ترجمة: يسرا شمندي
نشرت صحيفة شرق تقريرا، الثلاثاء 14 يناير/كانون الثاني 2025، أوردت فيه أن الجماعات المسلحة الكردية في إيران تتكون من عناصر قومية متطرفة تعمل تحت تأثير ظروف داخلية وخارجية متنوعة، وقد تورط العديد من قادتها في التعاون مع دول أجنبية تحت شعار السعي للحكم الذاتي. ورغم ذلك، لم يحقق هذا التعاون أهدافهم، بل وضعهم في خدمة القوى الأجنبية، وأدى اعتمادهم على العمل المسلح والأنشطة الإرهابية إلى أضرار كبيرة للشعب الكردي ولم يحقق أي منفعة.
وأضافت الصحيفة، أنه من بين ممارسات الجماعات المسلحة الكردية تبرز ظاهرة تجنيد الأطفال، أو بشكل أكثر دقة، اختطاف الأطفال أو خداعهم في المناطق الكردية بإيران. ففي الحروب والنزاعات المسلحة خلال القرنين الماضيين بين دولتين أو أكثر، كان استخدام الأطفال كقوة عسكرية أمرا شبه حتمي. وغالبا ما كان الأطفال الذين يُتركون دون عائلة في المناطق المتأثرة بالحروب هدفا سهلا للجيوش، حيث إنهم لا يحتاجون استثمارا كبيرا مثل البالغين، وكان من السهل التحكم فيهم. ومع ذلك، شهد العصر الحديث تطورا في المفاهيم القانونية، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية .
واليوم، بات يوجد قوانين دولية تمنع الجيوش من تجنيد الأطفال، ولكن بعض الجيوش في أفريقيا وآسيا لا تزال تستخدم أعدادا كبيرة من الأطفال. ورغم أن هذه الممارسات اختفت تقريبا من المؤسسات العسكرية الرسمية التابعة للحكومات بفضل القوانين والمفاهيم الحقوقية المتقدمة، فإن الجماعات المسلحة غير الحكومية ما زالت تستغل هذا الأسلوب في محاربة الحكومات أو الجماعات الأخرى.
وتابعت الصحيفة، أن استخدام الأطفال في الحروب والمعارك، أو ما يُعرف بـ”تجنيد الأطفال”، يمثل شكلا من أشكال الاستغلال بهدف تحقيق أهداف عسكرية، إلى جانب كونه وسيلة للدعاية، وهو أمر يؤلم الضمير الإنساني ويؤثر على الرأي العام عالميا. ويشير مصطلح “الطفل المجند” إلى استغلال الأطفال من قبل المؤسسات العسكرية بمختلف أشكالها، سواء كانت تابعة للحكومات، أو للجماعات شبه العسكرية، أو للجهات المسلحة غير الحكومية، أو حتى للأحزاب السياسية، كقوة عسكرية تُستخدم كحراس أو جواسيس أو رسل أو حتى لأغراض الاستغلال الجنسي.
وأضافت أن ظاهرة تجنيد الأطفال تحمل أبعادا واسعة يمكن دراستها من زوايا مختلفة، منها القوانين الإسلامية، وحقوق الإنسان، والقواعد الدولية. ومن منظور القوانين الإسلامية، يُعد استخدام الأطفال في الحروب والنزاعات المسلحة تصرفا مستنكرا، حيث تُعتبر حماية الأطفال جزءا أساسيا من مبادئ المجتمع الإسلامي. أما في مجال حقوق الإنسان الحديثة، ورغم اعتماد معاهدات في سبعينيات القرن العشرين لحظر استخدام الأطفال في الحروب، فإن تقارير “الحملة الدولية لوقف تجنيد الأطفال” أشارت إلى استمرار الاستخدام الواسع للأطفال في النزاعات. وأخيرا، صيغت أهم معاهدة في هذا الشأن، وهي اتفاقية حقوق الطفل العالمية، التي تم تبنيها في نوفمبر/تشرين الثاني 1989 من قبل الأمم المتحدة.
وأكدت الصحيفة، أن المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل العالمية تنص بوضوح على ضرورة التزام الحكومات بالقوانين المنصوص عليها في هذه الاتفاقية وغيرها من قوانين حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، وخصوصًا فيما يتعلق بحماية الأطفال. كما تُلزم الدول الأطراف في الاتفاقية بضمان عدم مشاركة الأشخاص دون سن 15 عامًا مشاركة مباشرة في النزاعات المسلحة. إضافة إلى ذلك، تدعو الاتفاقية الدول إلى السعي لعدم تجنيد أشخاص دون سن 15 عامًا أساسًا في القوات المسلحة.والنقطة الجوهرية التي يجب التركيز عليها في هذه الاتفاقية هي أن تعريف الطفل المجند وفقًا لاتفاقية حقوق الطفل يعتمد على العمر، حيث يتم اعتبار كل شخص يقل عمره عن 18 عامًا طفلًا، وبالتالي، إذا تم استخدام هؤلاء من قبل الحكومات أو الجماعات المسلحة كقوة عسكرية، فإنهم يُصنفون كأطفال مجندين.وبصورة أكثر تحديدًا، لا يُشترط أن يكون الطفل المجند مشاركًا في ساحات القتال ويحمل السلاح فحسب، بل إن مجرد توظيف هؤلاء الأطفال في البيئات العسكرية كحراس، وجواسيس، ورسل، أو حتى في المهام اللوجستية يجعلهم يدخلون ضمن مفهوم الطفل المجند.
وتطالب الفقرة الثالثة من المادة 38 في اتفاقية حقوق الطفل الدول بزيادة الحد الأدنى لسن الانضمام إلى القوات العسكرية من 15 عامًا إلى 18 عامًا. فعندما تم تبني اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، كانت العديد من الدول لا تزال تستخدم أشخاصًا بعمر 15 عامًا في صفوف القوات المسلحة. ولذلك، ركزت الفقرة الثالثة من المادة 38 على ضرورة رفع الحد الأدنى للسن إلى 18 عامًا.أما الفقرة الرابعة من المادة 38 فتُلزم الدول الأعضاء بحماية جميع المدنيين، لا سيما الأطفال، أثناء النزاعات المسلحة. ومن الواضح أن الاتفاقية تحظر استخدام الأطفال، خاصة من هم دون 15 عامًا وكذلك من هم دون 18 عامًا، كقوة عسكرية. وجدير بالذكر أن اتفاقية حقوق الطفل تتضمن أيضًا بروتوكولًا اختياريًا يسمى “البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل”، حيث تعالج المادة 4 منه بشكل خاص حظر استخدام الأطفال كجنود من قبل الحكومات والجماعات المسلحة الأخرى. ويوضح هذا البروتوكول تفاصيل دقيقة لمنع استغلال الأطفال ومنع أي صلة تربطهم بالمؤسسات العسكرية، مما يجعل تصنيفهم كأطفال مجندين غير مقبول ومخالفًا للقوانين الدولية.
وأوضحت الصحيفة، أن البروتوكول الاختياري في المادة 6 ينص على مطالبة الحكومات بعدم تجنيد الأطفال للقيام بالأعمال العسكرية والامتناع عن تسجيلهم للمشاركة في النزاعات العسكرية، مع تأكيد بذل الجهود لإعادة تأهيلهم جسديا ونفسيا. إضافة إلى ذلك، تنص المواد 2 و8 و26 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي أُقر عام 1998 ودخل حيز التنفيذ في الأول من يوليو/تموز 2002، على حظر استخدام الأطفال دون 15 عاما كجنود في النزاعات والحروب، وكذلك توظيفهم لأغراض عسكرية في أوقات السلم. وقد اعتُبر ذلك جريمة دولية جنائية وجرائم حرب وفق النظام الأساسي. وبالتالي، فإن استخدام الأطفال دون 15 عاما، سواء في الحرب أو السلم، يُعد جريمة دولية قابلة للملاحقة القضائية على المستوى الدولي. وفي 26 يوليو/تموز 2005، اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع “القرار 1612”. ويمثل هذا القرار خطوة مهمة لإنشاء نظام للمراقبة والإبلاغ يُلزم الجماعات التي تستخدم الأطفال في الحروب بالامتثال للقوانين الدولية. وقد أعلن مجلس الأمن بوضوح في هذا القرار، أن تجنيد الأطفال واستخدامهم كجنود يُعدان أمرا محظورًا. وينص النظام الرقابي المُرتب على إلزام الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقارير سنوية إلى مجلس الأمن حول البلدان والجماعات التي تستخدم الأطفال كقوة عسكرية. وتُظهر هذه القوانين أن استخدام الأطفال لأغراض عسكرية محظور تماما بموجب القانون الدولي، وهو انتهاك لاتفاقية حقوق الطفل، وجريمة دولية تُصنف كجريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. كما أن القرار يُتيح لمجلس الأمن التدخل إذا لزم الأمر.
وذكرت أنه عكس كافة القوانين المعتمدة المذكورة، فإنه رغم حظر استخدام الأطفال في النزاعات العسكرية والصراعات المسلحة، فإن ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة، خاصةً الجماعات المسلحة الكردية مثل حزب العمال الكردستاني، وحزب الحياة الحرة الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي، والكوملة، وغيرها، تُعد قضية خطيرة تمثل انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان. وتُستخدم وسائل متعددة للاستغلال مثل الخطف، والخداع، والتحريض، ما يؤدي إلى استغلال الأطفال الكرد في مناطق كردية في إيران. وغالبا ما يكون هذا مرفقا بأكاذيب وحوافز حول مستقبل مشرق من خلال الكفاح ضد الحكومة المركزية، وغالبا ما يتم هذا دون علم أو موافقة الوالدين. ووفقا لتعريفات الأطفال الجنود المذكورة سابقا، تُعد هذه الممارسات بمثابة انتهاك صريح للحقوق الإنسانية والقوانين الدولية.
وأضافت أنه استنادا إلى القوانين، فإن تصرفات هذه الجماعات لاستخدام الأطفال كأدوات حرب تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الأطفال، فأول حق يتم سلبه هو حق الحياة والنمو في محيط الأسرة، وكشرط أساسي للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية للأطفال. في كثير من الحالات، تظل العائلات في جهل تام بمصير أطفالهم لعدة سنوات ولا يمكنهم حتى العثور على أي دليل على أنهم ما زالوا على قيد الحياة. وللأسف، يُجبر هؤلاء الأطفال على الدخول في معسكرات تدريب عسكرية وطائفية لتعلم أساليب حرب العصابات ويخضعون لأشد عمليات الغسيل العقلي والتلقين الأيديولوجي. علاوة على ذلك، فإن جزءا كبيرا من هؤلاء الأطفال من الفتيات المغرر بهن والمختطفات، اللاتي يُحرمن عمليا من حقهن في الزواج والأمومة في المستقبل. حق آخر مهم يتم انتهاكه هو حرمان هؤلاء الأطفال من التعليم. على الرغم من أنه يتم جذبهم في البداية من خلال الوعود بحياة أفضل ودراسة في أفضل المدارس والجامعات، فإنه ينتهي بهم المطاف في ميدان المعركة دون أي فرصة لاستكمال تعليمهم. وخلال السنوات الماضية، ومن خلال عمليات الاختطاف المشينة لاستخدام الأطفال في الأغراض العسكرية والطائفية من قبل الجماعات المسلحة الكردية، لم يتم سماع أي أخبار عن هؤلاء الأطفال من قبل أسرهم، حتى إن جثثهم لا تُعاد إليهم. وما هو واضح في هذه القضية هو حدوث نوع من الاختفاء القسري المنظم من قبل الجماعات المسلحة الكردية في إيران، مستهدفا المجتمع الكردي الإيراني.
واختتمت الصحيفة تقريرها، بالإشارة إلى أنه وفقا لما طُرح، فإن تصرفات الجماعات المسلحة الكردية في إيران، التي تشمل خداع واختطاف الأطفال، تتعارض مع القوانين الدولية وتستدعي محاسبة قانونية عاجلة. ويتوجب على السلطات الإيرانية العمل على توعية الأسر والأطفال في المناطق الكردية حول خطر هذه الجماعات، واتخاذ تدابير قانونية ضدهم من خلال المحاكم المحلية والدولية. كما أن توثيق الجرائم يعد أمرا حيويا لزيادة وعي المجتمع الكردي، مع جذب الانتباه العالمي إلى ما ترتكبه هذه الجماعات من انتهاكات، ما قد يؤدي إلى تدخل الأمم المتحدة، وفقا لقرارات مجلس الأمن، لمعالجة القضية وحماية حقوق الأطفال.