كتب: ربيع السعدني
تعلن إيران بشكل متكرر، أن أنشطتها النووية سلمية، وتؤكد استنادا إلى فتوى المرشد الإيراني علي خامنئي، أنها لا تسعى نحو امتلاك وإنتاج أسلحة نووية، بحسب ما صرح به رئيس منظمة الطاقة الذرية محمد إسلامي، من أن “إيران لم يكن لديها برنامج لأسلحة نووية، وليس لديها الآن، ولن يكون لديها في المستقبل”، نهج طهران في هذا المجال واضح تماما، كما أن الأسلحة النووية ليس لها مكان في العقيدة الإيرانية، وفقا للرئيس مسعود بزشكيان.
وذلك بعد تحذير قوي وجهه إليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن هذه القضية، ودعا في 5 فبراير/شباط 2025، إيران إلى “اتفاق نووي سلمي خاضع للتدقيق”، مشدّدا على أن طهران “لا يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا”، ضمن قراره إعادة فرض سياسة “الضغوط القصوى” على إيران بسبب مزاعم بأن طهران تسعى إلى امتلاك سلاح نووي.
رغم أن إيران تُصر على أن برنامجها النووي ذو طبيعة سلمية بحتة، ويتم تنفيذه في إطار ضوابط الضمانات واتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، فإن سياستها وعقيدتها النووية تعد واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ويُعتبر برنامج إيران النووي جزءا لا يتجزأ من العقيدة الدفاعية، إذ تسعى إيران من خلاله إلى تحقيق أهداف متعددة تتعلق بالأمن القومي والسيادة والردع، ضمن معادلة القوة والتوازن الإقليمي.
مع تزايد التوترات، خاصةً هذا العام، زادت المقترحات لتغيير العقيدة النووية والعسكرية الإيرانية، ونفى المسؤولون الإيرانيون مرارا المزاعم الغربية بأن طهران تريد امتلاك أسلحة نووية، لكنهم أكدوا أن تحديد هذا القيد سياسي/ديني وليس فنيا، حسبما نشر تقرير صحيفة “دنياي اقتصاد” في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وبعبارة أخرى، حققت إيران تقدما جديا في برامجها النووية والعسكرية، لكنها من الناحية السياسية لا تريد خلق التوتر، وقال علي أكبر صالحي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية بين عامي “2009 و2010، و2013-2021” والدبلوماسي الكبير السابق بين عامي 2011-2013، في مقابلة تلفزيونية في فبراير/شباط 2024، إن إيران “تجاوزت جميع العتبات النووية” من الناحيتين الفنية والعلمية.
وفي هذا السياق أوضح محمد علي (عزيز) جعفري، قائد الحرس الثوري (2007-2019) آنذاك، في عام 2017 أيضا، أن السبب الرئيسي وراء رضا إيران عن مدى صواريخها هو أن القواعد الأمريكية في المنطقة متاحة بالفعل، وحذر حسين سلامي، الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، القوى الأوروبية من أن “إيران ستزيد من مدى صواريخها إذا اعتبرت تصرفات هذه القوى بمثابة تهديد”.
وفي أعقاب تصاعد التوترات مع إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2024 ومذكرة ترامب الرئاسية الأخيرة في فبراير/شباط 2025، لإعادة فرض سياسة العقوبات الصارمة ضد طهران، على غرار ما حدث خلال ولايته الأولى، أثير الجدل من جديد حول فكرة تغيير العقيدة النووية لإيران التي أصلَّ لها المرشد علي خامنئي في أكتوبر/تشرين الأول 2003 بفتوى تحرم استخدام سلاح الدمار الشامل، وبعد أقل من عامين وتحديدا خلال أغسطس/آب 2005 أعلنتها الحكومة الإيرانية في بيان رسمي، في أثناء اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، وقيل إنّ هذه الفتوى تُحَرِّمُ “إنتاج، وتخزين، واستخدام الأسلحة النووية”.
ونُشرت هذه الفتوى على الموقع الرسمي للمرشد (KHAMENEI.IR) وأشار اليها المسؤولون في تصريحاتهم، وعدّ الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، هذه الفتوى في 10 أبريل/نيسان 2021، “أكبر ضمان يضمن حركة إيران في مسار التكنولوجيا النووية السلمية”، واعتبرها باراك أوباما الرئيس الأمريكي، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “فارس” في 26 سبتمبر/أيلول 2012: “نحن نحترم حق الدول في الحصول على الطاقة النووية السلمية، وهذه آلية جيدة للالتزام بالاتفاق”.
نَص فتوى خامنئي
وأكد المرشد الإيراني موقفه في عام 2019، حينما قال إن بناء وتخزين القنابل النووية أمر خاطئ واستخدامها حرام، مضيفا: “انطلاقا من مبادئنا الإسلامية، نحن لا نريد اللجوء إلى السلاح، رغم امتلاكنا للتكنولوجيا النووية، ونحن ضد الدمار الشامل؛ إنه ضد الدين، وضد الإسلام؛ سواء كان ذريا، أو كيميائيا، أو أي نوع آخر ممكن”، ونشر المرشد الإيراني في أثناء المؤتمر الدولي الأول رسالة بنص الفتوى حول “نزع السلاح النووي ومنع الانتشار” في أبريل/نيسان 2008، وتم تسجيلها رسميا في الأمم المتحدة وهي تنص على “أنه إضافة إلى الاعتقاد بحرمة الأسلحة النووية، فإننا نعتبر أيضا استخدام أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل، مثل الأسلحة الكيميائية والأسلحة البيولوجية، محرمة وتمثل خطرا حقيقيا على البشرية، والشعب الإيراني باعتباره ضحية لاستخدام السلاح الكيماوي يشعر أكثر من غيره من الشعوب بخطر إنتاج وتخزين هذه الأنواع من الأسلحة، وهو على استعداد لوضع كافة إمكاناته في سبيل مواجهتها.. إننا نعتبر استخدام هذه الأسلحة حراما، وإن السعي لحماية أبناء البشر من هذا البلاء الكبير واجب على عاتق الجميع”.
وأكد المرشد أن بلاده ورغم امتلاكها القوة على تصنيع سلاح نووي، فإنها قررت وبكل حزم وانطلاقا من التعاليم الإسلامية تحريم استخدام هذا النوع من السلاح، وقال خامنئي في تدوينة على منصة إكس يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019: “لا داعي لننفق الأموال على إنتاج وتخزين سلاح يحرم استخدامه بتاتا”.
تناقض “الخارجية الإيرانية” بشأن تغيير العقيدة النووية
ردا على تصريحات دونالد ترامب خلال المؤتمر الصحفي الأربعاء 5 فبراير/شباط 2025 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والتي قال فيها: “الشيء الوحيد الذي أريده من إيران هو ألا تمتلك أسلحة نووية“، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: “إذا كانت القضية الرئيسية هي ألا تسعى إيران إلى امتلاك أسلحة نووية، فهذا أمر قابل للتحقيق ولا توجد مشكلة، مواقف إيران واضحة، فهي عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي، وهناك فتوى من القيادة حددت لنا المهمة”.
وهذا لا يتوافق تماما مع تحذيره السابق في لشبونة، حيث جاءت تصريحات عراقجي في الوقت الذي قال فيه خلال مؤتمر صحفي في 12 ديسمبر/كانون الأول 2024 بإمكانية تغيير إيران عقيدتها النووية، ردا على احتمال إعادة الدول الأوروبية فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران: “إذا استمر الغرب في التهديد بإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة، فمن المرجح أن يتحول النقاش النووي داخل إيران نحو امتلاك الأسلحة”، ويتعارض أيضا مع تصريحات كمال خرازي، مستشار المرشد الإيراني السابقة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 للمرة الأولى منذ عدة أشهر من التوتر بين إيران وإسرائيل والتي نقلتها صحيفة “كيهان” الأصولية المقربة من المرشد حول إمكانية تغيير العقيدة النووية الإيرانية، في حين يجب تعزيز هذا الموقف الحالي.
الدفاع عن الحق النووي
وفي إشارة إلى شفافية البرنامج النووي الإيراني والتزام البلاد بالاتفاقيات الدولية، قال علي شمخاني، المستشار السياسي للمرشد يوم الثلاثاء 4 فبراير/شباط 2025: “إن إيران لم تسع قط إلى امتلاك الأسلحة النووية ولن تسعى إلى ذلك أبدا”، ومع ذلك، فهي تدافع عن حقوقها القانونية في الأبعاد السياسية والتقنية بكل ما أوتيت من قوة، وبعد يوم واحد من تصريح شمخاني علق النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد رضا عارف حسبما نقل موقع “عصر إيران” الإصلاحي، بأنه إذا كان ترامب يعتقد أن إيران يجب ألا تدخل مجال الأسلحة النووية فهذه هي استراتيجية إيران الدائمة، وقال: “نحن لا نحب الحرب من حيث المبدأ، ولكننا سندافع عن أنفسنا بقوة. وفي مجال الأسلحة النووية على الرئيس الأمريكي أن يطمئن، لأننا أصدرنا فتوى بهذا الشأن والفتوى هي الكلمة الأخيرة للمسلمين، بأن استخدام الأنشطة النووية غير السلمية محرم، واستراتيجيتنا في هذا الاتجاه واضحة، وليس لدينا نقاش حول هذه الاستراتيجية”.
39 نائبا لخامنئي: “غيِّر فتواك”
وتتزايد الدعوات في إيران إلى مراجعة العقيدة النووية للبلاد، ففي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024 وجَّه 39 نائبا في البرلمان رسالة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي؛ وفقا لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”؛ للمطالبة بإعادة النظر في العقيدة النووية الحالية، والسماح بتصنيع القنبلة النووية بالتزامن مع تسلُّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلطة في 20 يناير/كانون الثاني 2025.