ترجمة: نوريهان محمد البهي
مع تفاقم الأزمات الاقتصادية، يزداد البحث عن الكنوز في إيران، مما يهدد تراثا تاريخيا يعود لآلاف السنين، فهل يمكن للقوانين وقف هذه الظاهرة؟ وما الجهود المبذولة لحماية الآثار من التدمير؟
نشرت وكالة خبر أونلاين الإخبارية، الثلاثاء 7 يناير/كانون الثاني 2025، حوارا أجرته مع “أردشير أروجي” المدير السابق للتراث الثقافي في طهران، و”محمدرضا زاهدي”، رئيس إدارة الممتلكات الثقافية، حيث ناقشا فيه الأنشطة التي تؤدي إلى تدمير التراث الإيراني، وخفايا هذه العمليات.
وفي ما يلي نص الحوار:
كيف تُعَرِّفون الآثار المدفونة أو الكنوز من وجهة نظر التراث الثقافي، وما الفرق بين منظوركم ومنظور العامة؟
زاهدي: في مجال التراث الثقافي، لا نستخدم مصطلحات مثل “كنز” أو “دفينة” أو “آثار مدفونة”. ما يهمنا هو الآثار التاريخية التي تقبع في باطن الأرض، والتي تعكس جوانب من حياة الإنسان في فترات تاريخية مختلفة، وحتى ما قبل التاريخ. لذلك، فإن أهمية هذه الآثار تكمن في قيمتها التاريخية للدراسة والبحث. هذا المنظور يختلف تماما عن النظرة الشائعة بين عامة الناس، وحتى بين بعض المتعلمين، الذين يرون في هذه الأشياء مجرد وسيلة للربح.
أروجي: كما ذكر السيد زاهدي، هناك منظوران: الأول هو منظور التراث الثقافي، الذي يهدف إلى البحث العلمي واكتشاف الحلقات المفقودة من التاريخ. خلال هذا البحث، نعثر على بعض القطع الأثرية التي يتم الاحتفاظ بها في المتاحف. أما المنظور الثاني، فهو منظور عامة الناس، الذين ينظرون إلى هذه الآثار على أنها كنوز وفرص للربح.
هل تقوم هيئة التراث الثقافي بالحفريات فقط للعثور على الآثار التاريخية؟
زاهدي: لا، ليس بهذه النية. لدينا نوعان من الحفريات: النوع الأول هو الحفريات الهادفة، التي تُجرى بناءً على فرضيات وأسئلة بحثية محددة، مثل الحفريات في مدينة سوخته أو مدينة جيرفت.
النوع الثاني هو الحفريات الطارئة، والتي تحدث غالبا بسبب أعمال البناء أو التطوير العمراني، حيث يتم اكتشاف آثار تحت الأرض تحتاج إلى تنقيب.
وعلى سبيل المثال، قبل بدء أي مشروع عمراني في منطقة ما، تقوم هيئة التراث الثقافي بفحص الموقع عبر الحفريات.
لذلك، فإن هيئة التراث الثقافي لا تهدف إلى البحث عن الكنوز أو الآثار المدفونة. ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن إيران من بين الدول العشر الأولى في العالم من حيث الأهمية الأثرية.
وعليه، إذا قمت بالحفر في أي مكان بهذا البلد، فقد تكتشف آثارا تاريخية. على سبيل المثال، أثناء بناء طريق “همت” السريع في طهران، تم العثور على آثار تاريخية.
أو عندما كانت شركة المياه والصرف الصحي تقوم بأعمال عمرانية في منطقة “مولوي” بطهران، تم العثور على هيكل عظمي قديم يعود لامرأة. وبعد التنقيب، تبين أن هذا الهيكل يعود إلى 10 آلاف عام. ولم يكن أحد يتوقع اكتشاف مثل هذه الآثار تحت شارع مولوي قبل بدء الأعمال العمرانية.
في حال لم تقم هيئة التراث الثقافي بالحفر بشكل دائم، فهذا يتيح الفرصة لآخرين بتنفيذها بشكل غير قانوني، وكأنهم يتفوقون عليكم في هذا المجال. كيف ترون ذلك؟
زاهدي: بالفعل.. دائما ما يكون الأشخاص الذين يبحثون عن الآثار المدفونة متقدمين خطوة على هيئة التراث الثقافي وعلماء الآثار. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، تكون مواجهتهم للآثار التاريخية صدفة.
وعلى سبيل المثال، اكتشاف “غار كلماكره” في لرستان كان صدفة، حيث اكتشفه أحد الصيادين بالصدفة.
وللأسف.. ولسوء الحظ، قبل وصول فرق الآثار، تعرض الغار للنهب، وسُرقت أجزاء كبيرة من آثاره، وانتهى بها المطاف في متاحف حول العالم.
برأيكم.. لماذا يعتقد الناس أن هذه الآثار ملك لهم ولا يقدمونها للتراث الثقافي؟
زاهدي: للأسف..غالبا ما يعتقد الناس أن الآثار المكتشفة ملك لهم، خاصة في المناطق الفقيرة، مثل حادثة جيرفت، حيث كشفت الفيضانات عن مقابر أثرية، فاندفع السكان لجمع الآثار رغم وجود قوات أمنية.
كا أنهم اعتقدوا أن الاكتشاف هبة من الله ويجب الاستفادة منها؛ ونتيجة لذلك، دُمِّر الموقع الأثري، وتم تهريب كثير من القطع، رغم استعادة بعضها لاحقا.
أروجي: الوعي والاقتصاد عاملان مهمان. طالما يعاني الناس من الفقر، ستستمر الانتهاكات ضد الآثار التاريخية.
عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية، ستقل الأضرار. الاقتصاد الجيد يؤدي إلى زيادة وعي الناس، خاصة في ما يتعلق بالآثار التاريخية.
إذا كان الجشع والطمع هما الدافع الرئيسي وراء البحث عن الكنوز، فهل يمكن اعتبار هذه العمليات مجرد أعمال فردية، أم أنها تتم بشكل منظم؟
زاهدي: الأشخاص الذين يقعون في فخ شراء وبيع الآثار المدفونة هم عادة من ذوي الدخل المحدود. لكن في قمة الهرم، يوجد أفراد أثرياء يستفيدون من الأوضاع الاقتصادية السيئة ويجذبون الأشخاص الفقراء للعمل معهم. بعض هؤلاء الأثرياء يعيشون خارج إيران ويرسلون فرق حفر غير قانونية إلى مناطق مختلفة في البلاد لنهب الآثار.
أروجي: الدافع وراء البحث عن الكنوز هو الجشع والطمع، إضافة إلى استغلال جهل الناس وفقرهم. لكن السؤال الأهم هو: كيف يتم تنظيم هذه العمليات؟ هناك هيكل معقد، حيث يوجد في القمة أفراد مرتبطون بمافيا تهريب الآثار، وبعض السفارات والمتاحف العالمية الشهيرة.
وهذا الهيكل المعقد يستخدم وسطاء يبيعون خرائط كنوز مزيفة. لديهم في فريقهم التنفيذي أشخاص يطلقون عليهم “مهندسين”، ويقنعون المشتري بأنه يحتاج إلى قارئ خرائط، ثم إلى شخص لفك الطلاسم، ثم إلى ممول.
وباختصار، يستغلون طمع الضحايا ويخدعونهم بطرق مختلفة، حتى إنهم يجرون “اختبارات” للخرائط المزيفة، حيث يدفنون أواني فخارية رخيصة مسبقا في مكان ما، ثم يأخذون الضحية لاستخراجها، مما يقنع الضحية بأن الخريطة حقيقية.
هل واجهتم حالات آمن فيها مسؤولو التراث الثقافي بمثل هذه الخرائط أو الادعاءات، خاصة عندما تأتي هذه الطلبات من مستويات عليا في الحكومة؟
زاهدي: في الحقيقة، لا يمكننا الجزم بمصداقية هذه الخرائط أو الادعاءات بشكل قاطع، ولكن لدينا حالات سابقة، مثل أشخاص تمت إحالتهم إلينا من مكتب الرئاسة، مدعين اكتشافهم لآثار تاريخية قيّمة، وأن الحفريات قد تُنتج قطعا أثرية تساوي ميزانية الدولة لعام كامل! أو كالادعاء بأن الألمان أخفوا 10 أطنان من الذهب في جنوب سمنان.
وهذه الروايات الوهمية متكررة، ولكن للأسف، أحيانا تكون هناك ضغوط من مستويات عليا في الحكومة للتحقق من هذه الادعاءات، على أمل أن تكون صحيحة.
هل يؤدي البحث عن الكنوز إلى تدمير الآثار التاريخية في إيران؟
زاهدي: صحيح، ففي العديد من الحالات تستهدف هذه الأفعال تدمير الآثار. على سبيل المثال، تنتشر شائعات بأن أي ضريح يحتوي على كنز، مما دفع البعض إلى تخريب الأضرحة. مؤخرا، شاهدت تقريرا عن اعتداء على معبد من العصر الأخميني فوق جبل، حيث بدأ المعتدون بالحفر بحثا عن كنز. في إحدى الحالات، استخدموا قنبلة يدوية لتدمير نقش بارز، وفي حالات أخرى وضعوا الديناميت تحت الصخور المنحوتة؛ على أمل العثور على كنز بعد الانفجار. هذه الأفعال تهدف إلى تدمير التراث التاريخي والثقافي لإيران.
هل كانت القوانين رادعة لمنع اكتشاف وتهريب الآثار التاريخية؟
أروجي: بالطبع.. نجحت القوانين إلى حد ما في الحد من هذه الممارسات، ولكن كما هو واضح من مصطلح “التهريب”، فإنه يعني التحايل على القانون.
كما أن الاقتراب من الآثار القديمة يُحدث إدمانا، ويشبه إلى حد كبير، إدمان جمع الطوابع. وعندما يُصاب الشخص بهوس الآثار القديمة، يصبح مدمنا، وعندها تفقد القوانين قدرتها على ردعه.
هل وصلنا إلى مرحلة تستدعي القلق بشأن انتشار ظاهرة البحث عن الكنوز ؟
زاهدي: بالفعل، الوضع مثير للقلق. عندما يقوم عالم آثار بالتنقيب باستخدام الأساليب العلمية، يكون هناك دائما بعض التدمير، فما بالك بالحفر العشوائي الذي يقوم به المهربون، خاصة تحت جنح الظلام، كما أن أعمالهم تدمر جميع الطبقات الأثرية دون تمييز.
لكن للأسف، هذه الظاهرة في تصاعد مستمر، وقد دقت أجراس الإنذار لإنقاذ التراث الثقافي.
* وهل فشلت وحدات حماية التراث الثقافي في منع هذه الأعمال والاعتداءات على الآثار التاريخية؟
زاهدي: بالعكس، تقوم هذه الوحدات بمهامها، لكنها تعاني من نقص حاد في الإمكانات. على سبيل المثال، تُعتبر شرطة إيطاليا من أفضل القوات في العالم في مجال حماية الآثار.
وإذا نظرت إلى الإمكانات المتاحة لشرطة إيطاليا، ستجد أنها تمتلك كل شيء من طائرات الهليكوبتر والمسيرات إلى السيارات والقوارب وحتى الدراجات النارية.
بينما نواجه نحن مشكلة أساسية تتمثل في نقص الوقود، مما يعيق زملاءنا في وحدات الحماية من الوصول إلى المواقع الأثرية.
إضافة إلى ذلك، وحدات حماية التراث الثقافي غير مسلحة، وقد لا تمتلك حتى أدوات بسيطة للدفاع عن النفس. لذلك، تحتاج هذه الوحدات إلى دعم عاجل وتعزيز إمكانياتها.
* أي المدن الإيرانية تشهد حاليا أعلى معدلات اعتداءات صائدي الكنوز على المواقع الأثرية؟
زاهدي: وفقا للإحصائيات، فإن المناطق الشمالية من البلاد، مثل محافظات جيلان ومازندران، إضافة إلى المحافظات الغربية في إيران، تشهد أعلى معدلات لهذه الأنشطة.
ما هو وضع القطع الأثرية المزيفة في البلاد؟
زاهدي: للأسف، شهدت الفترة الأخيرة زيادة كبيرة في القطع الأثرية المزيفة؛ ووفقا للإحصائيات في عام 2023، تم اكتشاف نحو 92 ألف قطعة من الأشخاص الذين قاموا بالحفر غير القانوني، منها نحو 82 ألف قطعة كانت مزيفة.
وبالتالي، فإن سوق التزوير مزدهر في البلاد، وتصل نسبة القطع المزيفة نحو 10% فقط من القطع أصلية.