كتب: ربيع السعدني
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء 4 فبراير/شباط 2025، مذكرة تجيز نهجا صارما تجاه إيران يهدف إلى منعها من الحصول على سلاح نووي وخفض صادرات النفط إلى الصفر، ومواجهة نفوذها الإقليمي، بينما حذر من القضاء عليها في حالة اغتياله من قبل عملاء لطهران، وقال: “لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي”، مضيفا أن طهران سارعت في طموحاتها النووية وذكر: “أعتقد أنهم قريبون للغاية”، وفقا لما نشرته وكالة أنباء “رويترز”.
كما ذكر ترامب، في حديثه للصحفيين في المكتب البيضاوي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه ترك توجيهات لفريقه حول كيفية الرد في حالة تعرضه لمؤامرة اغتيال إيرانية، وقال: “تركت تعليمات، إذا فعلوا ذلك، فسيتم القضاء عليهم”، في إشارة إلى إيران، وأضاف أنه يوقع على المذكرة “على مضض، ولكن ليس لدي خيارات كثيرة، لأن علينا أن نكون أقوياء وحازمين”، ويأمل أن تؤدي إلى اتفاق مع طهران، وتابع: “هذا أمر أشعر بالانزعاج منه”، واصفا المذكرة بأنها “صارمة للغاية على إيران، وسأوقع عليها، لكن نأمل ألا نضطر إلى استخدامها كثيرا”، وأضاف ترامب أنه مستعد للتفاوض مع القيادة الإيرانية، قائلا: “سنرى ما إذا كان بإمكاننا ترتيب صفقة مع إيران، بحيث يتمكن الجميع من العيش بسلام”.
ترامب: أريد السلام بصدق
أعلن ترامب في بادئ الأمر بحسب وكالة “تسنيم” للأنباء التابعة للحرس الثوري الإيراني، أنه يرحب بعودة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى البيت الأبيض، ووصفها بأنها حدث مهم، وقال أيضا إنه أجرى محادثات جيدة مع نتنياهو، وأكد أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ستكون أقوى من أي وقت مضى، وأن الرابطة بين الجانبين ستبقى قوية لسنوات عديدة ولن تنكسر”، ووجه ترامب أيضا رسالة إلى طهران: “إلى إيران التي تستمع بعناية، أقول: أريد أن أبرم صفقة عظيمة، صفقة تسمح لكم بمواصلة العيش والازدهار، سوف تنجح بالتأكيد”، وأضاف أن “شعب إيران شعب مدهش، مجتهد، جميل، ومذهل حقا أنا أعرفهم جيدا، لدي العديد من الأصدقاء من هناك والعديد من أصدقائي الأمريكيين من أصل إيراني، وهم فخورون جدا بإيران، فقط لأعلمك، لقد كرهت القيام بهذا [توقيع مذكرة الضغط القصوى]، وآمل أن نتمكن من منع هذا الوضع من التحول إلى كارثة، لا أريد أن يحدث ذلك، أريد السلام بصدق وأتمنى أن نتمكن من تحقيق هذا الهدف”.
إيران تنفي حيازة “سلاح نووي”
بينما تنفي الحكومة الإيرانية أنها تعمل على حيازة أسلحة نووية، بحسب ما صرح به محمد إسلامي، مساعد رئيس الجمهورية، رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية في أثناء حديثه للصحفيين على هامش اجتماع حكومي نقلته وكالة أنباء “إيرنا” بشأن تصريحات ترامب الأخيرة بشأن منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية: “إيران لم يكن لديها، وليس لديها، ولن يكون لديها النية للحصول على الأسلحة النووية”، وتابع: “إيران لديها أنشطة نووية في إطار اتفاقية الضمانات ومعاهدة منع الانتشار النووي”.
في الوقت ذاته تؤكد طهران مرارا وتكرارا على الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” وقبل انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، أكدت العديد من التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذلك، وقد أشار المسؤولون الأمريكيون في هذا البيان، إلى البرنامج النووي الإيراني، وضمن ذلك القدرات المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة والصواريخ القادرة على حمل الأسلحة النووية، باعتباره تهديدا وجوديا للولايات المتحدة والعالم بأسره.
ترامب: إيران دولة قوية
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نتنياهو: “تقولون إن إيران ضعيفة، طهران ليست ضعيفة، إنها دولة قوية للغاية”، من جهة أخرى، قال ترامب بعد توقيع مذكرة الضغوط القصوى، ردا على سؤال أحد الصحفيين: “الآن بعد أن تعافت إيران، ليس الوقت مناسبا لمواجهتها، أشكرك على قولك إن إيران ضعيفة، ولكنها قوية ولن نسمح لها بالحصول على أسلحة نووية”.
إيران ترد على “اتهامات ترامب النووية”
وعلى صعيد آخر، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، على هامش اجتماع الحكومة اليوم الأربعاء 5 فبراير/شباط 2025، في مؤتمر صحفي نقلته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، ردا على تصريحات ترامب الليلة الماضية: “في ما يتعلق بالتصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي الليلة الماضية، أعتقد أن الضغوط القصوى هي تجربة فاشلة ومحاولتها مرة أخرى ستتحول إلى فشل آخر، إذا كانت القضية الرئيسية هي أن إيران لا تسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية، فهذا أمر قابل للتحقيق، إنها ليست مشكلة كبيرة، لقد كانت إيران عضوا ملتزما بمعاهدة منع الانتشار النووي”، وأضاف: “أن مواقف إيران بشأن الأسلحة النووية واضحة تماما، وهناك أيضا فتوى من المرشد الأعلى أوضحت المهمة لنا جميعا”.
ومن جانبه رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، على التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إيران، قائلا: “إن الادعاء بأن إيران تحاول تصنيع أسلحة نووية كذبة كبيرة تم دحضها مرات عديدة”، مشيرا إلى أن “من يبحث عن الحقيقة يمكنه الوصول إليها بسهولة”.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا” اليوم الأربعاء 5 فبراير/شباط 2025: “على عكس إسرائيل التي ليست عضوا في أي معاهدة دولية تحظر أسلحة الدمار الشامل وقد هددت علنا باستخدام الأسلحة النووية في حربها ضد غزة، فإن طهران عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي والبرنامج النووي الإيراني يخضع للإشراف الكامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية وفقا لاتفاقية الضمانات.
وأكد بقائي أيضا، أن طهران تحرّم أسلحة الدمار الشامل لأسباب إسلامية وإنسانية، مستندة في ذلك إلى فتوى صادرة عن المرشد الأعلى، مما يعكس التزام إيران الثابت بمبادئ السلام ورفض استخدام هذه الأسلحة، وأضاف: “أن إيران، أثبتت مرارا وتكرارا أنها إلى جانب استعدادها للتفاعلات السياسية والدبلوماسية لتأمين مصالحها الوطنية، وهي مصممة على الدفاع عن مصالحها وأمنها القومي بكل حزم، وستواجه أي تهديد أو ضغط بأقصى درجات الصمود والمقاومة”.
ما الذي يسعى إليه ترامب في الحقيقة؟
وفي إشارة إلى مذكرة ترامب تجاه إيران وما تحمله من دلالات أوضح الخبير في الشؤون الأمريكية أمير علي أبو الفتح في تصريحات لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية المستقلة “إيسنا“، أن “تصريحات الرئيس الأمريكي كانت مختلفة بعض الشيء هذه المرة مقارنة بما سبق؛ في الواقع، لقد تحدث بطريقة أكثر نضجا وأدبا من ذي قبل، لكنه في الوقت نفسه اعتمد أيضا سياسة العصا والجزرة، ويجب أن ننتظر حتى تتضح تفاصيل ما ينوي فعله، وعادة عندما يدلي الرئيس الأمريكي بتصريح ما، يقوم مسؤولو ومستشارو البيت الأبيض بإكمال أو توضيح تلك التصريحات خلال الأيام التالية”.
وتابع: “في هذا الإطار، يجب أن نرى ما الذي يسعى ترامب إليه حقا، وبعد ذلك ستتخذ إيران القرار، وكما قلت، إذا كان ترامب يريد فقط ألا تمتلك إيران أسلحة نووية، فإن إطار خطة العمل الشاملة المشتركة موجود في هذا الصدد، ومن ناحية أخرى، تراقب الوكالة الدولية للطاقة الذرية باستمرار الأنشطة النووية الإيرانية”، وأوضح أبو الفتح أن “المذكرة التنفيذية التي وقعها ترامب بشأن عودة الضغوط القصوى ضد إيران تختلف عن الأمر التنفيذي الذي وقعه في عام 2018 بهذا الشأن”، وقال: “المذكرة التنفيذية غير ملزمة، وليس لها قوة القانون، وعندما وقع ترامب هذه المذكرة قال إنه لا يريد القيام بذلك وكان مترددا، بينما وقع ترامب على أمر الضغوط القصوى ضد إيران بسلطة تنفيذية في عام 2018”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران بدأت في زيادة إنتاج اليورانيوم، وهو ما يمكن استخدامه بكميات أكبر في تصنيع الأسلحة النووية، الأمر الذي أدانته حكومات الترويكا الأوروبية “فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة”، ونشرت نسخة منه على موقع الحكومة البريطانية، جاء فيه: “نحن حكومات فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة ندين الخطوات الأخيرة التي اتخذتها إيران، كما أوردتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتوسيع برنامجها النووي من خلال زيادة إنتاج اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء 60% بشكل كبير في منشأة فوردو تحت الأرض”.
بداية “الضغط الأقصى”
وخلال رئاسته الأولى، انسحب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بـ”الاتفاق النووي“، والتي كانت تهدف إلى كبح طموحات إيران النووية، ثم تبع ذلك ما وصف بأنه استراتيجية “الضغط الأقصى” المتمثلة في فرض عقوبات شديدة، بهدف إقناع إيران بالتخلي عن البرنامج النووي ولكن أيضا إنهاء دعمها للمليشيات في المنطقة، وحافظ خليفته الرئيس السابق جو بايدن على العقوبات المطبقة على إيران خلال إدارة ترامب الأولى على الرغم من أن طهران أصبحت أكثر مهارة خلال السنوات الأربع الفاصلة في التهرب من القيود، خاصة فيما يتعلق بـ”صادراتها النفطية”، كما خففت إدارته بعض آليات التنفيذ في محاولة لإغراء إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات، رغم أنها لم ترفع العقوبات تماما، وفي نهاية المطاف، انهارت محاولات تجديد المحادثات.
مخاوف إسرائيلية
يأتي هذا في الوقت الذي يشعر فيه فريق نتنياهو بالقلق إزاء أي تفاعل بين إيران والغرب، وهي قضية تناولتها مؤخرا مجلة السياسة الخارجية في تقرير لها، وبحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، يوم 31 يناير/كانون الثاني 2024، فإن إيران تشكل قضية يختلف عليها ترامب ونتنياهو، وتحدث الأخير مرارا وتكرارا عن أمله في الحصول على دعم الولايات المتحدة في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في حين أن ترامب لا يحمل أي ضغينة ضد الإيرانيين ويبدو مستعدا لتكثيف حملته للضغط الأقصى، فقد صرح مرارا بأنه يريد إنهاء الحروب.