ترجمة: شروق السيد
نشرت صحيفة “هم ميهن” الإيرانية يوم الأحد 5 يناير/كانون الثاني 2024، تقريرا ذكرت فيه أن سقوط بشار الأسد والوضع الحالي في سوريا قد أحدثا عدة تحولات في المنطقة وأثّرا على توازن القوى بين الدول ذات المصالح، فمع سقوط الأسد، أصبحت تركيا أكثر ثقة بالنفس وتبنت موقفا هجوميا، بينما تعرضت إيران للهزيمة، مما جعلها في موقف دفاعي بطبيعة الحال.
وأضافت الصحيفة أنه ومع ذلك، لا ترغب كل من تركيا وإيران في مواجهة مباشرة مع بعضهما البعض، متابعة مواقف المسؤولين في كلا البلدين تُظهر أنهما يحاولان توخي الحذر؛ لتجنب مواجهة مباشرة، ولكن الحقيقة أن مسار الأحداث في سوريا يشير إلى أن تضارب المصالح بين تركيا وإيران سيظهر بشكل أكثر وضوحا وأسرع مما يتوقعه كثيرون.
وتابعت الصحيفة: “في الواقع، على الرغم من أن كلا من إيران وتركيا لا ترغب في المواجهة، فإنهما محاصرتان بتطورات الأحداث في سوريا، وهما تسيران تدريجيا نحو مواجهة محتومة، وفي هذا السياق، تبقى الولايات المتحدة لاعبا مهما في سوريا”.
وتابعت الصحيفة مبينةً أن قلق إيران بشأن سوريا ينبع من أن وصول حكومة سنية إلى السلطة في هذا البلد قد يهدد أمن العراق، فإذا تولت حكومة سنية السلطة في سوريا، فسوف يصبح العرب السنة متمركزين على جانبي الحدود بين سوريا والعراق، هذه المناطق هي ذاتها التي سيطر عليها تنظيم الدولة المعروف بـ”داعش” في عام 2014 وأعلن فيها “الخلافة الإسلامية”.
وكان الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام الذي يجلس الآن على كرسي السلطة في دمشق، يتنقل في هذه المناطق خلال منتصف العقد الأول من الألفية حتى أوائل العقد الثاني حتى انضم إلى تنظيم القاعدة. ومنذ عام 2014 وحتى عام 2018، خاضت إيران والعراق حربًا ضد تنظيم الدولة المعروف بـ “داعش”.
وأضافت الصحيفة أنه في النهاية، ومع هزيمة تنظيم الدولة، أصبحت المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق تحت سيطرة قوات الحشد الشعبي الشيعية. أما الآن، فقد فقدت إيران السيطرة بالكامل على سوريا، وتعرض حزب الله لضعف شديد، لذلك، من الطبيعي أن تسعى طهران لضمان بقاء العراق على الأقل ضمن دائرة نفوذها. بالنسبة لإيران، تعتبر هيئة تحرير الشام قوة معادية، إضافة إلى أنها تحظى بدعم من تركيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن تركيا لديها وجود عسكري كبير في شمال سوريا، وهي حريصة على إضعاف الأكراد الانفصاليين في الشمال وتهيئة الظروف لتمركز العرب السنة في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد السوريين.
وتابعت: “في الواقع، الهدف النهائي لتركيا هو إعادة تقوية السنة والتركمان في العراق، ذلك أن تعزيز قوة هاتين المجموعتين سيؤدي إلى تغيير ميزان القوى في العراق لصالح السنة وضد الشيعة المدعومين من إيران، علاوة على ذلك، تتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، كما يسيطر أكراد العراق على جزء من المناطق الحدودية مع سوريا”.
وواصلت الصحيفة مبينةً أنه من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن الأكراد السوريين يمثلون حالة مختلفة. ففي أثناء ظهور تنظيم الدولة، كانت واشنطن ترى في الأكراد القوة الوحيدة الفعّالة ضد التنظيم، هذا الاعتقاد أدى إلى خلاف بين الولايات المتحدة وتركيا، وهو خلاف استفادت منه إيران إلى حد ما.
واستدركت: “لكن الآن، ومع سقوط نظام الأسد، وتعهد دونالد ترامب بتقليل التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، هناك احتمال أن يتفق ترامب وأردوغان على مواجهة ظهور داعش من جهة، والعمل ضد مصالح إيران في سوريا والعراق من جهة أخرى، إذا حدث ذلك، فستكون هذه أول مرة تتخذ فيها تركيا، بالتعاون مع الولايات المتحدة، التي تعتبر العدو الأول لإيران، خطوات مباشرة ضد مصالح إيران في المنطقة.
كما ذكرت الصحيفة أن إيران تدرك أن الشيعة في العراق قد لا يتمكنون من الصمود أمام صعود السنة بالعراق، ومع ذلك، فإن إيران اليوم تمتلك أقل قدر من أدوات الضغط، وإذا مضى ترامب نحو تنفيذ سياسة الضغط الأقصى، فإن إيران ستواجه مزيدا من الضغوط.
وأضافت أن توقيت الأحداث الأخيرة في سوريا ولبنان لم يكن لصالح إيران على الإطلاق، فالوضع الاقتصادي حاليا سيئ، ورأس المال الاجتماعي في تراجع، والعلاقة بين الدولة والمجتمع ليست مُرضية إطلاقا، في ظل هذه الظروف، يبقى العراق آخر معقل لإيران في المنطقة.
لذلك، فإن احتمالية تعزيز التعاون الأمني بين إيران والعراق ليست مستبعدة، إذا اعتبر العراقيون التهديد الأمني القادم من سوريا أمرا جادا، فسيجدون أنفسهم تلقائيا يميلون نحو إيران.
واختتمت الصحيفة مبينةً أن الوضع الهش في سوريا قد يمتد تأثيره إلى العراق أيضا، وإذا حدث ذلك، فقد يمثل فرصة وتهديدا في الوقت ذاته للولايات المتحدة. أما بالنسبة لتركيا، فسيشكل ذلك فرصة لتحقيق مكاسبها الإقليمية التي تطمح إليها، لكن بالنسبة لإيران، هناك خطر من أن تواجه استراتيجية الأمن القومي بأكملها التي بنتها في الأعوام الأربعين الماضية تهديدا وجوديا. في الواقع يبقى العراق الآن هو المعقل الأخير لإيران.