنوات، سيطر تنظيم داعش على أكثر من ثلث سوريا. ومع ذلك، يجب على الجمهور التركي بالتأكيد أن يضع في اعتباره خطر داعش، ليس فقط في سياق التهديد الذي تشكله هذه المنظمة في تركيا، ولكن أيضًا في سياق نفوذها في سوريا والعراق.
تأسست داعش في أبريل 2013، نتيجة لتوسع التنظيمات القائمة على تنظيم القاعدة التي تأسست بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وتأثير الحرب الأهلية السورية. وبالرغم من جذورها القديمة، إلا أن التنظيم الذي نما بفريق قيادة جديد وخاصة المسلحين القادمين من خارج المنطقة، جذب انتباه العالم أجمع بإعلان ما يسمى بـ”الخلافة” في يونيو/حزيران 2014. اعترفت العديد من الدول بـ داعش كمنظمة إرهابية بعد هذا الحادث. وقد أدرجت تركيا داعش في قائمة المنظمات الإرهابية في 30 سبتمبر 2013. وبهذا القرار، أصبحت تركيا واحدة من الدول الثلاث الأولى التي أدرجت تنظيم داعش رسميًا كمنظمة إرهابية. وفي واقع الأمر، فقد ارتكبت هذه المنظمة أعمالًا إرهابية في تركيا قبل كثير من الدول الغربية.
نفَّذ تنظيم داعش أولى عملياته داخل حدود الجمهورية التركية في 20 مارس 2014. ونعلم أنه نفذ 21 هجومًا منذ ذلك التاريخ. واستشهد في هذه الهجمات 309 مواطنين أتراك، بينما أصيب 55 من عناصر الأمن و1167 مواطنًا تركيًا. إلا أن تهديدات التنظيم الإرهابي ضد تركيا لم تقتصر على داخل البلاد.
حيث نفَّذ التنظيم الإرهابي هجمات عديدة في العراق وسوريا، مما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد كبير من قوات الأمن لدينا. لذلك، كان الهدف الأول لعملية درع الفرات هو القضاء على الهجمات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم داعش الإرهابية ضد تركيا وطرد هذا التنظيم بالكامل خارج الحدود التركية. ومع ذلك، لا يمكن القول إن هذا هو الهدف الوحيد للعملية.
لم تكن داعش مجرد منظمة إرهابية في سوريا فحسب، بل كانت أيضًا أداة مفيدة للجهات الفاعلة التي أرادت تقسيم البلاد. يهدف حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو منظمة إرهابية أخرى في سوريا، إلى إنشاء ممر إرهابي في جنوب تركيا من خلال الاستيلاء على المناطق التي يسيطر عليها داعش واحدة تلو الأخرى وتفكيك وحدة الأراضي السورية على المدى الطويل.
وبحلول منتصف عام 2016، بدأ حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي في السيطرة على المناطق التي كانت بيد داعش، من عفرين إلى عين العرب، دون وقوع اشتباكات كبيرة. وقد تم التخطيط لعملية درع الفرات الشمالي للدخول بين صفوف الإرهابيين من حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الذين يتقدمون من عفرين ومنبج بشكل مزدوج.
في واقع الأمر، عند اكتمال عملية درع الفرات، لم يتم توجيه ضربة كبيرة لداعش فحسب، بل تلاشى أيضًا هدف حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي المُتمثل في إنشاء ممر في شمال سوريا.
مكافحة داعش بعد عملية درع الفرات
شكلت عملية درع الفرات نقطة تحول في العديد من الجوانب، حيث أدت إلى تعطيل أكثر من 2600 عنصر من عناصر داعش وتطهير مساحة تبلغ أكثر من 2000 كيلومتر مربع من الإرهاب بين الباب وعفرين. بادئ ذي بدء، فقدت داعش الكثير من عناصرها المتمرسة، خاصة خلال الاشتباكات في الباب.
بالإضافة إلى ذلك، سيطرت القوات المسلحة التركية على الباب، أحد المراكز الحيوية في سوريا التي يدرُّ منها التنظيم دخلاً، مما يشكل خسارة اقتصادية كبيرة لداعش. وأخيرًا، فإن خسارة داعش لمدينة دابق وضواحيها، التي كانت ذات أهمية كبيرة للإيديولوجية التنظيمية ودعايته، أثرت سلبًا على قدرة داعش على توجيه الخطاب. ومع ذلك، لم تنتهِ معركة تركيا ضد داعش في الأراضي السورية بنهاية عملية درع الفرات.
واصل تنظيم داعش الإرهابي، دون أن ينسى الضربة التي تلقاها من عملية درع الفرات، محاولاته لتنفيذ أعماله في تركيا. إن حقيقة أن قوات الأمن التركية منعت أكثر من 80 هجومًا إرهابيًا صادرًا عن داعش والمنظمات المرتبطة بها في السنوات الثماني الماضية تعد مؤشرًا مهمًا من حيث الكشف عن تهديد التنظيم لتركيا. في الواقع، تم اعتقال أكثر من 20 ألفًا مشتبه به من داعش في أكثر من 8 آلاف عملية نُفذت في تركيا منذ عام 2016 حتى اليوم، بالإضافة إلى اعتقال متهمين من التنظيم كوزراء وقادة ومديري العمليات واللوجستيين في التنظيم. وهو ما يُمثّل بيانات مهمة لفهم مستوى التهديد الذي تواجهه تركيا. ولكن علينا أيضًا أن نتذكر أن معركة تركيا ضد داعش لا تقتصر على حدودها الوطنية فقط.
مع العملية التي تم تنفيذها ضد عناصر داعش في المنطقة التي تحمل اسم درع الفرات، تم تفكيك العديد من خلايا التنظيم واعتقال عدد كبير من المسلحين الذين كانوا يسعون لتنفيذ عمليات إرهابية في كل من سوريا وتركيا. علاوة على ذلك، تم تحييد أبو الحسين القريشي، الذي تم إعلانه الزعيم الرابع للتنظيم، في عملية نفذتها قوات الأمن التركية في سوريا في 29 أبريل 2023. وفي نهاية المطاف، لعبت تركيا أحد أكثر الأدوار فعالية في مكافحة جهود العناصر المتطرفة المُحاصَرة في المناطق الصحراوية في سوريا للتوسع إلى مناطق أخرى والمشاركة في الساحة الدولية.
تركيا، باعتبارها عضوًا في التحالف الدولي ضد داعش (DMUK) والرئيس المشارك لفريق عمل المقاتلين الإرهابيين الأجانب ضمن إطار DMUK، تأخذ زمام المبادرة في الأنشطة المنفذة ضد العناصر المتطرفة التي تحاول الانتقال من سوريا إلى مناطق أخرى في العالم.
لابد أن تظل عملية درع الفرات في ذاكرتنا ليس فقط للدور الذي لعبته في القضاء على التهديد الإرهابي الموجه ضد أمن تركيا، بل أيضًا لأهميتها في منع الممر الذي قد يؤدي إلى تفكك مستقبل سوريا. لا ينبغي أن ننسى عملية درع الفرات حيث كان لها تأثير كبير في إضعاف داعش محليًا وعالميًا، سواء لكونها رائدةً للعمليات التي تلتها أو من حيث نتائجها.