كتب: محمد بركات
العدالة الاجتماعية والمساواة، كلمتان ترددتا كثيرا على لسان الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، منذ إطلاق حملته الانتخابية، وحتى آخر حديث جماهيري له.
التقرير التالي يرصد أبرز ما جاء في أحاديث الرئيس الإيراني حول العدالة الاجتماعية، مقابل ما يعيشه المجتمع بالفعل وترصده التقارير الرسمية والمنظمات الحقوقية الدولية.
العدالة الاجتماعية في خطابات بزشكيان
صرح الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، خلال الحفل الذي أقيم الإثنين 9 ديسمبر/كانون الأول، والذي جاء تحت عنوان “حوكمة الثقافة والعلم”، خلال إشارته إلى أن المجتمع الإيراني يحتاج إصلاح من الداخل، قائلا: “إن المشكلة الرئيسية في مجتمعنا اليوم هي أننا لم نصلح سلوكنا، فلا يمكن أن نعمل بالحق والعدل في المجتمع، ثم نفاجأ بوجود استياء عام، قد يكون هناك بعض المعارضين الذين لا يرضون عن تنفيذ الحق والعدل، لكن إذا منحنا كل إنسان حقه بغض النظر عن الفئات والانتماءات والمعتقدات، وتعاملنا مع الجميع بإنصاف، عندها فقط يمكننا أن نكون مصدر إلهام”.
واختتم بزشكيان كلمته خلال الحفل بتأكيد أن تحقيق العدالة في المجتمع هو ما يمنع ظهور النزعات القومية، حيث صرح: “لا يمكن أن نعمل بالحق والعدل في المجتمع، ثم نجد نزاعات قائمة، فكل فرد يبدأ بالبحث عن هويته عندما يشعر بأنها مُنكرة، أو عندما يُعامَل بغير إنصاف، أو عندما لا يتمكن من الوصول إلى مكانة يستحقها بسبب تمييز قائم على اللغة أو الثقافة أو المعتقد، فإذا طبقنا مبادئ العدالة فلن نجد نزعات عرقية عربية أو تركية أو كردية”.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يستخدم فيها بزشكيان تلك المصطلحات، فمنذ انطلاق حملته الانتخابية، وضع بزشكيان العدالة والمساواة في صدارة خطابه السياسي.
حيث تعهد بأن تكون هذه القيم محور إدارته للحكومة، مشددا على ضرورة تحقيق توزيع عادل للموارد الوطنية ومكافحة الفساد المؤسسي.
وردد بزشكيان مرارا خلال حملته الانتخابية، أنه يتبنى رؤية شاملة لتحقيق العدالة، تتضمن إصلاحات جذرية في النظامين الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير فرص متكافئة للعمل والتعليم.
وأكد أن المساواة ليست خيارا، بل واجب وطني لضمان استقرار البلاد وتعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.
وفي أول خطاب له بعد تنصيبه رئيسا لإيران، أكد أن العدالة الاجتماعية تتطلب إصلاحا اقتصاديا يعيد التوازن بين الطبقات، داعيا إلى استراتيجيات تنموية تركز على المناطق المحرومة وتحسين البنية التحتية فيها.
كما أعلن عن إطلاق مبادرات لتخفيف العبء المعيشي على الأسر ذات الدخل المحدود، منها برامج دعم مباشر وإعادة هيكلة الضرائب لصالح الشرائح الأقل دخلا، لكن السؤال بعد مرور المئة يوم الأولى من رئاسته: هل نجح بزشكيان في تطبيق شعارات المساواة، أو إرساء قواعد لتحقيق العدالة الاجتماعية في إيران؟
واقع العدالة الاجتماعية
يمكن الجزم بأن كلمات بزشكيان بخصوص العدالة ما زالت بلا تأثير على أرض الواقع، حيث تعتبر إيران واحدة من أكثر الدول في الشرق الأوسط من حيث التعددية العرقية والثقافية، لكنها تواجه تحديات كبيرة مرتبطة بالعنصرية والتمييز.
حيث تتعدد أشكال التمييز في إيران لتشمل التمييز العرقي، والمذهبي، واللغوي، والاجتماعي، بحسب ما تذكره تقارير العديد من المنظمات الحقوقية الدولية.
وتضم إيران أقليات عرقية متعددة مثل الأكراد، والعرب، والبلوش، والأذريين، والتركمان، الذين يشكون من تهميشهم في مجالات مختلفة، وصمن ذلك التخطيط التنموي والخدمات الأساسية.
فعلى سبيل المثال، تتعرض المناطق الإيرانية التي تسكنها الأقليات لإهمال كبير في البنية التحتية مثل الصحة والتعليم، ما يؤدي إلى تدني مستوى المعيشة، إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن الدستور الإيراني يقر بحق الأقليات في استخدام لغتهم، فإنهم يواجهون قيودا على استخدامها في التعليم والإعلام، مما يثير استياء واسعا بين هذه الأقليات، وهو ما لم يتمكن بزشكيان من تغييره حتى الآن وما زالت القيود نفسها مستمرة.
كذلك، يمثل التمييز المذهبي تحديا كبيرا في إيران، فوفقا للمادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني، فإن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الرسمي هو المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الاعتراف بالأقليات الدينية الأخرى، فإن الأقليات السنية تعاني فرض قيود عليها مثل عدم استطاعتها بناء المساجد في بعض المدن الكبرى مثل طهران.
كما يشتكي العديد من معتنقي المذهب السني من الإقصاء من المناصب السياسية والإدارية العليا، لكن تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الإيراني حاول كسر تلك الحالة بتعيين نائب سني له -وهو عبد الكريم حسين زادة- ليكون أول سني يتولى هذا المنصب منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية.
وليست الأقلية السنية وحدها من تعاني التمييز المذهبي، بل أيضا البهائيون، حيث يشمل التمييز ضدهم حظر ممارسة شعائرهم الدينية، وصعوبات في التعليم العالي، وقيودا على فرص العمل، وذلك وفقا لما جاء في تقرير موقع راديو زمانه بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ففي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024، حكمت محكمة أصفهان على عشر سيدات من الطائفة البهائية بأحكام بلغت 90 عاما وغرامات مالية ضخمة، وذلك بعد توجيه تهم الدعاية السلبية ضد النظام الحاكم في إيران والمشاركة في أنشطة تعليمية ودعائية انحرافية مخالفة للشريعة الإسلامية، وذلك وفقا لما نشرته وكالة أنباء هرانا الصادر بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
أما من الناحية الاقتصادية، فتعاني المناطق التي تقطنها الأقليات العرقية مثل بلوشستان والأهواز من معدلات عالية للفقر والبطالة بسبب سوء توزيع الموارد وضعف الاستثمار الحكومي، مثال ذلك أن مناطق مثل الأهواز ذات الأغلبية العربية تفتقر إلى الخدمات الأساسية رغم غناها بالموارد النفطية.
ففي 21 نوفمبر/تشرين الثاني زار بزشكيان محافظة سيستان وبلوشستان والتقى عددا من المسؤولين في المحافظة وكذلك عددا من رجال الدين السنيين وعلى رأسهم مولوي عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في زاهدان، وخلال زيارته وعد بزشكيان سكان المحافظة بأن الأوضاع المعيشية والأمنية ستتحسن، ولكن ما لبث بزشكيان أن غادر حتى انتقد مولوي عبد الحميد، في خطبته خلال صلاة الجمعة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، التشديد الأمني المحيط بمسجد مكي، واصفا هذه الإجراءات بأنها غير فعالة وعقيمة. وأشار إلى التخفيف المؤقت لهذه الضغوط قبيل زيارة الرئيس للمحافظة، وإعادة فرضها فور انتهاء الزيارة، معلقا: “هذه الضغوط لن تجدي نفعا أبدا”، وذلك وفق تقرير موقع إيران امروز بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وعلى الرغم من رفع بزشكيان شعار الوفاق الوطني ووعوده بأن جميع فئات المجتمع ستشارك في الحكم، فقد وجه عدد من النواب الأكراد في إيران انتقادات حادة له بسبب تجاهله مشاركة الشخصيات الكردية في تشكيل الحكومة، وذلك وفق لما جاء في تقرير موقع كردستان بتاريخ 13 أغسطس/آب 2024.
فقد صرح محمد قاسم عثماني، نائب مدينة بوكان، معربا عن استيائه بهذا الشأن وقال: “إن الحكومة الجديدة ضمت معارضين، لكنها لم تترك أي مساحة للأكراد أو السنة الذين يشكلون شريحة كبيرة من المجتمع”، مضيفا: “ليتني مت ولم أشهد هذا اليوم المخزي”.
مما سبق يمكن الاستنتاج أن هناك فجوة كبيرة بين خطابات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ووعوده بتحقيق العدالة الاجتماعية في بلاده وبين الواقع الذي تعيشه إيران، فهل ينجح بزشكيان في سد تلك الفجوة والوفاء بوعده الانتخابي، وتحقيق شعارات العدالة والمساواة التي يرددها في كل خطاب؟