ترجمة : شروق السيد
مع سقوط النظام السوري على يد فصائل المعارضة السورية ، ظهرت العديد من التساؤلات حول تأثير ذلك على إيران، حيث كان الأسد حليفا استراتيجيا لها، وفي هذا السياق، أجرى موقع المرشد الإيراني علي خامنئي مقابلة مع علي أكبر أحمديان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي يوم الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024 تناول فيها بالتفصيل ملف وجود إيران في سوريا.
خلال العقد الأخير، قامت إيران بتنفيذ عمليات عسكرية مباشرة أو تقديم استشارات عسكرية خارج حدودها الرسمية، ما هي ضوابط هذا التواجد ؟
وجود إيران في أي مكان، حتى لو كان هذا الوجود مستنداً إلى دوافع أيديولوجية، كان دائماً خاضعاً لمجموعة من المبادئ، قد تكون هناك استثناءات في بعض الأحيان أو أخطاء، لكن الأساس دائما كان هذه المبادئ التي سأذكرها:
المبدأ الأول: الدفاع الحازم عن البلاد والشعب والمصالح الوطنية في مواجهة الأعداء، هذا المبدأ لم يكن محل شك أبدا، سواء كان العدو أمريكا، أو إسرائيل، أو دولة صغيرة، أو جارا، فقد كان هذا المبدأ دائماً أساس العمل.
المبدأ الثاني: عدم البدء بالعدوان على أي أحد، المرشد الأعلى ملتزم تماما بهذا المبدأ، في كثير من الأحيان، قد تصل الأمور إلى حافة اتخاذ القرار، ولكن عندما تصل إلى مستوى القيادة، يقوم المرشد بمنع ذلك، وقد غرس هذا الالتزام تدريجيا في نفوس المسؤولين الآخرين.
المبدأ الثالث: عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، رغم الشعارات المثالية والثورية، وحتى العالمية، التي تحملها الثورة، فإنها لم تتدخل في شؤون أي دولة بسبب تلك الأهداف أو حتى للمصالح الوطنية، إلا ضمن ثلاثة شروط:
ثم طلب رسمي من الحكومة الشرعية في الدولة المعنية في سوريا والعراق، مثلا، كان وجودنا بناء على طلب رسمي من حكومتي هذين البلدين .
كذلك، عدم مواجهة الشعب، فإذا دعانا أحد للمجيء ومواجهة شعب تلك الدولة لصالحه، فلن نقوم بذلك، هذا مبدأ يتم الالتزام به بدقة.
ثالثا، وجود مصالح أو أهداف حاسمة، يجب أن تكون هناك مصلحة وطنية حاسمة أو هدف قاطع؛ مثل “الدفاع عن المظلوم”، وهو أحد مبادئنا وأهدافنا، إذا تعرض شعب للظلم وتوفرت الشروط الأخرى التي ذكرتها، فلا يوجد سبب يمنعنا من التدخل، لأن ذلك يعتبر واجبا دينيا وإنسانيا.
بالطبع، في حال عدم إمكانية الدفاع عن المظلوم، فإننا نكتفي بإعلان رفضنا بالكلام، ولكن عندما تكون الظروف مهيأة، والشعب مظلوم، وحكومته تطلب المساعدة، فلا يوجد سبب يمنعنا من المساعدة، مع الالتزام بمبدأ الدعم، وليس الاستبدال؛ بمعنى أن الشعب نفسه هو من يجب أن يكون في ساحة القتال والنضال، ونحن نقدم له الدعم.
ما السبب وراء وجود إيران في سوريا، ولماذا تقلّص الحضور العسكري الإيراني بعد ذلك؟
منذ أن قامت الحكومة السورية في عهد حافظ الأسد بدعم الثورة الإسلامية بصدق، وساندتنا في الحرب رغم أن الحزب الحاكم في العراق كان أيضا حزب البعث، عزّزنا العلاقات الرسمية والميدانية بيننا، أحد أسباب قرب سوريا من إيران كان رفضها للتسوية مع الاحتلال الإسرائيلي، في حين أن مصر والأردن قد قبلتا بها، ما جعل سوريا تشعر بنوع من الوحدة والخطر.
ولكن من جهة أخرى، كان نظام الحكم في سوريا شبيها ببقية الأنظمة العربية في المنطقة، لكن الجانب الإيجابي والمميز في عائلة الأسد كان صمودها أمام جميع الضغوط الدولية والإقليمية، سواء من الأصدقاء أو الأعداء، وعدم تخليها عن موقفها المقاوم لإسرائيل ودفاعها عن حقوق الشعب الفلسطيني.
لو كانت قد تخلّت قليلاً عن هذا الموقف، لما واجهت كل هذه الأحداث، وبالتالي، كل ما حدث كان ثمنا لهذه المقاومة.
ومع ذلك، ورغم الطابع المناهض للصهيونية للنظام، كانت هناك تصرفات غير مرضية من بعض أجزاء النظام السوري تجاه شعبه، ما تسبب في ظهور فجوة بين الحكومة وبعض شرائح الشعب السوري.
جزء من الشعب كان يدعم النظام حقا، لكن أجزاء أخرى كانت لديها آراء ومعارضة، وهذه الأمور لم تبدأ مع وجود إيران، من ناحية أخرى، كان هناك صراع قديم بين حكومة حافظ الأسد وبعض التيارات الفكرية في العالم الإسلامي، مثل الإخوان المسلمين، وتفاقمت الخلافات بينهما.
منذ البداية، ومنذ عهد حافظ الأسد، كانت جهود إيران وتوصياتها المستمرة هي دفع الأوضاع في سوريا نحو التوافق الاجتماعي والشعبي، السبب في ذلك هو إيمان إيران الراسخ بأن الشعب هو العنصر الحاسم في أي دولة.
لاحقاً، ظهرت ظاهرة ثالثة هناك، وهي داعش، ويجب التمييز بين سلوك إيران في فترة داعش وما قبلها، نعم، دخلنا في حرب حازمة مع داعش، كما قاتلناها في سوريا والعراق، حتى اليوم، إذا ظهرت داعش بنفس خصائصها السابقة قرب حدودنا، وكانت تشكل تهديدا مستقبليا لنا، سنقضي عليها في مكانها، مع الالتزام بالشروط التي ذكرتها سابقا.
ومع ظهور داعش، لم يكن هناك مجال للتأمل أو التردد، بالطبع، بعض معارضي الحكومة السورية ساهموا بطريقة ما في ظهور هذا التيار، أو انضموا إليه لاحقاً، مما عزز قوته.
وهذا أجبرنا على مواجهتهم أيضاً، ومع ذلك، حرصنا منذ البداية على التفريق بين داعش والمعارضين، والحمد لله، تم القضاء على داعش من خلال عمليات متواصلة وبخطوة تلو الأخرى، سواء في العراق أو سوريا.
أما بالنسبة للمعارضين الآخرين – الذين تركز وجودهم في قضايا حلب، دمشق، الغوطة الشرقية والغربية، درعا والسويداء في الجنوب – فقد سعت إيران إلى التوسط بين الحكومة وهؤلاء المعارضين، بالطبع، إذا تعرضنا للهجوم في أي مكان، كنا ندافع عن أنفسنا.
على سبيل المثال، في الأماكن التي كنا فيها موجودين لمواجهة داعش، مثل مطار حلب أو الطرق مثل طريق حلب – دمشق السريع، كنا بحاجة إلى خطوط دفاعية، وإذا تعرضنا للهجوم هناك، كنا مضطرين للدفاع عن أنفسنا وأحياناً ندفعهم للتراجع قليلاً.
لكن أن يكون هدفنا القضاء على هؤلاء مثلما فعلنا مع داعش، فهذا لم يكن الحال على الإطلاق، حتى عندما كانوا محاصرين وكان من المقرر إجلاؤهم، كنا نؤمن سلامتهم وننقلهم من تلك المناطق المختلفة إلى إدلب.
في حلب، ضحى بعض أصدقائنا بحياتهم من أجل نقل عائلات هؤلاء المعارضين الذين كانوا في أجزاء من حلب إلى منطقة إدلب، لاحقاً، وفي جميع الاتفاقيات السياسية، دعمنا فكرة أن يكون لهم مكان خاص بهم يقيمون فيه، وأن تكون تلك المنطقة منطقة خفض تصعيد لا يتعرضون فيها لأي مواجهة.
مع انتهاء قضية داعش، تم تسليم المناطق إلى الجيش السوري ولم يعد هناك حاجة لوجودنا الكامل، بالطبع، تعرضت حكومة بشار الأسد لضغوط شديدة بسبب الوجود الإيراني؛ سواء من العرب أو إسرائيل أو أمريكا.
كانوا يروجون للدعاية بأن إيران قد احتلت سوريا وغيرها من هذه المزاعم! ونتيجة لذلك، عادت معظم قواتنا من هناك، ولم يبقَ سوى الجزء الذي كان ضروريا للمقاومة أو لتقديم المساعدة للجيش السوري أو الحكومة السورية.
هناك تحليلات تشير إلى أن المجموعات المختلفة التي كانت في شمال غرب سوريا قامت بتحركات قبل الهجوم الأخير، هل قدمت إيران معلومات حول هذه التحركات إلى سوريا؟
كل واحدة من هذه المجموعات لها أصول مختلفة، وآراء متنوعة تجاه تركيا، سوريا، إيران، الشيعة، وإسرائيل؛ وبالتالي لها مواقف مختلفة.
من هذه الناحية، كانت مجموعة متباينة لكنها في طور الاتفاق لتنفيذ هذا الإجراء، تم إبلاغ الحكومة السورية مرارًا بهذه التحركات، وهم أيضًا لم تكن قدراتهم الاستخباراتية ضعيفة، فقد كانوا على علم بها، ولكن هناك نقطتان في هذا الصدد:
أولاً، لم يكن المسؤولون والجيش السوري يعتقدون أن هذه المجموعات قادرة على تنفيذ تحرك كبير.
ثانيًا، كانوا يعتمدون على جيشهم وجهازهم الأمني، وكانوا يعتقدون أنه حتى إذا قامت هذه المجموعات بأي تحرك، فإن الوضع قد يتأرجح قليلاً، لكنهم في النهاية سيتمكنون من السيطرة عليه، لذلك، لم يتم إدراك خطر هذه المجموعات بجدية من قبل الحكومة السورية، كما أنهم لم يتوقعوا وجود هذه القدرة على الانهيار داخل الجيش السوري!
في النهاية، بدأت العملية، وتم إبلاغ الجيش السوري مرارًا بأماكن يمكنه الوقوف فيها وصد تقدمهم – لأننا كنا نعتقد أنه حتى إذا أراد التفاوض معهم، فيجب أن يثبت موقفًا ما – ولكن لم تكن هناك إرادة للقتال أو رغبة في المقاومة داخل الجيش السوري، ونتيجة لذلك، سقطت المناطق السورية واحدة تلو الأخرى إلى أن وصل الوضع إلى دمشق.
خلال هذه الفترة، أجرينا محادثات مع بشار الأسد ومع قيادات الجيش، وقدمنا لهم استشارات وحاولنا مرة أخرى تفعيل العملية السياسية .
هناك غموض كبير بين الرأي العام داخل البلاد بشأن عدم تدخل إيران المباشر في مواجهة هذا الهجوم، هل كانت هناك قناعة لدى إيران بعدم التدخل المباشر أم أن شيئًا آخر حدث؟
إيران لم تكن يوما معنية بالقتال نيابة عن الجيش السوري، خاصةً في مواجهة قوة لا تشكل تهديدًا حاسمًا لإيران.
إذا كانت هناك جاهزية موجودة أو فرصة وإمكانية لنقل القوات والمعدات، ولم يحدث الانهيار بسرعة، بشرط أن يصمد الشعب والجيش السوري، فمن المؤكد أننا كنا سنقف معهم، بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة السورية لم تطلب منا ذلك حتى الأيام الأخيرة.
نقطة أخرى مهمة هي أنه بعد انتهاء حكم داعش، وبناءً على رغبة الحكومة السورية، قمنا بسحب قواتنا ولم نكن متواجدين ميدانيًا في المنطقة لنقرر ما إذا كنا سنشارك أم لا، كما أن تعزيز القوات بشكل سريع لم يكن ممكنًا، إلا إذا قاوم الجيش السوري، لذلك، بالنسبة لما يُقال إن إيران تركت الساحة، فإننا لم نكن موجودين هناك أصلا لنتركها.
تحاول بعض وسائل الإعلام المعادية الإيحاء بأن وجود إيران وإنفاقها في سوريا في الماضي كانت بلا جدوى، ما رأيكم في هذا الادعاء؟
ليس لدينا أي ندم على ما انفقناه، لا أقول هذا بشكل دعائي؛ نحن لسنا نادمين لأن وجودنا وتكاليفنا كانت من أجل أمننا، والنتائج المرجوة تحققت، لو لم يتم القضاء على داعش في سوريا والعراق، لكان علينا اليوم أن نحارب داعش داخل بلادنا بتكاليف مضاعفة عشرات المرات.
لا أعتقد أن هناك أحدا لا يصدق أنه لو استقرت حكومة داعش في العراق وسوريا، لكان علينا أن نحاربها اليوم عند حدودنا وداخل بلدنا وعلى أطراف حدود العراق.
لقد قالوا صراحةً إن هدفهم هو إيران! حسنًا، هذا الهدف، وهو القضاء على داعش، تحقق وكان إنجازا كبيرا أفسد خطة الأمريكيين تمامًا وجعل استثماراتهم لسنوات طويلة عديمة الجدوى.
ربما لا يعرف الأصدقاء التفاصيل، لقد أنشأوا حقا جيشا! وكما قالوا بأنفسهم، بنوا دولة في مواجهة الثورة الإسلامية، وبنوا مجتمعًا، وكانوا يعتقدون أنهم أنجزوا الأمر، مع تدخل إيران، تم إحباط هذه الخطة، وهذا الإنجاز وحده يكفي لتبرير تكاليف هذا الوجود.
إضافةً إلى ذلك، تمكنا في النهاية من تعزيز فلسطين وحزب الله وتهيئة قدراتهم بشكل كبير بحيث لم يعودوا يعتمدون علينا، اليوم، حزب الله مجموعة مستقلة تماما تعتمد على نفسها.
بالنسبة لغزة، ترون أنهم داخل الأنفاق يقومون بصناعة الصواريخ والأسلحة بأنفسهم، بالتأكيد، حزب الله الذي لديه أراضٍ أوسع، أصبح أكثر قوة وتجهيزا، حزب الله اكتسب قوة سياسية وقوة ثقافية، ترى اليوم، رغم كل التشويهات، كيف يُستقبل حزب الله داخل لبنان، والناس الذين تعرضت حياتهم لضربات شديدة، يعودون جميعًا تحت راية حزب الله.
لا أحد يستطيع القضاء على حماس والجهاد وحزب الله، ولا أحد يستطيع القضاء على أنصار الله، لقد أصبحوا جزءا من النسيج الشعبي؛ شعوب مسلحة وناضجة تمتلك المعرفة والتكنولوجيا لصناعة المعدات اللازمة للدفاع عن نفسها.