كتبت: ميرنا محمود
تتصدر مسألة انضمام تركيا إلى مجموعة البريكس الأجندة حالياً. ما مزايا وعيوب الانضمام إلى البريكس؟ وما المكاسب والخسائر التي ستجنيها تركيا من هذا الانضمام؟ وكيف قد يتفاعل الغرب مع هذا التحرك؟
نشأة مجموعة البريكس وتوسعها
تأسست مجموعة البريكس عام 2006 بدعوة من البرازيل وروسيا والهند والصين، ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا عام 2010. هدفت المجموعة في الأساس إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين دولها الأعضاء، وحماية مصالحها المشتركة على الساحة العالمية. وعلى الرغم من أنها لم تحقق تأثيراً كبيراً في البداية، فإنها تتمتع بإمكانات هائلة؛ نظراً إلى حجم اقتصاداتها وسكانها، حيث تمثل دول المجموعة نحو 13.41% من سكان العالم و3.37% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كما أنها توفر بديلاً للدول التي لا تنتمي إلى الكتلة الغربية.
يرى الخبراء أن مجموعة البريكس، التي تضم دولاً ذات نفوذ عالمي تتميز بكثافة سكانية عالية وقاعدة صناعية قوية وموارد طاقية غنية، تتجه نحو أن تكون قوة عالمية بديلة. وقد شهدت مجموعة البريكس مؤخراً اهتماماً متزايداً بإنشاء نظام دفع مشترك واعتماد عملة احتياطية جديدة، بهدف تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. تم قبول عضوية كل من الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات العربية المتحدة في “بريكس”، وبذلك ارتفع عدد الدول الأعضاء من خمسة إلى إحدى عشرة، وتلقت 34 طلب انضمام آخر.
كان من المقرر أن تبدأ عضوية الدول الجديدة رسمياً في 1 يناير/كانون الثاني 2024، ولكن الرئيس الأرجنتيني الجديد المؤيد للولايات المتحدة، خافيير ميلي، أرسل رسالة إلى الدول الأعضاء أفاد فيها بأن حكومته الحالية لا توافق على انضمام الأرجنتين كعضو كامل في “بريكس” اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2024، وانسحبت رسمياً من طلب العضوية. من ناحية أخرى، لم تنضم السعودية رسمياً إلى التشكيل حتى الآن، ولكنها تشارك في أنشطة المنظمة كدولة مدعوة. إذا نظرنا عن كثب، يبدو أن هناك سياسة توازن متبعة حتى في اختيار الأعضاء الجدد. فقد تم قبول مصر وإثيوبيا اللتين تعانيان من مشاكل متبادلة في إفريقيا، إضافة إلى السعودية وإيران اللتين تمثلان وجهي المنطقة، والسعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تعتبران منافسين مستقبليين في المنطقة، كأعضاء في الوقت نفسه.
تساهم عدة عوامل في تعزيز نفوذ مجموعة البريكس، منها:
الموقف المعارض للغرب: تعتبر المجموعة نفسها بديلاً عن الكتلة الغربية، وتقدم نفسها كقوة موازنة للأقطاب التقليدية.
الموارد الطبيعية: تمتلك دول المجموعة موارد طبيعية هائلة، خاصةً الطاقة، مما يمنحها قوة تفاوض كبيرة على الساحة الدولية. ومن أبرز ميزات مجموعة البريكس أنها تنتج نحو 44% من إجمالي إنتاج النفط الخام في العالم.
النمو الاقتصادي السريع: تتمتع العديد من دول المجموعة بمعدلات نمو اقتصادي مرتفعة، مما يعزز من مكانتها الاقتصادية العالمية.
يشير هذا التطور إلى أن مجموعة البريكس قد تلعب دوراً أكثر أهمية في النظام العالمي في المستقبل، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم.
التغيرات الجيوسياسية وتأثيرها على السياسة التركية
أدت الأحداث الأخيرة في العالم، مثل الحرب الروسية الأوكرانية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلى تسليط الضوء على التناقضات في السياسة الغربية، حيث اتبعت مواقف متباينة تجاه هاتين القضيتين. وفي ظل تصاعد المخاطر الجيوسياسية في المنطقة، أصبحت تركيا، بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، واحدة من أكثر الدول عرضة لهذه المخاطر. وهذا يضع تركيا في موقف يمكنها فيه استغلال موقعها الجغرافي للتعامل مع القوى المختلفة. ويعكس التناقض في التصريحات حول عضوية تركيا في مجموعة البريكس هذا التوجه الجديد. كما أن تجارب تركيا السابقة مع الشرق والغرب قد شكلت بشكل كبير، موقفها الحالي.
مشاكل البنية التحتية في مجموعة البريكس
في مقابلة سابقة، أشار وزير الخارجية التركي، السيد هاكان فيدان، إلى أن تحول مجموعة بريكس إلى بنية مؤسسية قوية، على غرار الاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يعزز من فاعليتها. وبهذا، يكون قد لفت الانتباه إلى غياب البنية المؤسسية المتكاملة في مجموعة البريكس. كما أكد أن المجموعة لا تزال في مرحلة التطور والتكوين. من الجدير بالذكر أن السيد فيدان أطلق هذه التصريحات بالتزامن مع تأكيده رغبة تركيا في الانضمام إلى المجموعة، مما يدل على أنه يسعى إلى تقديم نقد بنّاء للمجموعة جنباً إلى جنب مع دعم انضمام بلاده إليها.
التحديات التي تواجه البريكس
اختلاف الأهداف والمصالح: لا يوجد توافق كامل بين الدول الأعضاء حول الأهداف الاستراتيجية للمجموعة.
التوترات الجيوسياسية: وجود خلافات تاريخية وجغرافية بين بعض الدول الأعضاء، مثل الصين والهند والسعودية وإيران.
غياب البنية المؤسسية المتكاملة: لا تزال المجموعة في مرحلة التكوين، ولا توجد آليات واضحة لاتخاذ القرارات وتنسيق السياسات.
الاختلاف في النظم الاقتصادية والسياسية: تختلف الدول الأعضاء في مستوى التنمية الاقتصادية ونوعية النظام السياسي.
أهمية مجموعة البريكس لتركيا
تعتبر مجموعة البريكس، التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، بديلاً جذاباً لتركيا، وذلك لعدة أسباب:
النمو الاقتصادي: تتمتع دول البريكس بمعدلات نمو اقتصادي مرتفعة، مما يوفر فرصاً كبيرة للاستثمار والتجارة لتركيا.
البنية التحتية: تساهم دول البريكس في مشاريع ضخمة للبنية التحتية، مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية، مما يوفر لتركيا فرصاً للانضمام إلى هذه المشاريع وتعزيز مكانتها كمركز تجاري.
التعددية القطبية: تمثل مجموعة البريكس تحدياً للنظام العالمي أحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، مما يتيح لتركيا فرصة أكبر للمناورة في السياسة الدولية.
التحديات التي تواجه تركيا
على الرغم من المزايا التي تقدمها مجموعة البريكس، فإن هناك بعض التحديات التي تواجه تركيا في حال انضمامها إليها:
التوتر مع الغرب: قد يؤدي انضمام تركيا إلى البريكس إلى زيادة التوتر في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
التناقضات بين أعضاء البريكس: توجد اختلافات في المصالح والسياسات بين أعضاء البريكس، مما قد يؤثر على قدرة المجموعة على اتخاذ قرارات موحدة.
التزامات حلف الناتو: تعد تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي، وهو ما قد يحد من قدرتها على التحرك بحرية في سياق البريكس، خاصة في ظل التوترات بين روسيا والغرب.
نظرة أعضاء الناتو إلى انضمام تركيا إلى مجموعة البريكس
لا تزال مسألة انضمام تركيا إلى مجموعة البريكس محل جدل وتكهنات في الأوساط الدولية، رغم عدم وجود تأكيد رسمي حتى الآن. ومع ذلك، أشارت روسيا إلى أن تركيا تقدمت بطلب للانضمام وأنها تدعم هذا الطلب. ويزداد هذا الأمر أهمية إذا ما أخذنا في الاعتبار توقيت هذا الطلب، قبيل انعقاد اجتماع الاتحاد الأوروبي في بروكسل. يمكن تفسير هذا التوقيت على أنه يحمل رسائل عدة. أولاً، قد تكون تركيا تحاول إرسال رسالة إلى الاتحاد الأوروبي، مفادها أنها لم تعد تعتمد عليه، وأنها مستعدة لاستكشاف خيارات أخرى. ثانياً، قد تكون تركيا تستخدم هذا التكتيك للضغط على الاتحاد الأوروبي، محاولة إقناعه بتسريع عملية انضمامها.
تشهد السياسة الخارجية التركية تحولات كبيرة في الآونة الأخيرة، حيث تسعى تركيا إلى تنويع شراكاتها وتقليل اعتمادها على طرف واحد. وتعتبر مجموعة البريكس فرصة مهمة لتركيا لتحقيق هذه الأهداف، خاصةً أنها تلعب دوراً متزايد الأهمية في حل النزاعات الإقليمية والدولية. ومع ذلك، فإن انضمام تركيا إلى البريكس قد يؤدي إلى تفاقم التوترات داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خاصةً أن بعض الدول الأعضاء في الحلف لديها مواقف معادية لتركيا. وقد يفتح هذا الباب أمام مناقشات حول إمكانية طرد تركيا من الحلف.